قضايا وآراء

بين القيصر والقصير

1300x600
مع مشهد حلف رأس النظام المصري لليمين الدستوري بعد شهرين من ظهور نتائج شبه الانتخابات الرئاسية في شبه الدولة المصرية، حسب وصف السيسي الذي نافس نفسه في تلك الانتخابات (مع أحد مؤيديه)، قفزت إلى السطح مقارنة قد تبدو عجيبة، لكنها تتشابه من حيث الظروف والمعطيات، وإن اختلفت في النتائج.

مقارنة بين من حلف اليمين في روسيا وذلك المتغلب في مصر:

- حلف اليمن جاء على خلفية انتخابات رئاسية شهدتها روسيا مطلع شهر آذار/ مارس الماضي، لحقتها انتخابات مشابهة في مصر، لكن المقارنة هنا قد حكمت للنظر بين طريقة إدارة كلا البلدين لهذه العملية؛ التي في النهاية تصنف على أنها تمثيلية ديمقراطية تضفي الشرعية المكذوبة على رؤوس النظام في عالم الديكتاتورية التي وضعت لافتة الديمقراطية على دكانها.

نافس القيصر... (وهو قيصر) سبعة مرشحين في هذه الانتخابات، من مشارب مختلفة، أولهم سيرجي بابورين مرشحا عن حزب الاتحاد الشعبي العام الروسي، وبافيل جرودينين مرشح عن الحزب الشيوعي الروسي، وفلاديمير جيرينوفسكي مرشح الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، ومكسيم سورايكين، أصغر المرشحين سنا (39 عاما)، مرشحا عن حزب "شيوعيو روسيا"، وبوريس تيتوف، المرشح عن حزب النمو، وجريجوري يافلينسكي المرشح عن حزب يابلوكو. كما كان للمرأة الروسية مكان في تلك الانتخابات، تمثل في ترشيح حزب المبادرة الاجتماعية لكسينيا سوبتشاك. ثمانية مرشحين ببرامج مختلفة، كل له فكره ومشاريعه للنهوض بروسيا، كل قدم نفسه للناخب الروسي على رؤية محددة منتقدا برامج الآخرين مبشرا بمشروعه النهضوي.

لم يخش القيصر المنافسة، ولم يمنع المرشحين من النزول للانتخابات وعرض مشاريعهم وانتقاد سياسات الرئيس الحاكم وحكومته، رغم قوة الرجل وقبضته التي يفرضها على كل شيء في روسيا، بل على العكس فقد شهدت روسيا خلال فترة الدعاية الانتخابية، تفنيدا لسياسات بوتين ونقدا قد يراه آخرون جريمة أمن قومي بالمنظور العربي.

وعلى العكس تماما، جاءت الانتخابات الرئاسية في مصر التي شهدت منافسة بين اثنين، أحدهما يؤيد الأول. فلقد صرح موسى مصطفى موسى، وهو المرشح المنافس لرأس الدولة، بأنه يؤيد "الرئيس"، وإذا ما ترشح فسيكون صوته أيضا للرئيس. والرجل لا يلام على تصريحاته، فقد دفع دفعا لخوض التجربة الانتخابية الأولى له في حياته. ولا نقول هنا الانتخابات الرئاسية، ولكنها الانتخابات الأولى له على الإطلاق، لكن الظروف أجبرت النظام على الدفع به بعد القبض على المرشحين المحتملين، بداية من العقيد أحمد قنصوة نهاية بالفريق سامي عنان، كما كان الترهيب السمة الأبرز في التمهيد لهذه الانتخابات فتراجع كل من الفريق أحمد شفيق، وخالد علي وأنور السادات.

وعلى الرغم من تماهي حزب الوفد مع النظام، إلا أن رئيسه أو أحد نوابه رفض أن يكون محللا للنظام لكسب الشرعية.

هذا على مستوى المرشحين، أما على مستوى البرامج، فقد قدم بوتين برنامجا غلب عليه الطابع الاقتصادي لمكافحة الفقر، لقي بحسب استطلاعات الرأي قبول ما نسبته 33 في المئة من الناخبيين. أما في المحروسة، فحدّث ولا حرج، فالمتنافسان، ولضيق الوقت، لم يكونا مستعدين لتقديم برنامج، وإن كان مبررا لموسى وله في ذلك عذره، لكن كيف يقبل ممن ظل يحكم منذ خمس سنوات (أربع سنوات هي فترته الرئاسية وعام كان يحكم من وراء الستار) فلا حجة له في عدم تقديم برنامج له، وإن كان الرجل وبكل صدق وعد الشعب "أن يأكل من جوعه ويشرب من عطشه"، على حد قوله.

وعلى صعيد العملية الانتخابية، بداية من الدعاية لم يستطع القيصر أن يستخدم المصالح الحكومية ومرافقها للدعاية الانتخابية، مرورا بعملية التصويت التي لم يجبر فيها بوتين موظفي الدولة للنزول لكي ينتخبوه فقد زادت نسبة المشاركة في روسيا عن 18 في المئة وإن كانت نسبة حقيقية، إلا أنها قلت عن تلك التي أعلنتها الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، إذ بلغت المشاركة في انتخابات مصر 46 في المئة، وهو ما لم تنقله كاميرات التلفزيون ولم تورده تقارير المراقبين والصحفيين الذين تابعوا العملية.

أما النتائج فقد كانت مفاجئة حيث تغلبت المسرحية المصرية على نظيرتها الروسية، فلا يقبل المخرج المصري بغير مقعد الريادة التي دشنها منذ الخمسينيات من القرن الماضي بنسبة 99.9 في المئة التي كان يأخذها كبيرهم الذي علم كل حكام العرب السحر، لكن بطل مسرحية 2018 أراد أن يجود حتى تحسب المسرحية على المدرسة الواقعية في الإخراج، فظروف خروج البلد من ثورة ووجود معارضين لا زالوا يجوبون الشوارع كل جمعة في مظاهرات رفضا لحكمه، مع تزايد السخط الشعبي من غلاء الأسعار واتساع رقعة الضرائب لتصل إلى سندوتش الفول، طعام الفقراء وهم كثر، جعل الرجل يتنازل عن نسبة 99.9 في المئة إلى 97.8. وعلى الرغم من تواضعه، إلا أنه ظل مغردا في سحاب التزوير وحده، متفوقا على قيصر العصر فلاديمير بوتين الذي حصل على 76.69 في المئة، ليعلن عن نفسه قيصرا بدلا عن القيصر، وليدشن مرحلة جديدة من حياة مصر تعيدها إلى الوراء ستين عاما.. وفك الله كرب من قال: "سنصبح أضحوكة العالم".. أبشر أبا إسماعيل... فقد صدقت.

جال ذلك بخاطري وأنا أشاهد الرجل منتشيا باحتفالية حلف يمينه الدستورية لولاية جديدة، خيّم عليها النفاق وغرد فيها الأفاقون والمنتفعون.