اقتصاد دولي

كيف ستحمي أوروبا مصالحها في إيران من عقوبات ترامب؟

إيران ستلجأ إلى ممارسة سياساتها القديمة المعروفة بـ "النفط الرخيص" لمداعبة الدول المستوردة- جيتي

رفضت دول الاتحاد الأوروبي العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، معتبرة أن هذه العقوبات تمثل تهديدا لمصالحهم الاقتصادية مع إيران.


وأعلن ترامب الثلاثاء الماضي انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، واستئناف العقوبات على طهران، فيما أمهلت وزارة الخزانة الأمريكية، الشركات والكيانات الدولية العاملة في إيران مدتين لإنهاء أنشطتهم التجارية في إيران، الأولى تبدأ سريانها في غضون ثلاثة أشهر، والثانية في غضون 6 أشهر من تاريخ قرار الرئيس الأمريكي.


ويمثل الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الثالث مع إيران بعد الصين والإمارات، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين إيران والاتحاد الأوروبي 19.9 مليار في 2017، وبلغ 23.8 مليار يورو مع الصين، و 20.4 مليار يورو مع الإمارات.


وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، في تصريحات لوسائل الإعلام أمس، إن العقوبات التي أعاد الرئيس الأمريكي، فرضها على الشركات الأجنبية العاملة في إيران "غير مقبولة".


وأضاف: "الأوروبيون ليسوا مضطرين لدفع ثمن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية التي ساهموا هم أنفسهم بها"، مشددا على ضرورة أن يضع الأوروبيون الإجراءات اللازمة لحماية مصالح شركاتهم وبدء مفاوضات مع واشنطن في هذا الصدد.


والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تنجح دول الاتحاد الأوروبي في تفريغ العقوبات الأمريكية ضد طهران من مضمونها؟ وما هي الإجراءات التي يمكن أن تتخذها أوروبا لحماية شركاتها ومصالحها الاقتصادية مع إيران؟

 

الاتفاق الجديد ربما يكون طوق النجاة الذي سيسعى له الأوروبيون للخروج من المأزق

 


أستاذ الاقتصاد بجامعة السوربون في باريس، كميل ساري، قال إن أوروبا حتى الآن تقف عاجزة عن اتخاذ أي إجراءات يمكن أن تثني الرئيس الأمريكي بالرجوع عن قراره باستئناف العقوبات ضد إيران، مضيفا: "حتى وإن امتلكت أوروبا بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها حال الإصرار الأمريكي على تطبيق العقوبات، كمعاقبة بعض البنوك أو الشركات الأمريكية العاملة في السوق الأوروبي أو التضيق عليها، فلن تستطيع تنفيذ شيئا من هذه الإجراءات".

 

وأكد ساري في تصريحات لـ"عربي21"، أن بعض دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها فرنسا، تبحث مع الإدارة الأمريكية حاليا الحصول على استثناء للشركات الأوروبية والفرنسية العاملة في إيران من قرار العقوبات، وفي المقابل تخطط الإدارة الأمريكية لاستخدام دول الاتحاد الأوروبي للضغط على إيران من أجل القبول بتوقيع اتفاق نووي جديد بشروط أصعب من الاتفاق السابق.

 

اقرأ أيضا: "لوبوان" تقرأ تأثير الانسحاب من الاتفاق النووي على أوروبا

ورجح أستاذ الاقتصاد بجامعة السوربون في باريس، أن يقبل الاتحاد الأوروبي لعب دور الوسيط من قبل الولايات المتحدة للضغط على إيران بالموافقة على توقيع اتفاق نووي جديد يشمل البرنامج النووي ومنظومة الصواريخ البالستية، من أجل الحفاظ على مصالح أوروبا الاقتصادية مع طهران.


وأضاف ساري: "في حالة تنفيذ قرار العقوبات الأمريكية، فلن يكون أمام الشركات الأوروبية العاملة في إيران سوى الخيار بين العقود والصفقات التي أبرمتها مع إيران، أو السوق الأمريكي"، مؤكدا أن هذه الشركات لن تضحي بالسوق الأمريكي مقابل صفقاتها أو استثماراتها في طهران.


وتابع: "مقترح الاتفاق الجديد ربما يكون طوق النجاة الذي سيسعى له الأوروبيون، للخروج من المأزق، خلال الأسابيع والأشهر القليلة القادمة".

 

الأمريكيون دأبوا على مضايقة الشركات الأوروبية التي كانت ترغب في الاستثمار بإيران

 


وقال سفير فرنسا سابقا بطهران، فرانسوا نيكولود، في مقابلة مع "لوبوان" الفرنسية، ترجمتها "عربي21"، إن قرار ترامب باستئناف العقوبات ضد إيران سيحول دون بيع 40 بالمائة من المنتجات الإيرانية في الأسواق الأوروبية. 

 

وأضاف: "سيبقى ذلك منوطا بقدرة الأوروبيين على إقناع دونالد ترامب بتقديم بعض التنازلات، على غرار تجميد العقوبات بشكل مؤقت"، مؤكدا أن تجميد العقوبات بشكل مؤقت سيسمح للشركات الأوروبية، التي تربطها علاقات تجارية مع إيران بالحفاظ على أعمالها".

 

اقرأ أيضا: مسؤول: شركة أوروبية تقرر مصير صفقة طائرات لطهران قريبا

وأكد نيكولود أن الأمريكيين دأبوا على مضايقة الشركات الأوروبية التي كانت ترغب في الاستثمار بإيران، وكان السبيل الوحيد لقيام الشركات الأوروبية على غرار شركات المحروقات وشركات الطيران بالاستثمار في طهران هو حصولها بعض الاستثناءات والامتيازات، ولعل أبرز مثال على ذلك الاستثناءات التي حظيت بها الشركات الفرنسية توتال وشل في سنة 1990 في الوقت الذي كانت فيه الشركات النفطية ترزح تحت العقوبات.


وحول إمكانية دخول الإيرانيين في مفاوضات جديدة بعد قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، قال نيكولود، إن هذا الأمر غير وارد، وإيران لن تستسلم، ومن المرجح أننا سنشهد فترة من الاضطرابات والضغوط من جميع الاتجاهات.

 

تنفيذ العقوبات الأمريكية ضد طهران سيضع استقلالية وسيادة القرار الأوروبي محل شك

 

 

وقال الخبير الاقتصادي أحمد مصبح، إن الموقف الأوروبي المخالف لموقف الإدارة الأمريكية في الانسحاب من الاتفاق النووي، أسبابه اقتصادية بحتة، كون الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الثالث لإيران بعد الصين والإمارات.


وأضاف في تصريحات لـ"عربي21": "فرنسا وألمانيا بصفة خاصة هما أكثر المتضررين الدوليين من إلغاء الاتفاق النووي، فعلى سبيل المثال نمت التجارة الفرنسية الإيرانية بنسبة 118% من يناير إلى أكتوبر 2017، مقارنة بالفترة الزمنية نفسها في العام السابق. كما أبرمت شركة النفط الفرنسية "توتال" صفقة قيمتها حوالي 4.8 مليارات دولار لتطوير أكبر حقل غاز في العالم بجنوب الخليج الفارسي على مدى 20 عاما، وأبرمت إيرباص صفقة لبيع 100 طائرة إلى إيران تقدر قيمتها بنحو 18 مليار دولار، كما بلغ حجم الصادرات الألمانية إلى إيران قرابة 3.5 مليارات يورو".

 

اقرأ أيضا: كيف تأثرت بورصات أوروبا بانسحاب أمريكا من اتفاق إيران؟


وأردف: "العديد من دول الاتحاد الأوروبي استفادت أيضا من إعادة العلاقات مع إيران. فقد نمت التجارة بين إيران والنمسا على سبيل المثال بنسبة 34 في المائة في العام الماضي، مقارنة بالفترة المماثلة السابقة، وبلغت قيمة التجارة الإسبانية مع إيران 1.67 مليار يورو، وكان لدى هولندا 1.34 مليار يورو في عام 2017".


وأكد مصبح أن الأرقام والمؤشرات لحجم التبادل التجاري بين أوروبا وإيران تكشف حجم التباين الواضح بين وجهتي النظر الأمريكية والأوروبية من إلغاء الاتفاق، مضيفا أن قدرة أمريكا على تنفيذ عقوباتها رغم المصالح الأوروبية سيمثل مقياسا حقيقيا لمعرفة درجة الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد الأوروبي.

 

وتابع: "دون إيجاد مخرج لعدم تضرر الشركات والمصالح الأوروبية من هذه العقوبات، فإن تنفيذ العقوبات الأمريكية ضد طهران سيضع استقلالية وسيادة القرار الأوروبي محل شك مقابل هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية".

 

إيران ستلجأ إلى ممارسة سياساتها القديمة المعروفة بـ "النفط الرخيص"

 

ومن ناحيته، توقع الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي أن إيران ستلجأ إلى ممارسة سياساتها القديمة المعروفة بـ "النفط الرخيص"، وهو ما سيدفع بعض الدول المستوردة للنفط إلى طلب استثناء من العقوبات الاقتصادية على إيران، وبخاصة في مجال النفط، لافتا إلى أن سياسة النفط الرخيص ستداعب دول الاتحاد الأوروبي والصين والهند وتركيا.


وأكد الصاوي أن سياسة النفط الرخيص لإيران تحقق أكثر من ميزة، أولها كسر حصار العقوبات الاقتصادية عليها، والحفاظ على وجود حلفاء لها في مواجهة أمريكا على الساحة الدولية، وكذلك التحول إلى ما يعرف بالصفقات المتكافئة، حيث تحصل على احتياجاتها في شكل سلع وخدمات من الدول التي تحظى بعرض النفط الرخيص، وبما يخفف عن الاقتصاد الإيراني، مهمة تدبير عملات صعبة، أو الدخول في دوامة سيطرة أمريكا على النظام المالي العالمي.