قضايا وآراء

بومبيو وخارجية ترامب.. إلى أين؟

1300x600

عبر تغريدة له على "تويتر"، أقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أيام وزير خارجيته ريكس تيلرسون، بعد خلاف طويل بين الرجلين، تمثل في العديد من ملفات السياسة الخارجية الأمريكية، وفي مقدمتها ملفات كوريا الشمالية، وإيران، والأزمة الخليجية، والاتهام بدور روسي بالتأثير في الانتخابات الأمريكية الأخيرة لصالح ترامب. لم يكن ثمة انسجام بين توجهات ترامب وشخصيته التي تتصف بالمزاجية والتطرف والتفرد؛ وتيلرسون الذي تلقَّى العديد من الإهانات على يد ترامب، وبات الرجل معزولا في وزارته التي تعرضت للتهميش أيضا لصالح البيت الأبيض. لم يخف تيلرسون تذمره، العام المنصرم، من أن صهر الرئيس ومستشاره جاريد كوشنر يدير وزارة خارجية موازية من غرفة المعيشة العائلية في البيت الأبيض.

حسم ترامب هذا الأمر بقراره إقالة تيلرسون وتعيين مايك بومبيو خلفا له، وهذا القرار سيكون نافذا بعد مصادقة الكونجرس عليه. بومبيو هو العضو الجمهوري المتشدد في الكونجرس، والرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية، والأقرب لمزاج ترامب والأكثر تأييدا وولاء له من سلفه. اشتُهر بمواقفه المتطرفة ضد إيران وكوريا الشمالية، وضد الأقليات الدينية والعرقية في الولايات المتحدة، وبمعارضته إغلاق سجن غوانتنامو، وتأييده للتعذيب في السجون الأمريكية، وبقربه الشديد من "إسرائيل"، كما اتُهم بمعاداته للإسلام.

"إسرائيل" احتفت بإزاحة تيلرسون وتعيين بومبيو. فقد أشاد رئيس حكومة الاحتلال نتانياهو "بقدرات وخبرة" بومبيو، وقال في تغريدة له على تويتر: "أعجبت كثيرا في لقاءاتي مع بومبيو بقدراته وبخبرته". وأضاف: "أؤمن بأننا سنعمل جيدا جدا معا في منصبه كوزير الخارجية أيضا". أما صحيفة هآرتس العبرية فقالت: إن "إسرائيل" لن تذرف الدموع على إقالة ترامب لوزير خارجيتة ريكس تيلرسون. وأوضحت الصحيفة أن "أحداً في تل أبيب لن يذرف دمعةً على رحيل تيلرسون، الشخصية المنفرة لدى الإسرائيليين، مع قدوم الصديق الحميم لإسرائيل مايك بومبيو، رئيس جهاز المخابرات الأمريكية السابق".

كما ستشعر العديد من الأنظمة العربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، بالارتياح، لإزاحة تيلرسون وتولي بومبيو خلفا له، وذلك على إثر تأييد الأول للاتفاق النووي مع إيران، في حين أن الثاني يعارضه بشدة، فضلا عن موقف تيلرسون من الأزمة الخليجية، الذي لم يرق للدولتين. فقد خرجت بعض التسريبات نشرتها مؤخرا كل من جريدة "نيويورك تايمز" وشبكة "بي بي سي" حول حملة تديرها وتمولها دولة الإمارات داخل الولايات المتحدة؛ بغية الإطاحة بتيلرسون، وذلك عقابا له على موقفه الرافض لحصار قطر. وقد كشفت هذه التسريبات أن رجل الأعمال الأمريكي "إليوت برويدي" (أكبر المتبرعين لحملة ترامب)، الذي تربطه علاقات وطيدة مع الإمارات؛ التقى مع ترامب في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وحثه على إقالة تيلرسون.

الخلفية الأمنية والاستخبارية لوزير الخارجية الجديد، وتشدده الفكري، فضلا عن انسجامه مع شخصية ترامب، وتوافقه معه في مختلف الملفات المتعلقة بالسياسة الخارجية؛ يُعد استكمالا لحلقات إدارة ترامب المتطرفة، وتقليصا لقدرة مؤسسة وزارة الخارجية على كبح جماح هذه الإدارة، في التعامل الفج والصدامي مع مختلف القضايا الدولية، لا سيما في المنطقة العربية، التي تشهد حالة من التفكيك وإعادة التركيب وفق الرؤية الأمريكية.

لذلك؛ من المتوقع أن يُشكل وجود بومبيو على رأس الدبلوماسية الأمريكية؛ عاملا دافعا للمزيد من التشدد والحدية في التعاطي الأمريكي مع ملفات الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والاندفاع بشكل أكبر نحو دعم وتأييد "إسرائيل" وفرض دمجها في المنطقة، عبر التحالف المصلحي وابتزاز الدكتاتوريات العربية، وتكثيف محاولات الولايات المتحدة تصفية القضية الفلسطينية، وفق تصور إدارة ترامب التي تقف على يمين اليمين الصهيوني.