قضايا وآراء

نهاية زمن الثورات المسلحة...!

1300x600

بداية، لو كانت الحروب تستطيع تحقيق العدالة لانتهى الظلم من العالم منذ آلاف السنين. لذلك فكل الحروب التي لا تنتهي بعملية سياسية شاملة تبقى قائمة ومستمرة ولكن بأشكال اجتماعية مختلفة.

البعض يرى في الحديث عن نهاية زمن الثورات المسلحة مجرد الترويج لإعلان الهزيمة، خصوصا مع وجود مناطق صراعات ساخنة في العالم، ومع وجود مساحة كبيرة من الظلم والاضطهاد، تماما وأنت أمام هذه المفارقات، يمكنك أن تصل إلى نتيجة واحدة، أن التغيير بالقوة هو بالفعل لم يعد ممكنا، ولا سهلا.

الاضطهاد اليوم يتركز في مسألتين، الأولى في اضطهاد بعض الحكومات لجزء من شعبها كما هي مسألة الروهينغا، والثانية: ما يفعله الحكام المستبدون لأجل البقاء في السلطة، وفي كلا الحالتين لا بد من اختيار الطرق السلمية لحل هذه الأزمات، لأنها تبقى الأفضل، والسبب أن الضحايا عندما يلجؤون إلى منطق القوة، ينتهي دورهم كضحايا ويصبحون طرفا في النزاع، ما يتسبب غالبا في انقسام إقليمي أو دولي حولهم، لذلك إذا كان حمل السلاح في الماضي أمرا مقبولا فهو اليوم مجرد كارثة اجتماعية كبيرة.

في مسألة الثورات التي تقوم ضد الاستبداد، علينا أن ندرك أن الجنرالات الذين يحكمون، لم يعودوا أغبياء كما في السابق، فقد أصبحت مسألة السلطة والحفاظ عليها عبارة عن نظرية يتم الإحاطة بكامل أبعادها، فقد أصبحت لدى كل نظام حاكم قاعدة قوية من أصحاب المال والنفوذ، يعتمد عليهم اعتمادا كبيرا في بقائه، وتشمل هذه القاعدة رجال أعمال وأساتذة جامعات وإعلاميين ورجال دين، ومؤسسات من كل الأطياف.

يرى هؤلاء جميعا أن مصلحتهم ومستقبلهم مع النظام الحاكم، وذلك لأسباب عديدة، بعضها بسبب الفساد، وبعضها بسبب التناحر الداخلي كما بعض المؤسسات الدينية في بعض البلدان العربية، وهناك أسباب غير منطقية، تعود إلى عامل انعدام الفرص أمام الناس، ما يعني أن البعض يغامر بالركوب في أي موجة، بغية الوصول إلى تحقيق أهدافه، تماما كما يفعل بعض المرتزقة والقتلة المأجورين، الذين يشاركون في حروب لا تعنيهم لكنهم يفعلون ذلك لأجل المال، ما يضعنا هنا نشير إلى مسألة جوهرية، وهي المال، فالمال وحده قادر على صناعة الكوارث في المجتمع.

أمام هذا المشهد، تتحول أي محاولة للتغيير بالقوة إلى انقسام داخلي، ثم الذهاب إلى حرب أهلية تفتك بالبلاد، لأن كل طرف سيدافع عن مصالحه بالقوة، لأن الظروف الاجتماعية تعيد تركيب المجتمعات أحيانا بصورة خاطئة، عندما تصبح مسألة البحث عن فرصة للحياة تعني إقصاء إنسان آخر في نفس مجتمعك وبيئتك، ما يعني إدخال (قانون الغاب) إلى قلب المجتمع، وهذا هو أخطر فعل يقوم به المستبدون.

العمل الاجتماعي والتعليم وزيادة الوعي والاحتكام المطلق للحوار، هي مسائل جوهرية، فهي إذا لم تنجح في تحقيق العدالة المنشودة، فسوف تمنع سفك الدماء، وسوف تبقي المجتمع بعيداً عن الانقسام، وأيضا في حالة حوار، وهو ما نحتاجه اليوم.