قضايا وآراء

إسطنبول مستقبل واعد للاقتصاد الإسلامي

1300x600
انعقد الأسبوع الماضي بإسطنبول المؤتمر الأول للأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي (إيفي) بعنوان: "المصارف الإسلامية بين فكر المنظرين وواقع التطبيق"، والذي تشرفت برئاسته، بحضور نخبة كبيرة من العلماء الشرعيين والاقتصاديين من أكثر من خمسة عشر بلدا. وقد حاول المؤتمر الكشف عن دور الآباء المنظرين للمصارف الإسلامية، وفي مقدمتهم الإمام حسن البنا الذي كان أول من طرح تصورا لبنك إسلامي في العام 1938م، تلاه الأستاذ أبو الأعلى المودودي في العام 1948م، ثم توالت الاهتمامات بذلك من خلال الدكتور محمد عبد الله العربي والدكتور عيسى عبده والدكتور أحمد عبد العزيز النجار والدكتور محمود أبو السعود، وغيرهم. وقد ارتبطت تلك الأسماء بالحركة الإسلامية وما أنتجته من صحوة إسلامية، ليس على المستوى الاجتماعي فحسب، بل على المستوى الاقتصادي أيضا.

وقد توصل المؤتمر إلى العديد من التوصيات في مقدمتها ضرورة تصحيح مسار الواقع العملي للمصارف الإسلامية، من خلال تفعيل الوساطة الاستثمارية القائمة على المشاركات، بدلا من التركيز الكبير على المداينات، ومن ثم أهمية أن تخرج المصارف الإسلامية من ضيق المرابحة إلى سعة تلك الأساليب حتى تحقق أهدافها التنموية الاقتصادية والاجتماعية. كما طالب المؤتمر ببذل الجهد لتأهيل العاملين والمراقبين الشرعيين بما يمكن المصارف الإسلامية من حسن سير عملها، وتكوين هيئة مركزية للرقابة الشرعية، وتوثيق تجربة الرواد الأوائل للمصرفية الإسلامية، كما دعا المؤتمر كذلك إلى اعتماد مدينة إسطنبول عاصمة للاقتصاد الاسلامي، وذلك لما تحظى به من مقومات تاريخية وجغرافية واقتصادية وسياسية.

وقد جاءت التوصية الأخيرة في ظل ما تشهده إسطنبول من حركة دائبة نحو الاقتصاد الإسلامي. ففي الوقت الذي تضيق به بعض الجامعات في الدول العربية بتخصص الاقتصاد الإسلامي، فتحت إسطنبول ذراعيها لبعض جامعتها لتدريس هذا التخصص، ليس باللغة التركية والإنجليزية فحسب، بل باللغة العربية أيضا. كما أن بورصة إسطنبول للأوراق المالية بها نافذة إسلامية، فضلا عن وجود خمس بنوك إسلامية بتركيا، وتفعيل الصكوك في عملية التنمية، والاتجاه لإنشاء مؤسسات مستقلة لإدارة المحافظ المالية، في مقدمتها مؤسسة مقاصد التي فتحت أبوابها بعد انعقاد المؤتمر بأيام معدودات.

إن الدعوة لتكون إسطنبول عاصمة للاقتصاد الإسلامي هي دعوة لها ما يبررها ولها أهميتها في ظل تلك الحقائق، فضلا عما تتمتع به إسطنبول من مقومات تاريخية وجغرافية واقتصادية وسياسية. فإسطنبول تمتلك من التاريخ ما لا تمتلكه أي مدينة أخرى، فهي عاصمة الخلافة الإسلامية لقرون عدة، وتحمل عبق التاريخ، فضلا عن مكانة الجغرافيا، حيث تقع إسطنبول في إقليم مرمرة شمال غربي تركيا، وتجمع بين قارتي أوروبا وآسيا، حيث يقسمها مضيق البوسفور إلى قسمين شرقي وغربي، يقع الشرقي في قارة آسيا (شبه جزيرة كوجالي) والغربي (شبه جزيرة تشاتالجا) في قارة أوروبا، شرقي منطقة تراقيا الواقعة جغرافيا جنوب شرقي البلقان، ويعد موقعها من أفضل المواقع الدفاعية في العالم. وتُعدّ مدينة إسطنبول كذلك أكبر المدن في تركيا وثاني أكبر مدينة في العالم من حيث عدد السكان، وتملك مقومات سياحية وثقافية، فضلا عن كونها تمثل المركز الاقتصادي الأهم في تركيا، فهي توفر فرص عمل لـ20 في المئة من الأيدي العاملة في تركيا، وتسهم بـ22 في المئة من الناتج القومي التركي، ويؤخذ منها 40 في المئة من مجموع الضرائب في الدولة، وتنتج 55 في المئة من الصادرات التركية.

ويبقى بعد ذلك الدعم السياسي الذي تتميز به مدينة إسطنبول لتكون عاصمة للاقتصاد الإسلامي، وهو حاضر  بقوة في ظل وجود حاضنة رئاسية للاقتصاد الإسلامي، فلطالما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (بصفة مستمرة) للتوجه نحو البنوك التشاركية، ودعا العالم أجمع إلى تقرير المشاركة في الربح والخسارة بديلا عن سعر الفائدة الذي يعتبره أداة للاستغلال. كما أن الإرادة السياسية الفاعلة والإدارة السياسة الرشيدة بادية على أرض الواقع، من خلال تحويل تركيا من دولة مثقلة بالديون، واقتصاد بلغ من المرض شدته قبل تولي حزب العدالة والتنمية الحكم مقاليد الحكم في العام 2002م، إلى إقتصاد بلغ مبلغا من القوة لا يستهان بها، حتى حقق أعلى معدل للنمو بنسبة 7.4 في المئة العام الماضي، ليكون بذلك الاقتصاد الأسرع نموا بين دول مجموعة العشرين، فضلا عن سعي القيادة السياسية إلى أن تكون تركيا ضمن اقتصاديات العشرة الكبار بحلول عام 2023م.