حقوق وحريات

تحليل: هذه مخاطر رفض الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي

ازداد انتشار الحركة في وقت باتت فيه المقاومة تشكل خطرا حقيقيا على القدرة العسكرية- جيتي

عرفت دولة الاحتلال الإسرائيلي ظاهرة رفض الخدمة العسكرية في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ووصف البعض منهم أنفسهم بـ"اللاعنفيين"، الذين يرفضون الالتحاق أو التجند في صفوف الجيش، وقال آخرون إنهم غير مستعدين للخدمة العسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو لبنان، لاعتبارات أخلاقية، واختفى قسم كبير منهم، بعد تعرض الكثير من أعضائها لضغوط لتغيير مواقفهم.


وتعد حركة "يوجد حدود"، التي تأسست أثناء حرب لبنان 1982، من أكثر حركات الرفض تجذرا ورسوخا، ورغم أن ظاهرة رفض الخدمة لم تنجح، مع أهميتها، في زلزلة المؤسسة العسكرية، إلا أنها بدأت في بعض الأحيان تصدم الرأي العام، بعد وصولها الوحدات النخبوية في الجيش، وبدأ هذا الاقتحام بإثارة الإرباك والقلق في محافل دولة الاحتلال، التي تطور على الدوام آليات لامتصاصه واحتوائه، وتخفيف أثره.

 

وكشف الرئيس السابق لقسم القوى العاملة في جيش الاحتلال أن 40% من الشباب لا ينهون الخدمة العسكرية، وهذه النسبة موزعة تحت أسباب مختلفة:

 

10 % من طلاب المدارس الدينية لا يخدمون بقرار من الحكومة، ما يشجع الشاب على التطرف والذهاب للمدارس؛ تهربا من الخدمة.

 

10 % لا يخدمون لأسباب نفسية، وهي نسبة مرتفعة جدا، ولا يعقل أن تكون في أي مجتمع، وإن كانت حقيقية تعكس الأمراض التي يعانيها الشباب، ما يجعلها تعطي مؤشرات خطيرة على الصحة النفسية.

 

20 % لا يخدمون لأسباب مرضية أو عائلية، أو موجودون خارج الدولة، وهذه النسبة لها مدلولاتها التي ترتبط بطبيعة "إسرائيل"، وتوضح المؤشرات الحياتية التي يعيشها ذلك المجتمع.


وخلال الانتفاضة الأولى، صدر أول بيان رفض رسمي أعلن فيه أكثر من ألفي جندي رفضهم للخدمة

في المناطق الفلسطينية، سجن منهم 180 شخصا، في حين شهدت انتفاضة الأقصى انتشار ظاهرة رفض الخدمة والفرار منها، وهي ظاهرة جديدة/قديمة في المجتمع الإسرائيلي، قديمة من حيث إنها عرفها من قبل عدة مرات، كان آخرها أثناء احتلال جنوب لبنان، وجديدة من حيث ظهورها مرة أخرى استجابة لتصاعُد المقاومة، ومرتبطة بظواهر أخرى، وبعد سنين من انتشارها، تطرح الأسئلة التالية: ما هي الأسباب التي أدَّت إليها؟ هل هو استيقاظ ضمير المجندين؟ أم خوفهم من الهلاك؟ أم أن السبب هو أزمة بنيوية حاقت بالتجمع الإسرائيلي؟

 

وعند رصد العديد من المشاهدات، يرى المراقبون أن الدافع وراء رفض الخدمة العسكرية ليس عنصرا واحدا، بل مركب من عدة أسباب، أهمها تصاعد معدلات العلمنة والأمركة والتوجه نحو اللذة، وهي اتجاهات تنامت في "إسرائيل" بعد 1967، وأدت لتحوُّل التجمُّع الإسرائيلي إلى "مجتمع الثلاثة V" الفيديو والفولفو والفيلا، وظهور المستوطن المتوجه نحو اللذة، ذو الرأس الصغير والمعدة الكبيرة، الذي يجيد الاستهلاك ولا يؤمن بأي مثاليات أو أيديولوجيات، بما في ذلك الأيديولوجية الصهيونية، هذا الإسرائيلي لا يعرف كيف يضحي من أجل وطنه وكرامته، فهو ملتف حول ذاته، يريد أن يزيد من معدلات استهلاكه ورفاهيته، وبالتالي ينصرف عن الخدمة العسكرية ويفر منها.

 

كما أدى هذا التوجه، بحسب مراقبين، لتراجع الروح الاستيطانية الريادية القديمة؛ لذا ينصرف الإسرائيليون عن الخدمة العسكرية ويفرون منها، ونشرت الصحف أن الجيش يفكر جديا بإغلاق المدرستين الثانويتين العسكريتين؛ لإخفاقهما في اجتذاب الطلبة، كما أن نسبة الخريجين الملتحقين بالجيش آخذة في التناقص، والشباب يعزفون عن الخدمة، حيث تقدمت قيادة الشرطة العسكرية بطلب لزيادة مخصصاتها المالية؛ لإنشاء سجن حربي خاص بالفارين من الخدمة العسكرية.


ويبقى الفرار من الخدمة من أهم الظواهر التي تهدِّد المؤسسة العسكرية، ولمعرفة أبعادها الحقيقية، تجب الإشارة لواحد من أهم إنجازات الجيش، المتمثل في نجاحه بإقناع المجندين بعدالة القضية الصهيونية، وأن "إسرائيل" وطنهم الوحيد، وليس الأرض التي تم اغتصابها من الفلسطينيين، وأن الجيش هو الذي يضمن لهم ولأهلهم ولشعبهم البقاء والأمن والطمأنينة.

 

وتجلت أحدث ظواهر رفض الخدمة وأكثرها حدة في حركة "الشجاعة في الرفض"، التي أصدرت بيانا في السنوات الأخيرة تعلن فيه عدم استعداد الموقعين للخدمة بالضفة الغربية، ووقع خمسون وجنديا من الاحتياط، وبعضهم ضباط في تشكيلات المظلات والوحدات الخاصة، وبدأ البيان بتأكيد أنهم "صهاينة مخلصون"، ومن الأوائل في الدفاع عن "إسرائيل"، إلا إن الأوامر التي يتلقونها الآن لا تمت لأمن الدولة بأي صلة، أي أنهم يرفضون التصور الصهيوني للأمن الإسرائيلي الذي يمتد من النهر إلى البحر، ويضم كامل تراب فلسطين.


بهذا المعنى، فإن الجيش في الضفة، بالنسبة لهم، هو جيش احتلال؛ لأن "الضفة الغربية ليست إسرائيل"، ولذا يعلنون أنهم لن "يشتركوا فيما يسمونه حرب سلامة المستوطنات"، ولن يواصلوا "القتل خلف الخط الأخضر، بهدف السيطرة والطرد والهدم والإغلاق، والتصفية والتجويع والإهانة لشعب بأكمله".


وازداد انتشار الحركة في وقت باتت فيه المقاومة تشكل خطرا حقيقيا على القدرة العسكرية، فهي "تسمم" الجيش من الداخل، وتؤدي لخفض المساهمة الكمية في الجهد العسكري، وتتميَّز بأنها ليست مجرد فعل فردي، أو حتى اتجاه تلقائي عام، بل عملية جماعية منظمة وضعت هدفا واضحا لها: الضغط على الحكومة للانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967.

 

يلجأ الإسرائيليون للعديد من الطرق التي يتهربون بواسطتها من أداء الخدمة العسكرية، مع مراعاة أن بعضها يناسب الذكور فقط، وبعضها الآخر يناسب الإناث فقط، وثمة طرق تناسب الجنسين معا، وهي:
1- طمس القدرات الذهنية والمادية الحقيقية، وهي ما تعرف بـ"تخفيض "البروفيل".

2-  الهجرة خارج البلاد.
3- الرفض العلني للخدمة العسكرية.
4- الزواج أو الولادة للإناث فقط.
5- إعفاء لأسباب دينية.
6-  إعفاء لأسباب ضميرية.
7- الدراسة في المدارس الدينية اليهودية.


وفي هذا السياق، يقول يازم بيري، عالم الاجتماع بجامعة تل أبيب، إن رفض الخدمة في الجيش أصبح قضية مركزية متزايدة داخل المجتمع الإسرائيلي، وشرح ذلك بقوله: "المسألة الأساسية هي ما يسمى "المقاومة الرمادية"، حيث يحاول بعض الإسرائيليين تحاشي الخدمة بالادعاء بمشاكل وأمراض عقلية، التي تسمح لـ10% بتجنب الخدمة. أما الجهات العسكرية، فقد تبنت موقفا يقول: لا تسأل ولا تتحدث في موضوع المقاومة الرمادية، التهرب من الخدمة الإلزامية".


وأضاف: "يعتقدون بحاجتهم لمئتي شخص ليحصلوا على مئة جندي، وستجد خمسين منهم غير مؤهلين بسبب الصحة، وخمسين آخرين لوجود أعراض ومشاكل نفسية، ولكن في نهاية الأمر سيحصلون على العدد المطلوب. أما السلطات العسكرية، فهي لا ترغب في بروز رجال قد يصبحون رمزا ومثلا يحتذى لرفض الخدمة؛ لذلك تحاول أن توصل للآخرين الثمن الباهظ الذي سيدفعه أولئك الرموز الرافضون للخدمة".