قضايا وآراء

قمة إسطنبول.. إنجاز أم دعاية لأردوغان!

1300x600
يقود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إجراءات تصعيدية ضد إسرائيل، بعد المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الأسبوع الماضي بقتل نحو 60 مشاركا في مسيرة العودة الكبرى، والتي تزامنت مع الخطوة الأمريكية بنقل السفارة إلى القدس، والتي سبق ووعد ترامب بها منذ خوضه انتخابات الرئاسة.

وكان في المقدمة من هذه الخطوات عقدُ قمة لمنظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول والبيان الذي صدر عنها محملا بعبارات الإدانة والتمسك بالقدس. وقام أردوغان بطرد سفير دولة الاحتلال من أنقرة، فيما وجهت له السلطات التركية إهانات متعمدة لا تأخذ بعين الاعتبار أنه سفير له حصانة دبلوماسية. وقام الرئيس التركي بتشجيع كل من السلطة الفلسطينية والأردن على أخذ مواقف معارضة لنقل السفارة الأمريكية للقدس.

كما هدد أردوغان باتخاذ المزيد من الإجراءات ضد الكيان الصهيوني، ردا على مجزرة غزة ونقل السفارة الأمريكية للقدس. ومن ضمن الإجراءات التي تحدث عنها أردوغان؛ تخفيف العلاقات الاقتصادية، ووقف استيراد البضائع الإسرائيلية القادمة من المستوطنات، ولكنه أجل هذا القرار إلى الشهر القادم بعد إجراء الانتخابات.

الدور الإسلامي والحسابات الانتخابية

وإن كان انعقاد القمة جاء كرد طبيعي على مجزرة غزة وإجراء نقل السفارة، وهي الثانية بزعامة أردوغان منذ إعلان ترامب عزمه نقل السفارة، فإن العامل الانتخابي كان له دور في تصعيد الإجراءات ضد إسرائيل، وهذا طبيعي في مثل هذه المرحلة ولكنه لا يعني أن أصل هذه الإجراءات هو الترويج الانتخابي لأردوغان.

فالهدف الأساسي كان ولا يزال استمرار موقف الرئيس التركي المناهض للدور الإسرائيلي وإجراءاته ومواقفه من الشعب الفلسطيني. ويتطلع أردوغان لزعامة العالم الإسلامي ويرى أن القدس هي المدخل لتعزيز هذا الدور في المنطقة خصوصا في ظل تزعمه منظمة التعاون الإسلامي حاليا. 

وترى تركيا أردوغان أن الدور الإسلامي المستند إلى تراث عريق ومتجذرهو الذي يقدمها في علاقاتها مع الغرب وسعيها نحو الاندماج تحت مظلة الاتحاد الأوروبي.

وتعزز دور تركيا بعد فشل انقلاب 2016، والذي دعمه الغرب بشكل مباشر وغير مباشر. فقد نجحت الحملة التطهيرية التركية ضد منظمة غولن في إضعاف دور هذه المنظمة التي يقودها عبد الله غولن المقيم في أمريكا.

ولذلك لجأ أردوغان للالتفات للخطر الداخلي وتعزيز قبضة حزب العدالة على البلد، وكذلك ولاء الأجهزة الأمنية له. كما لجأ أيضا للاندماج في التحالف الدولي ضد داعش منطلقا من تصفية وجودها على الحدود مع سوريا. كما تمكن الجيش التركي في عمليتين منفصلتين (درع الفرات وتحرير عفرين) من إضعاف قبضة الأحزاب الكردية عليها وإحراج واشنطن بكف اليد عن دعم هذه الأحزاب لأن خطر داعش تراجع، ولم يعد هناك داع لدعمها.

وتحالفت تركيا مع روسيا في مواجهة داعش والأكراد ما دعاها إلى عدم اشتراط استبعاد بشار الأسد لإنجاز الحل السياسي للمسألة السورية.

بين الشعبي والرسمي

ونجحت القمة الإسلامية بتأكيد التمسك بالقدس والحقوق الفلسطينية وإن كان ذلك قد أتي من خلال دعم المبادرة العربية التي تدعو لحل متفق عليه لقضية اللاجئين.

كما قررت توفير الحماية الدولية للسكان الفلسطينيين من خلال إجراءات منها إيفاد قوة دولية للحماية.

وأكدت القمة كذلك -وفي تحدي لترامب-رفضها للقرار"غير القانوني" الذي اتخذه رئيس الولايات المتحدة بالاعتراف بالقدس عاصمةً مزعومةً لإسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال؛ واعتبرته قراراً باطلاً ولاغيا وانتهاكا لقرارات الشرعية الدولية؛ كما اعتبرت القمة هذا القرار اعتداءً على الحقوق التاريخية والقانونية والطبيعية والوطنية للشعب الفلسطيني، ومحاولةً متعمدةً لتقويض جميع فرص السلام وتهديداً للسلم والأمن الدوليين.

وفي تأكيد على المقاطعة، فقد دعت القمة لحظر دخول منتجات المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية إلى أسواقها، واتخاذ تدابير ضد الأفراد والكيانات المتورطة أو المستفيدة من استمرار الاحتلال ونظام الاستيطان.

ولا يبدو أن هذه القرار يتعلق بالمقاطعة الشاملة، ولكنه يقتصر على مقاطعة منتجات المستوطنات كما تفعل العديد من الدول الأوروبية.

ويمكن القول إن القمة بمجملها رفض لقرار ترامب، ولكن لم تصدر عنها قرارات قاطعة وحازمة في الشأن الفلسطيني، وحاولت التوفيق بين المواقف المتباينة منها.

وحققت تركيا بذلك إنجازا مهما بتحدي قرار ترامب، ولكن ليس لدرجة مناصبته العداء.

ويقرب ذلك القيادة التركية من شعوب المنطقة، ولكنه يتطلب المزيد من الجهود في هذا الإطار.

عقبات

ووضع الموقف التركي المناهض لإسرائيل على المحك منظومة العلاقات المعقدة مع العدو، بما يمس بالعلاقة المتجذرة مع تل أبيب، والتي تشكل حجر الرحى في قبول تركيا لدى الغرب، ولذلك لا يتوقع تصعيد الموقف التركي أكثر؛ ما لم ترتكب تل أبيب مجازر أو تستمر في اعتداءاتها على القدس!

صحيح أن الموقف التركي يظل في إطار التبعية لواشنطن، ولكن ليس بدون حدود بالنسبة لإدارات متعاقبة اعتبرت إسرائيل الطفل المدلل لها.

ويزيد تعقيد الموقف من خلال سعي دول خليجية للتطبيع مع العدو، والسكوت على اعتداءاته ضد الفلسطينيين، والضغط عليهم لتمرير صفقة القرن طمعا في موقف أمريكي داعم لتثبيت دور بعض الحكام في المنطقة. ونشير هنا إلى الخلاف مع السعودية التي يبدو أنها تدعم الصفقة، فيما يحاول أردوغان تأليب الأردن والسلطة ضدها. وهنا يبرز دور المال الخليجي في التسويق لصفقة يبدو أنه من الصعوبة بمكان تطبيقها طالما أنها تتجاوز القدس!

ويحيلنا ذلك إلى علاقة تركيا المتوترة مع دول الثورات المضادة، وهي نفسها التي تدعم صفقة ترامب، إذ يستدعي ذلك من تركيا ترتيب العلاقات مع هذه الدول أو مواجهة دورها المتآمر.

وتستعين تركيا بإيران الرافضة للصفقة والداعمة للمقاومة، ولكن هذه الأخيرة بدأت تواجه عقوبات اقتصادية جديدة، بسبب ما يزعم ترامب أنها تسعى للنووي في الإطار العسكري وليس المدني فقط.

ولذلك، فإن أردوغان يكتسب المزيد من الشعبية في منطقتنا، ولكن عليه أن يتجاوز الأنظمة الحاكمة في دولها.

وتحتاج القيادة التركية إلى المزيد من الوقت للتأثير في المنطقة والتعامل مع الموقف الأمريكي، حتى ولو كان سقف أنقرة هو عملية السلام التي تؤدي لقيام دولتين مستقلتين، واحدة فلسطينية والأخرى إسرائيلية.