مقالات مختارة

ما الذي سيتغير في كرة القدم؟

1300x600

ما حدث فنيا في كأس العالم 2018 لا يزال مادة للتحاليل والتعاليق لأنه ينذر بتحولات عميقة ستشهدها كرة القدم العالمية مستقبلا خاصة مع تفوق الواقعية على المهارة الفردية، وتفوق المنظومة الدفاعية الجيدة على الاستحواذ والمتعة الكروية، وتألق منتخبات وصفت بالمغمورة على حساب العمالقة..

 

كما كان الشأن مع كرواتيا وبلجيكا على حساب البرازيل وألمانيا، إضافة إلى تألق جيل جديد من اللاعبين وتراجع نجوم كبار على غرار ميسي ونيمار ورونالدو ما ينذر بتغييرات جديدة في منظومة كروية لن تكون كما كانت في كل القارات والدوريات.


المدربون واللاعبون استوعبوا الدروس الفنية والتكتيكية للمونديال وأدركوا أن نجومية الفرديات لم تعد الأساس لتحقيق الإنجازات إذا لم تتوفر المنظومة الدفاعية القوية والروح العالية واللعب الجماعي والتحضير الجيد نفسيا وبدنيا، عوامل كلها ترتكز على طواقم فنية شابة موسعة تتميز بالكفاءة والجرأة وتثق في الجيل الجديد من اللاعبين الشبان الذين يحتاجون إلى مرافقة معنوية ونفسية وفنية تسمح لهم بتفجير طاقاتهم دون عقدة.

 

الغلبة في مونديال روسيا كانت لجيل جديد من المدربين وجيل جديد من اللاعبين المبدعين على حساب المخضرمين الذين عجزوا عن مسايرة الجيل الجديد بفكره الجديد وإرادته الكبيرة في إثبات الذات..


إخفاق حامل اللقب ألمانيا بذلك الشكل كان درسا سيستفيد منه الألمان الذين كان عليهم حسب المتتبعين الاعتماد على الجيل الجديد المتوج بكأس القارات منذ سنة، لكن مدربهم المحافظ فضل الاعتماد على المتوجين باللقب في البرازيل وعدم المغامرة بالشبان طمعا في الحفاظ على تاجه، في وقت دفع الإسبان فيه ثمن تغييرهم لمدربهم عشية المونديال في تصرف لم نعهده عند الكبار، والأكيد أنه لن يتكرر لاحقا على هذا المستوى في أوروبا.


المدرسة الكروية الفرنسية كانت أكبر مستفيد من مونديال روسيا لأن تتويجها كان بمثابة تتويج لمراكزها التكوينية العريقة التي أنتجت أجيالا مبدعة سابقا ولا تزال تنجب لاعبين فرنسيين آخرين من أصول افريقية أثبتوا قدرات كبيرة على الاندماج وتحقيق الذات في مجتمع فرنسي يصعب التأقلم فيه.


الجيل الجديد من اللاعبين الفرنسيين الشباب بقيادة مبابي سيتحرر وينتفض ويتألق مع نواديه الفرنسية والأوروبية بعدما لبس ثوب البطل العالمي بجدارة وامتياز متحررا من كل العقد.

 

الكرة في أمريكا الجنوبية ستستفيد بدورها من إخفاقها في المونديال الأخير بعدما تعمقت الهوة بينها وبين نظيرتها الأوروبية فنيا وتكتيكيا وبدنيا وهي التي كانت دوما تعتمد على مواهبها في صناعة الفارق لتكتشف في روسيا أن عالم الكرة تغير كثيرا ولم يعد بمقدور ميسي ونيمار وسواريس وخاميس رودريغيز وحدهم، تحقيق الانتصارات ومنافسة كرة أوروبية واقعية ترتكز على روح الجماعة والصرامة التكتيكية.


أما الكرة الآسيوية فقد أثبتت من خلال إيران واليابان أنها قريبة من المستوى العالمي العالي عكس الكرة في أفريقيا والعالم العربي التي تم تلقينها في روسيا كل الدروس في مختلف المواد التي يمتحن فيها المسيرون والمدربون واللاعبون، دون أن يستوعبوها جيدا أو يحفظوها ما جعلها تكرر نفس الأخطاء في مختلف التجارب رغم توفرها على طاقات بشرية ومهارات كروية تصنع أمجاد أكبر النوادي الأوروبية من زمان دون أن تقدر على صناعة الفارق مع منتخباتها.


ما حدث في روسيا سينعكس نفسيا وفنيا على مختلف الدوريات العالمية خاصة الأوروبية منها والتي أثبتت تفوقها على الكرة في أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا، وسيستمر تفوقها لسنوات لأنها تشهد انتعاشا مستمرا وحركية متسارعة سمحت لها بالتتويج باللقب العالمي لأربع دورات متتالية منذ 2006، بفضل الأجيال الجديدة التي دفعت أنييستا إلى مغادرة البارشا والتوقف عن اللعب مع المنتخب، ودفعت رونالدو إلى الرحيل عن الريال، ودفعت بأرسن فينغر إلى مغادرة آرسنال، بعدما قضى معه أكثر من عشرين عاما.

 

أمور كثيرة تغيرت في مونديال روسيا وأخرى ستتغير في كرة القدم العالمية، بعد تتويج فرنسا وتألق كرواتيا وبلجيكا وإنجلترا، وإخفاق ألمانيا وإسبانيا والأرجنتين والبرازيل، امتدادا لتحولات أخرى يشهدها العالم في كل المجالات المرتبطة بلعبة كرة القدم، التي تحولت إلى علم وصناعة للفرجة، والمكسب الرياضي والمادي، ومسرحا للاستثمار السياسي من طرف ملوك وأمراء ورؤساء غيروا الكثير من المفاهيم بمناسبة مونديال روسيا الذي سيكون دون أدنى شك منعرجا كبيرا لكرة القدم العالمية..

 

فهل سنعتبر نحن أم سنعاود حفظ نفس الدرس دون استيعابه؟ الأكيد مالم نستوعبه لحد الآن أن الكرة دائمة التغيير والتطوير. 

- إعلامي جزائري

 

(عن صحيفة القدس العربي)