صحافة دولية

فايننشال تايمز: ما هي آفاق المصالحة بعد الانتخابات العراقية؟

فايننشال تايمز: إعادة بناء المجتمعات ستكون من أبرز التحديات بعد الانتخابات المقبلة- جيتي

نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للكاتبة إريكا سولومون، تحت عنوان "العراق يصارع لرأب الجراح بعد تنظيم الدولة"، تقول فيه إن إعادة بناء المجتمعات بعد سنوات من الصراع السني الشيعي ستكون من أبرز التحديات بعد الانتخابات المقبلة. 

 

وتقول الكاتبة إن "الحواجز الترابية والأراضي الخاوية ما تزال تفرق بين العائلات السنية والشيعية في ناحية يثرب، قرب صلاح الدين، حتى بعد عملية المصالحة، التي دامت ثلاث سنوات، لترميم مجتمع مزقته الحرب من تنظيم الدولة". 

 

وتضيف سولومون في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، أن "المسؤولين يخططون لشق الطرقات، وإنشاء قنوات الري والضغط؛ من أجل تقسيم إدارة المنطقة النائية إلى قسمين"، أي الفصل بين المجتمعين. 

 

وتشير الكاتبة إلى أن "يثرب ليست مدينة كبيرة، مثل الموصل أو الرمادي، وليست واحدة من المناطق التي تتسم بالتعقيد الديموغرافي التي يجب التوفيق بينها، ومع ذلك تم إنفاق ملايين الدولارات لإحلال السلام فيها". 

 

وتنقل الصحيفة عن المزارع في المدينة قاسم السعدي، قوله: "الحكومة والشيوخ يريدون منا أن نتقبل أولئك الأشخاص، وهذا واجبهم"، وأضاف: "إلا أنني إذا عرفت فقط من الذي فجر منازلنا وقتل أعمامنا وإخواننا وأبناء عمومتنا، فأنا أفضل شرب دمائهم".

 

وتفيد سولومون بأنه "تم إنفاق ملايين الدولارات لتحقيق السلام هناك، رغم صغر البلدة، فخلال السنوات الماضية قام المسؤولون العراقيون والوسطاء والجماعات المرتبطة بالأمم المتحدة بجولات مكوكية بين قبائل يثرب، إلا أن مزارعين، مثل قاسم السعدي، لا يزالون مترددين بين السلام الذي طلب منهم قبوله، والرغبة العنيدة بالانتقام من جيرانهم الذين ساعدوا تنظيم الدولة الذي اجتاح مزارعهم". 

 

وتجد الكاتبة أن "رأب جراح المجتمع العراقي، الذي تهشم بالقتل والتدمير، هو واحد من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة العراقية المقبلة بعد انتخابات أيار/ مايو، فالمصالحة حيوية من أجل عودة 2.2 مليون نازح بسبب الحرب، بينهم عائلات لديها صلات مع المتشددين". 

 

وتستدرك سولومون بأنه "في يثرب، كما في الأماكن الأخرى، يحاول السكان المحليون منع عودة العائلات ذات الصلات بالمتشددين، وتعترف منظمات الإغاثة والقوى الغربية بأهمية رأب الانقسام العراقي، إلا أن قلة منها مستعدة للتنسيق مع بغداد في المشكلة، وتشعر بالقلق من أن أساليب الحكومة، مثل عزل عائلات المتهمين بالعلاقة مع تنظيم الدولة، وإجبار العائلات الأخرى للعودة قبل توفر الأمن، تمثل خرقا للقانون الدولي، وتمثل وصفة لجولة جديدة من التشدد". 

 

وتلفت الكاتبة إلى أن "هذا الأمر يترك الكثير من العمل الواجب على منظمات المجتمع المدني والقبائل والساسة، الذين يتنافسون في تحقيق أجنداتهم ومصالحهم، حيث يقول دبلوماسي: (هذا أمر عاجل.. مراقبة الجماعات وهي تحاول المساعدة مثل مراقبة العمال وهم يعيدون ترتيب الكراسي على ظهر سفينة التايتنك)". 

 

وتنوه سولومون إلى أن "من المعوقات التي تقف أمام تحقيق المصالحة في يثرب أن سكانها هم من الشيعة والسنة، بالإضافة إلى أن معظم المجتمعات في البلدة ينحدرون من القبيلة ذاتها، بشكل يجعل من تحقيق المصالحة أمرا صعبا". 

 

وتورد الصحيفة نقلا عن مدير الناحية حارث خلف، قوله إن "مشكلة داخل القبيلة الواحدة من الصعب حلها أكثر مما لو كانت بين قبيلتين". 

 

وتقول الصحيفة إنه عندما هاجم تنظيم الدولة ناحية يثرب عام 2014، قررت قبائلها السنية والشيعية مواجهة مقاتليه، إلا أن عددا من المتعاونين أسهموا في دخولهم إلى الناحية ومحاصرة الشيعة، وبعد أشهر قامت المليشيات الشيعية، بمساعدة الشيعة، بإخراج تنظيم الدولة، ومعه أكثر من 60 ألف سني تسامحوا طوعا أو كرها مع حكم الجهاديين. 

 

وتذكر الكاتبة أن "أهل السنة في الناحية يحملون الجيش العراقي المسؤولية؛ لأنه انسحب فاتحا المجال أمام دخول الجهاديين، ويقولون إنهم تعرضوا للقتل والاختطاف، لكن القبائل الشيعية تصر على تطبيق القانون القبلي للثأر، ويعني دفع الدية عن القتلى والممتلكات ومصادرة أراضي السنة، وطرد عائلات المتهمين بالتعاون مع تنظيم الدولة". 

 

وتشير سولومون إلى أن منظمات المجتمع المدني وهيئة المصالحة الوطنية تدخلت، حيث خشيت من مظاهر الحنق التي سيتركها تطبيق القانون القبلي، الذي يمكن استخدامه لحل الخلافات العائلية، لكن ليس من أجل تقرير مصير الآلاف. 

 

وتجد الكاتبة أن "الساسة الذين يريدون نتائج سريعة تدخلوا فزادوا من تعقيد الوضع، ففي عام 2015 حاول محافظ صلاح الدين، حيث تقع ناحية يثرب، حل الأزمة من خلال تخصيص 4 مليارات دينار عراقي (3.36 ملايين دولار) للعائلات الشيعية المتضررة، لكن القبائل لم تحصل إلا على جزء من المبلغ، حيث ذهب بعضه إلى بلدات أخرى، فيما اختفى بعضه نهائيا، وتقول القبائل إن هذا المبلغ لا يعد تعويضا، وظلت تمنع عودة السنة". 

 

وتبين الصحيفة أن عصائب الحق سيطرت بعد عام من اللقاءات على يثرب، وفي نهاية عام 2017، تم فرض حل، تقوم فيه القبائل السنية بدفع مبلغ أربعة ملايين دينار عراقي "ترضية"؛ تعاطفا وليس اعترافا بالذنب، مشيرة إلى أن حوالي 30 ألفا من السنة عادوا إلى بيوتهم التي وجدوها مدمرة، ولمزارعهم المحروقة، وهم يشعرون بالمرارة من الحل الذي فرض عليهم، حيث قال شيخ عشيرة سني: "نحن ضحايا تنظيم الدولة مثلهم.. بعد ثلاثة أعوام من الانتظار، دفعنا وإلا لم نكن لنعود". 

 

وتفيد سولومون بأن "من الشروط المقلقة في الصفقة ذهاب العائلات السنية للمحكمة، والتبرؤ من أبنائها الذين انضموا لتنظيم الدولة، وقد تقوم العائلات الراغبة بالعودة بعمل هذا دون فهم تداعياته، حيث تجعل الشخص (إرهابيا) عرضة للقتل من الحكومة أو الانتقام العشائري". 

 

وتختم الكاتبة مقالها بالإشارة إلى قول وسيط إن "المصالحة لا تتعلق فقط بالقدرة على العودة.. لو لم نقم بعمل هذا بشكل صحيح فإننا سنخلق مشكلات جديدة".