كتاب عربي 21

الرئيس مرسي ودابة العراق

1300x600

كان من الأمور الطريفة قبل الانقلاب على الرئيس مرسي أن تجد من يحدثك عن مسؤولية الرئيس، مستشهدا بقول سيدنا عمر رضي الله عنه (لو عثرت دابة في العراق لسُئل عنها عمر)، محملين الرئيس مرسي مسؤولية كل شيء، بدءا من انقطاع التيار الكهربي، وحتى المطبات في الشوارع.

البعض كان يفعل هذا بلا شك بحسن نية، مدفوعا بحماسة أملتها تجربة الاختيار الحر، وشعور البعض أنهم ولأول مرة في حياتهم يختارون حاكمهم ويستطيعون محاسبته. لكن الأمر برمته كان مفتعلا. 

أذكر تقريرا أعدته إحدى القنوات، حاولت فيه المذيعة إحراج د. باسم عودة وزير التموين والحديث عن أزمة في أنابيب الغاز، فوجدت ذهن الرجل حاضرا يحدثها بالأرقام والتفاصيل وأسماء المستودعات. 

كان مشهد الرئيس الذي يتقدم نجله لشغل وظيفة براتب بسيط، ويسكن في شقة بالإيجار، ويذهب لصلاة الفجر، ومشهد الوزير الذي يقفز فوق عربة تحمل أنابيب الغاز، أو يقف داخل المخابز أو في المستودعات الغذائية، إيذانا بمرحلة جديدة يستريح فيها الناس قليلا من عناء عقود من القهر والقمع.

ومن الطريف أن تتذكر مشهد السيدة التي وقفت تجادل دكتور باسم عودة في أسعار بعض السلع، وكانت تقول إن الإنسان البسيط لن يكون بمقدوره أن يشتري كيلو من الأرز بمبلغ ثلاثة جنيهات، وأن تحاول تخيل رد فعلها الآن على ارتفاع أسعار تذاكر مترو الأنفاق التي وصلت إلى سبعة جنيهات. 

البعض كان مدفوعا بإخلاص لا شك فيه، لكن من الصعب أن تتفهم غضب البعض من الضجة التي افتعلها إعلام العسكر حول تقدم نجل الرئيس لنيل وظيفة راتبها 800 جنيه. وسيكون من اللطيف أن تتصور رد فعل من كانوا يصرخون على الرئيس مرسي لارتفاع سعر الدولار، الذي بلغ في عهد ستة جنيهات، ويتحدثون عن الغلاء غير المحتمل تجاه سعر الدولار الحالي، والذي كاد يكسر حاجز العشرين جنيها.

الأكثر طرافة هو التساؤل الذي طرحه البعض بعد الانقلاب مباشرة، وهو ماذا لو أصيب أحد الشباب المشاركين في 25 يناير بغيبوبة ثم استيقظ بعد الانقلاب!

كيف كان سيرى ما آلت إليه الأمور؟ 

وليست هناك حاجة حتى لتخيل هذا، فيكفي أن تسأل واحدا ممن صدقوا وعود عسكري الانقلاب حين أكد لهم أن مصر ستصبح (قد الدنيا)، عن رأيه الآن بعد أن قرأ خبرا عن سعي قناة السويس لاقتراض عدة مليارات من بنوك خليجية، بعد أن كانوا يمنونه بأن تفريعتهم هذه ستفتح أبوابا للرخاء لا تنغلق. 

لقد زادت أسعار المحروقات عدة مرات، ورُفع الدعم، وزادت رواتب الجيش والشرطة عدة مرات، وارتفعت أسعار كل شيء في مصر، وأصبحت الحياة لا تُطاق، وبارت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية بفعل سد النهضة، وتحدث عسكري الانقلاب صراحة عن تحلية مياه الصرف الصحي بلا خجل. ولكن إعلام العسكر توقف عن الحديث عن دابة العراق، وأصبح يحدث الشعب الآن عن ضرورة احتمال الظروف الصعبة لكي (يبنوها)، وعن واجب المواطن الصالح.

لن تسمع في قنواتهم من ينتقد زيادة رواتب الجيش والشرطة، ولن تسمع ممن كانوا يتحدثون عن التكلفة المزعومة لصلاة الرئيس مرسي، أي إشارة عن تكلفة موكب عسكري الانقلاب. 

لا ريب أن هؤلاء، الذين نجح إعلام العسكر في إثارة غضبهم تجاه الرئيس مرسي، صاروا الآن يدركون أي خسارة خسروها حين انقلب العسكر على هذا الرجل.