كتاب عربي 21

عودة الخيار العسكري ضد إيران؟

1300x600
لسنوات طويلة سمعنا عن الخيار العسكري الأمريكي و/أو الإسرائيلي ضد إيران ومنشآتها النووية. وبينما كانت طبول الحرب تعلو في الإعلام، كان المشهد مختلفا على أرض الواقع، فالتهديدات غالبا ما انتهت إلى صفقات مع نظام الملالي. 

وبدلا من الانكماش، توسعت إيران إقليميا، لدرجة أن البعض راهن على عدم قدرتها على تحمل أعباء السيطرة على المزيد من البلدان العربية في المنطقة. 

حتى عندما كان الأمر بخلاف ذلك، بحيث يبدو أن هناك احتقانا كبيرا بين الأطراف المذكورة يهدد بحصول انفجار، كانت الأطراف المعنية تتفق على أن يكون الانفجار في ملعب ثالث. 

وسواءً أكان ذلك في فلسطين أو لبنان أو سوريا أو العراق، لا مشكلة كبيرة، طالما أن المعركة لم تكن داخل الولايات المتّحدة أو إيران، أو في إسرائيل.

في 21 آذار/ مارس الجاري، اعترف الجيش الإسرائيلي رسميا بتدمير ما يشتبه أنه مفاعل نووي سوري في ضربة جوية عام 2007، وعلى الرغم من أن الأمر كان معلوما منذ ذلك الوقت، إلا أن إسرائيل قررت الكشف عنه رسميا الآن، في ظل حملة مركزة من الدعاية والترويج، يمكن إيجاز هدفها من خلال موقف الجيش الذي اعتبر أن الضربة الجوية أزالت تهديدا كبيرا على إسرائيل والمنطقة، وكانت "رسالة" إلى آخرين.

إيران هي المعني الرئيس بالرسالة الإسرائيلية، التي جاءت بعد حوالي أسبوع من طرد وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون لأسباب عديدة، أهمّها كما قال الرئيس ترامب، الخلاف حول الملف الإيراني. 

إذا ما أضفنا هذه المعطيات إلى حقيقة تعيين مدير الاستخبارات مايك بومبيو في منصب وزير خارجية وجون بولتون في منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي بدلا من مكماستر، فإن الصورة ستبدو أوضح بكثير.

إذا كان هناك شيء مشترك في هذا الفريق الجديد للرئيس ترامب، فهو التطرف والولاء لإسرائيل ومعاداة إيران، ولا شك أن الاتفاق النووي قد يكون الضحية الأولى لهذه التوليفة الأمريكية. 

لا أعتقد بأن الاتفاق النووي كان اتفاقا جيدا، وأؤمن بأن الثورة السورية دفعت ثمنا باهظا نتيجة لهذا الاتفاق الذي سمح لإيران بالتمدد بشكل غير مسبوق إقليميا. 

لكن في المقابل، لا أرى أن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي دون بدائل أو خطط للتعامل مع مرحلة ما بعد الانسحاب سيكون بمثابة حل. من الممكن تسمية ذلك بردة فعل، لكنه ليس كافيا. 

ومن هذا المنطلق بالتحديد، سيكون بالإمكان السؤال عما إذا كان الخيار العسكري ضد إيران سيعود إلى الطاولة مجددا؟

ربما ما زال من المبكر الإجابة على هذا التساؤل لكن إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الموقف الإسرائيلي وموقف بعض الدول الخليجية، فقد يكون الجواب نعم. 

هل سيكون ذلك كافيا لإعطاء هذا الخيار المصداقية اللازمة أو ربما لأن ينتقل من كونه أداة ضغط إلى أداة تنفيذ بحيث يصبح خيارا حقيقيا؟ لا أعتقد ذلك. 

أحد أهم أسباب استمرار النظام الإيراني بالرغم من البيئة غير المناسبة له هو استغلاله لأخطاء الآخرين، وللاختلاف المتزايد بين القوى الأخرى. وأعتقد انّ إدارة ترمب بشكلها الحالي تعزز من قدرة على البقاء.

واشنطن على خلاف كبير مع أبرز وأقوى شريكين إقليمين لها في منطقة الشرق الأوسط الكبير وهما تركيا وباكستان. 

لا توجد الكثير من المؤشرات التي توحي حاليا إلى أن الأمور ستتغيّر. لكن حتى لو افترضنا عكس ذلك، فلا بد أن سد الفجوة سيتطلب المزيد من الوقت. 

إدارة ترمب على خلاف كذلك مع الاتحاد الأوروبي حول الطريقة الأنجع للتعامل مع إيران، وهي على وشك الانخراط في حرب اقتصادية مع الصين ليس لها قبل بها. 

السعودية والإمارات، شركاء ترامب الإقليميين، تسببوا في تشتت محور الدول التي كانت تقاوم المشروع الإيراني عمليا، وعلى رأسها تركيا وقطر. 

أضف إلى ذلك، أن الرياض وأبو ظبي مزّقوا المكون السني الإقليمي، وعليه فهم يفتقرون إلى العمق الشعبي عربيا واسلاميا. 

وإذا ما استثنينا ترامب، فهم لا يمتلكون ما يستطيعون من خلاله مواجهة إيران، كما أن تحالفهم المكشوف مع إسرائيل يعزز من النظرة السلبية إليهم، وهو ما يحرمهم من الشرعية الشعبية اللازمة لمباركة سياساتهم.

إذا ما ثبت أن البيئة الإقليمية والدولية ستكون على هذه الشاكلة، فقد تجد إيران مجددا طريقة للتملص ولاستغلال التناقضات. 

لن يكون أمرا سهلا بطبيعة الحال، لكنه ممكن، خاصة أن إيران قد تعلمت الكثير من الدروس الإقليمية المستفادة منذ عام 1979، لكن لا يبدو أن الرئيس ترامب تعلم شيئا حتى الآن.