كتاب عربي 21

خلية إسطنبول!

1300x600
يشار دائماً في الخطاب الإعلامي الممول من الرياض وأبو ظبي إلى اليمنيين، الذين انتهى بهم المطاف للإقامة المؤقتة في تركيا، بأنهم "خلية إسطنبول"، بدافع القلق من مجرد وجود هؤلاء في المدينة التي كانت على مدى أربع قرون عاصمة للخلافة الإسلامية العثمانية.

تخصص بعض من أسوأ الكتاب والصحفيين والمعلقين المقيمين في الرياض وأبو ظبي؛ باستهداف زملائهم في إسطنبول، بتحريض من الأجهزة الأمنية والاستخبارية للتحالف، وشيطنتهم وإظهارهم كأحد الأطراف التي تعيق التقدم العسكري ضد الحوثيين.

في الحقيقة ليست هناك خلية في إسطنبول، بل موقف متحرر وأكثر قدرة على التعبير عن الرأي حيال ما يجري في اليمن. وهذا الأمر لا ينطبق على كل الموجودين، فهناك العشرات من القيادات السياسية والعسكرية، وحتى الإعلامية، تلتزم الصمت؛ لأنها جزء من موقف معسكر الشرعية متعدد الطيف الذي اختار منذ البداية الوقوف إلى جانب التحالف، وتحمل التبعات الثقيلة للتأييد المطلق للعمليات العسكرية للتحالف في اليمن.

أصبت بالصدمة من تعليق سمعته من الرئيس عبد ربه منصور هادي عندما زار أنقرة قبل عام من الآن؛ وصف فيه أبناء شعبه الموجودين في تركيا بالجبناء والهاربين، وكأنه جاء من صنعاء.

أعرف أن حالة عدم الود الرئاسي تجاهنا ليست سوى نوع من التعميم الذي ينطوي على تخصيص قد يُقصد به أشخاص بعينهم، ولكن ذلك بالنسبة لي لم يظهر سوى رئيس تعرض للقدر نفسه من التحريض عندما كان جزءا من نظام صالح، ويخضع للقدر نفسه من الانطباعات المتوترة التي لا تعكس نضجاً ولا موقفاً مسؤولاً.

في هذه المدينة، هناك سقف حرية يكفي للتعبير عن رأيك في حدود القانون والنظام التركيين اللذين وضعا تركيا في مصاف الدول الديمقراطية، وكرسها كأحد الواحات المهمة لحقوق الإنسان دون ادعاءات أو تزييف.

لكن الخطاب الإعلامي لتحالف أبوظبي- الرياض، يريد أن يشبك موقف النخبة السياسية والإعلامية اليمنية في إسطنبول بالموقف السياسي لتركيا التي تعتبر داعماً لليمن وسلطته الشرعية، وأحد الدول الـ18 الراعية لاتفاق المبادرة الخليجية.

ليست هناك صفقات سياسية لتركيا مع أي طرف يمني خارج هذا الموقف الرسمي المعلن. والذين يقيمون في تركيا ليسوا لاجئين ولا تتكفل الدولة التركية برعايتهم أو دعمهم، فهم يصنفون كمقيمين سياحيين، مع وجود تقدير خاص للظرف الإنساني الذي يعيشه هؤلاء، بما يسمح لهم بالإفادة من الهامش الإنساني في قانون الهجرة التركي الذي يراعي ظروف من تمر بلدانهم بظروف استثنائية، كالحرب والكوارث، ويحميهم من عقوبات الترحيل في حال المخالفة القانونية.

يخشى التحالف الجديد الذي نشأ في المنطقة بقيادة إسرائيل من بقاء دور تركيا المتشح بقدر وازن من السلوك الأخلاقي، والمستوعب لطبيعة اللحظة الحرجة التي تمر بها المنطقة، والمحكوم بروح المسؤولية تجاه هذه المنطقة وشعوبها.

لذا يحرص هذا التحالف الأكثر شراً وعدائية، على تحطيم الواجهة الأخلاقية لدور تركيا ورئيسها القوي وشيطنتهما، حتى لا يرى مواطنو المنطقة بشاعة هذا الحلف وغاياته السياسية ومخططاته الشيطانية التي رأيناها في محاصرة غزة وصفقة القرن، والدفع بإقليم كردستان العراق إلى الاستفتاء على الاستقلال، والدعم العسكري للفصائل الإرهابية الكردية لإقامة حزام عسكري ذي طابع قومي متطرف حول الخاصرة الجنوبية لتركيا.

هذا الحلف وأهدافه هو الذي يغطي على المهمة العسكرية والسياسية لتحالف الرياض- أبو ظبي العسكري في اليمن، والذي تحول إلى حملة عسكرية شاملة على الدولة اليمنية بمضامينها السياسية والديمقراطية، بدلاً من حمايتها، ومن داعم للسلطة الشرعية وتمكينها إلى متآمر صريح وواضح ضد هذه السلطة.

يخشى هذا الحلف، بامتداداته اليمنية الانتهازية، من أي منبر سياسي أو إعلامي مستقل، يكون بوسعه إجراء قراءة لحقيقة ما يجري في اليمن على أيدي الرياض وأبو ظبي، ناهيك عن فضح وانتقاد ما يجري.

بقي منبر إسطنبول (إذا جازت هذه التسمية) جزءا من المعسكر المساند للشرعية، والمؤيد للحملة العسكرية للتحالف التي جاءت بأهداف متفق عليها، وهي مساعدة اليمنيين على استعادة دولتهم.

ولكن هذا المنبر السياسي والإعلامي اليمني المستقل لم يعد بوسعه أن يستمر في التصفيق لهذا التحالف الشرير الذي يقتل جنود الجيش الوطني، ويتآمر على الشرعية ويعيق دورها ويحاصرها في الرياض، ويفكك الدولة اليمنية ويخطط لتدمير أسسها التاريخية والثقافية والجيوسياسية الراسخة، باستخدام الأدوات المنفلتة واستغلال التناقضات السياسية التي تراكمت طيلة العقود الثلاثة الأخيرة من عمر الجمهورية.