كتاب عربي 21

"الولايا" في أعالي البحار!

1300x600
أما "الولايا" فجمع "ولية"، وأما "الولية" فهي المرأة مكسورة الجناح، وقد كان اللقب "ولية" يطلق قديماً في الريف المصري على عموم النساء، فكلهن "ولايا"، لكن بالتقدم العلمي صارت "ولية" كـ"حُرمة". فعلى الرغم من أن المرأة هي "حُرمة"، لكن الآن لو قلت لامرأة يا "حُرمة"، فكأنما ناديتها يا "جارية"!

ومهما يكن، فقد ثبت باليقين أن أهل الحكم في مصر هم "ولايا"، جمع "ولية"، وذلك عندما يعلن وزير الري أن إثيوبيا فجأتهم بسد آخر، وكما قال المطرب الشعبي عبد المحسن حمودة: "تعبت من المفاجأة ونزلت دمعتي"!

الإعلان كان في حزب "الوفد"، وهو الحزب الذي أنهت عليه السلطة المصرية على مرحلتين، الأولى بالدفع برجل الأعمال سيد البدوي شحاتة، ليتولى رئاسته، فبدد وديعة الحزب التي قدرها "عباس الطرابيلي" رئيس تحرير جريدة "الوفد" السابق بـ90 مليون جنيه، كما بدد وديعة الجريدة التي لم يحدد "الطرابيلي" قيمتها، وهذه الأموال جعلت من حزب "الوفد"، بجانب إرثه التاريخي، قيمة، وبديلاً في مرحلة من مراحله للنظام العسكري القائم!

وبعد أن أدى "البدوي شحاتة" مهمته على خير وجه، جاء دور "بهاء أبو شقة"، المحامي وثيق الصلة بالنظام العسكري في طبعته الجديدة، فقد جرى اختياره وكيلاً للبرلمان الذي شكلته الأجهزة الأمنية، كما أن ابنه المحامي الشاب هو الوكيل القانوني لعبد الفتاح السيسي!

والحال كذلك، ولأن العملية في بيتها، فلم يجد وزير الري حرجاً من أن يذهب إلى مقر حزب "معارض"، عملت له أنظمة الحكم العسكري ألف حساب، حتى سلمه السيد البدوي شحاتة "بيضة مقشرة" لقائد الانقلاب العسكري، فيذهب إليه الوزير محاضراً، فلم يعد "الوفد" يمثل أي خطر على النظام القائم، أو يتم حسابه على المعارضة السياسية!

وزير الري هو نفسه من سبق له أن أعلن فشل مفاوضات سد النهضة، ومن ثم فقد رفع الملف للحكومة، التي ظلت تضحك على الشعب، وبالتأكيد على أنه لا يوجد ما يدعو للقلق فرئيس الحكومة الإثيوبية قادما للقاهرة ليلقي خطاباً في البرلمان، يطمئن فيه المصريين بعد أن أصبح فؤادهم فارغا.

وبعد عدة شهور، كان لقاء عبد الفتاح السيسي في الخرطوم مع الرئيس السوداني ورئيس الحكومة الإثيوبية، وخرج ليقول للصحفيين: "اطمئنوا"، دون أي تفاصيل يثبت بها فؤادنا، لينتج عن هذا اللقاء بداية لمفاوضات جديدة على مستوى وزراء الخارجية، ويخرج الوزيران المصري والسوداني ليعلنا فشل المفاوضات للمرة الثانية، وأيضاً دون تفاصيل.

وتكمن الأزمة في عدم وجود بدائل أمام القوم للمفاوضات، فتفشل جولة منها، فيعملون على إعادتها، وعندما تفشل الجولة الجديدة، ينتظروا حتى تكون الظروف مواتية للبدء في جولة أخرى.. وهكذا!

واللافت أنهم دعوا الجانبين الإثيوبي والسوداني لمفاوضات بالقاهرة، وعندما لم تتم الاستجابة لهذه الدعوة، بدوا كالولايا مكسوري الجناح، قبل أن يصرح وزير الري بما يثير الشفقة والرثاء لحال "الولايا" جمع "ولية"!

فالوزير يقول إن إثيوبيا أعلنت شروعها في بناء سد سنة 2008، بمواصفات معينة، لكنها في سنة 2011، كان البناء لسد آخر بمواصفات أخرى، ولا أعرف ما إذا كانوا يشكون لنا بطش الإثيوبيين، أم يشكون حال حكمه وهوانه عليهم؟ ومهما تكن الدوافع فيما قال، فقد فاته أن هذا السد الجديد قد أعطى رئيسه "السيسي" موافقة مصر كتابة على بنائه، بدون أية ضمانات، وعاد من هناك يطلب من الجميع ألا يتكلموا، فقد أنهى هو المشكلة، وعندما حذر وزير الري الأسبق من خطورة ما جرى تم سجنه في قضية فساد، وخرج الرجل من سجنه وقد وصلته الرسالة، فاستوعبها فلم يكتب كلمة ضد مخاطر سد النهضة!

أقصد به الوزير نصر الدين علام، آخر وزير ري في عهد مبارك، وقد تقدم ببلاغ للنائب العام ضد وزير الري السابق، يتهمه بتضليل "الرئيس"، وحذره السيسي من مغبة مواصلة الكلام والكتابة عن سد النهضة دون أن يذكر اسمه، لكني كتبت أنه يقصده، وقلت للوزير علام، إن المتهم الحقيقي ليس هو وزير الري ولكنه السيسي نفسه، فلم يقع صاحبه ضحية للتضليل!

لقد استدعت النيابة العامة نصر الدين علام، وظن أنها ستسأله في بلاغه، لكنها عاملته كمتهم في قضية فساد، بدا واضحاً أن المستهدف منها إسكاته، وتم الحكم بإدانته قبل أن تقرر محكمة النقض إعادة محاكمته، فخرج من سجنه لا يفتح فمه بكلمة واحدة في موضوع السد.

فالسد الذي يقول وزير الري الحالي، أنه مختلف عن السد الذي قررت أثيوبيا إنشاؤه في سنة 2008، وافق السيسي عليه، فليسأله لماذا وافق، إلا إذا كنا إزاء سلطة "الولايا"، جمع "ولية"، فلم يكن أمام السيسي إلا أن يوقع ويوافق؟!

يقول الوزير إن السد الحالي الذي فاجأت إثيوبيا به مصر، يختلف في مواصفاته عن سد 2008، والمؤكد أنه ورئيسه لا يعرفون مواصفات هذا السد أو ذاك، فقد "بصم " السيسي "على بياض"، ودون الاتفاق على سعة السعة ومواصفات بنائه، ثم يريد أن يعرف هذا الآن، بعد خراب مالطة، وبعد أن تم الانتهاء من أكثر من 60 في المئة من بناء السد، وعند كل مفاوضات تنتهي للفشل، يكون الظهور بمظهر "الولايا" مكسوري الجناح، والذين لا يستطيعون ضرباً في الأرض!

لقد تم الإعلان أكثر من مرة عن فشل المفاوضات، بينما إثيوبيا تمضي قدماً في بناء سد النهضة، وبدون أن يطلب الجانب المصري وقف البناء إلى حين انتهاء المفاوضات التي لا يوجد خيار غيرها، فتفشل المفاوضات فلا يكون أمامهم إلا الدعوة لمفاوضات جديدة، سينتهي خلالها الأمر إلى الانتهاء من بناء السد، ليكون أمراً واقعاً، فماذا بإمكان حكم "الولايا" أن يفعل!

في الواقع أنه ليس لقائد الانقلاب العسكري أن يطلب بوقف أعمال البناء، فقد أعطى موافقته على البناء بدون قيد أو شرط، لكن هذا الطلب لم يرفعه ولو من باب المناورة، ولم يقدم بديلاً آخر عندما تفشل المفاوضات!

إنهم الولايا إذا حكموا، وقديما كان الدعاء: "اللهم استر علينا وعلى ولايانا" - جمع ولية!