قضايا وآراء

رغم أنف الإخوان!

1300x600
رغم مرور خمس سنوات على محنة مصر، المتمثلة في وقوع أسوأ انقلاب دموي عرفه التاريخ المعاصر، إلا أن بعض نفر ممن يتصدرون المشهد أو يحاولون تصدره عبر تغريدات تنشر على تويتر أو بوستات تعمم على فيسبوك؛ يعتقدون أن بمقدورهم القفز على حقائق رآها الناس رأي العين، ولم يتناقلوها عبر روايات مكتوبة أو مسموعة.

يحاول هؤلاء النفر ليس فقط نفي وقوع جريمة الانقلاب، بل أيضا نفي وقوع جرائم القتل والاغتصاب والسجن والاعتقال والقتل خارج القانون، وكأننا بلا ذاكرة، أو أن ذاكرتنا هشة لدرجة أن أحدهم لا يرى في ما جرى انقلابا، حتى وإن وقعت بعض الأخطاء في مرحلة ما بعد 3 تموز/ يوليو (هكذا يرى).

بعد أن علمت الدنيا شرقا وغربا أن 30 حزيران/ يونيو هي مرحلة تحضيرية للانقلاب، وبات واضحا لكل ذي عينين أن انقلاب 3 تموز/ يوليو هو من أعد مسرح 30 حزيران/ يونيو، يأتيك من يقول لك إن 30 حزيران/ يونيو ثورة رغم أنف الإخوان... هكذا والله العظيم..

وحين تبحث في الأسباب التي تدفع مثل هؤلاء الذين ينفون وقوع الانقلاب ويتهمون الإخوان بقتل أنفسهم في عدة مذابح، بدءا من مذبحة الحرس الجمهوري وانتهاء بمذبحة مدينة السادس أكتوبر التي تمت فيها تصفية مجموعة من رموز الإخوان الإخوان ودعاتهم؛ مرورا بمجزرة المنصة ومسجد الفتح والعريش والمنصورة وغيرها.. حين تبحث عن سر عناد هؤلاء ووقوفهم مع الظالم المستبد، تجد أن بعضهم يكره الإخوان ليس على أرضية الخلاف السياسي، لا بل ربما لأنه قد طلب دعما ماليا في يوم من الأيام ورأى الإخوان في ذلك الوقت أنهم لا يستطيعون، فحملها صاحبنا في قلبه، ولا يزال قلمه لا يطاوعه أن يقول كلمة حق ليس في وجه حاكم ظالم، ولكن نصرة للمظلومين الذين اعترف العالم بأسره بمظلوميتهم وضرورة إنصافهم. هذه حكاية حقيقية...

أعذر بعض المعارضين المحاصرين في الداخل حين يلقون باللائمة على الإخوان، وأقول في نفسي: لعل بعضهم يريد تمرير انتقاده للنظام عبر بوابة لوم الإخوان، لكن أن يخرج أحدهم مطالبا بحل جماعة الإخوان المسلمين كجزء من حل الأزمة السياسية الراهنة، جنبا إلى جنب مع إبعاد الجيش عن السياسة، فهذا ما لا يمكن بلعه ولا السكوت عليه.. لماذا؟

أولا: ينسى من يقول هذا الكلام أن جماعة الإخوان تم حلها، ومطاردة أعضائها، ومصادرة أموال منتسبيها وسجنهم، واعتبارها جماعة إرهابية، ومن أعلن ذلك بنفسه هو حسام عيسى، وهو أحد أعضاء جبهة الإنقاذ، والذي يعتبر نفسه من التيار الليبرالي المعارض والمعاند والمناوئ للإخوان والتيار الإسلامي عموما. للعلم حسام عيسى كان وزيرا للتعليم في ذلك الوقت، ولا أدري أي حقد حمله على إذاعة هذا البيان المشين.

ثانيا: وبناء على ما سبق فلا وجود رسمي للإخوان، بل إن الانتماء للإخوان يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. ولكنه (أي من يطالب بحل الإخوان) يريد من الإخوان أنفسهم أن يعلنوا عن حل جماعتهم بأيديهم، ويعترفوا بأنهم كانوا على خطأ، وربما يطالبهم بالاعتذار عن تشكيل الجماعة قبل 80 عاما.

ثالثا: جماعة الإخوان، وإن كنت أراها ملكية عامة تعود إلى الشعب لأنها جزء من تاريخي الشعب والأمة، وجزء مهم في حركة نضال الأمة ضد المستعمر، لكنها في النهاية مؤسسة لها جمعية عمومية ومجلس شورى ومجلس إدارة، وهو مكتب الإرشاد. وهي وإن تعطلت بعض مراكز إدارتها بسبب المذابح والحصار، إلا أن قرارا بحل نفسها لا يمكن أن يصدر عن غير هذه الجهات، ولا يجب ولا يصح أبدا ولأي سبب من الأسباب أن يزعق زاعق أو ينعق ناعق مطالبا الجماعة بحل نفسها كجزء من حل أزمة انهيار الدولة. فالإخوان ليسوا سببا في ذلك، وحل الجماعة لن يساهم في منع انهيار مصر؛ لأن سبب انهيار مصر هو حكم العسكر، وهذا قول غالبية من يفهمون السياسة ويعرفون التاريخ، ويحللون عن وعي خطورة حكم العسكر لأي بلد، ناهيك أن يكون هذا البلد مصر.

رابعا: أفهم مطالب البعض بأن يبتعد الإخوان كجماعة عن ممارسة السياسة الحزبية (التنافسية)، وتترك الجماعة لأعضائها حرية الدخول في أحزاب سياسية ذات صلة فكرية بالإسلام السياسي، أو حتى تشكيل أحزاب سياسية لا تخضع لإدارة الجماعة بأي شكل من الأشكال، ولكنني لا أفهم أبدا ولا أعرف من أين يأتي هؤلاء بفكرة أن حل الإخوان هو الحل لمشكلات مصر. وقد بينت أعلاه أن جماعة الإخوان محلولة بفعل قرار الانقلاب، بل أزعم أن مصر كلها محلولة ومفكوكة ويتم إعادة تركيبها لتصبح جزءا من مملكة العسكر.

خامسا: أصبحت لديّ قناعة بأنه كلما اقتربت مصر من حراك شعبي يجتمع عليه الناس بسبب ممارسات النظام وقهره وبطشه وفساده واستبداده، فإن هناك من يتم إدارة حساباته على تويتر وفيسبوك من غرف التحكم المخابراتية والأمنية. فليس معقولا، والجميع يدرك أزمة النظام ومعارك السيسي مع أقرب حلفائه وشركائه، أن يترك بعضهم ما يجري ليصوب سهامه إلى الإخوان، رغم كل ما يتحملونه من أذى وضرر في مواجهة الانقلاب.

سادسا: من يرغب في مواجهة الانقلاب فللانقلاب عنوان واضح وصريح لا تخطئه العين، ولكن للأسف البعض يؤمن بمقولة إن الطريق إلى إنهاء الانقلاب حتما يمر على جثة الإخوان المسلمين، أو من يؤمن بأنه يتعين على الإخوان مساعدته للقضاء على الانقلاب، ثم عليهم بأن يحملوه إلى كرسي السلطة وينصرفوا في هدوء. والله حتى إبليس لا يفكر بهكذا طريقة.