سياسة عربية

ما سر الازدواجية الدولية في التعامل مع حقوق الإنسان بمصر؟

وزير خارجية مصر لم يستطع مواجهة الانتقادات التي قدمها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة- جيتي

في تصعيد لسلطات الانقلاب العسكري في مصر، شن البرلمان ووزارة الخارجية هجوما على منظمات حقوق الإنسان الدولية لانتقادها المستمر للانتهاكات التي تشهدها مصر من التوسع في عمليات الاعتقال والتعذيب والقتل خارج القانون والاختفاء القسري الذي أصبح أهم مميزات نظام الانقلاب الحالي.


وزير الخارجية سامح شكري لم يستطع مواجهة الانتقادات التي قدمها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والذي يعقد اجتماعه الدوري منذ أيام بجنيف، واكتفى شكري في كلمته ضمن أعمال الاجتماع باتهام المنظمات الدولية بأنها لا تسمع إلا لأصوات من اعتبرهم الإرهابيين الهاربين من القضاء المصري، محملا دولا وأنظمة لم يسمها مسؤولية تشويه صورة بلاده الدولية.


وفى الإطار المحلي شنت لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري هجوما علي المنظمات الدولية المعنية بهذا الملف مثل هيومن رايتس واتش ومنظمة العفو الدولية، وقال بيان لعلاء عابد رئيس اللجنة البرلمانية إن جماعة الإخوان اخترقت هذه المنظمات الدولية مما جعلها تتحدث بلسان الإرهاب، على حد قوله.


هذه الحالة التي تعيشها مصر منذ ما يقرب من خمس سنوات فتحت العديد من التساؤلات عن أسباب فشل نظام الانقلاب برئاسة عبد الفتاح السيسي في تجميل وجهه أمام المجتمع الدولي رغم استعانته بالعديد من الشركات الدولية المتخصصة في العلاقات العامة، إضافة للدعم غير المحدود الذي يقدمه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، للسيسي في أروقة المجتمع الدولي.

 

اقرأ أيضا: هل تضع التقارير الحقوقية الغرب بمأزق لدعمه نظام السيسي؟

من جانبه وصف الباحث المتخصص في علم الاجتماع السياسي سيف الدين المرصفاوي لـ "عربي21" المجتمع الدولي بالازدواجية فيما يتعلق بالتعاطي مع النظام المصري، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي انتقد فيه البرلمان الأوربي ومحكمة العدل الإفريقية وغيرهما من المنظمات الدولية الانقلاب بمصر وممارساته المناهضة لحقوق الإنسان، تستمر حكومات هذه المنظمات في دعم السيسي بالمال والسلاح والسياسة.


وأضاف المرصفاوي أن "الأجهزة المعنية بتجميل وجه السيسي تبدلت خلال الفترة الماضية، حيث كانت البداية بمجموعة من الصحفيين والإعلاميين والكتاب والفنانين الذين أيدوا الانقلاب وكانت مرجعيتهم هو عراب الانقلاب الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، إلا أن الإنقلاب لم يتحمل أن يكون لهذه المجموعة صوتا مخالفا له، فعاد لأصله وهو الاعتماد على المخابرات الحربية والعامة والشؤون المعنوية، كما تدخل محمد بن زايد وسهل لمصر التعاقد من خلال المخابرات العامة مع شركتين أمريكيتين بمبلغ 2 مليون دولار لتحسين صورة السيسي".


استنزاف حتى النهاية


ويوضح المرصفاوي أن الفشل يرجع إلى أن نظام الانقلاب لم يحقق أي إنجاز ملموس يمكن أن تقوم هذه الشركات باستخدامه في الترويج، مقابل تضخم ملف حقوق الإنسان بكافة الأصعدة، فمثلا في الوقت الذي يرفض فيه المجتمع الدولي عقوبة الإعدام، يقوم قضاء السيسي بإصدار المئات من أحكام الإعدام في ظل محاكم غير نزيهة على الإطلاق.

 

مشيرا إلى أن توسع نظام السيسي في الاعتقال والمحاكمات غير القانونية وتنفيذ أحكام إعدام بالجملة، وحبس مئات الصحفيين وتردي الرعاية الصحية بالمعتقلات والسجون، والتصفيات الجسدية للمعارضين، ورفض كل الدعوات التي وجهتها الجمعيات الحقوقية الدولية لزيارة السجون، وما حدث مؤخرا مع منافسي السيسي المحتملين في الرئاسة وموضوع الفتاة زبيدة واعتقال والدتها لأنها تحدثت عن اختفاء ابنتها، كل هذه الأمور منحت الحقوقيين فرصا كاملة لفضح السيسي.

 

اقرأ أيضا: جلسة استماع بالكونجرس لمناقشة أوضاع حقوق الإنسان بمصر

ويضيف الكاتب المتخصص في الشؤون الدولية سمير حسانين لـ "عربي21 " أن ملف حقوق الإنسان تستخدمه الدول الكبرى لممارسة ضغوط على الأنظمة المستبدة التي ترتبط بملفات مشتركة معها، فمثلا عندما أحرج رئيس الوزراء البريطاني ديفيد ماكرون السيسي خلال زيارته للندن، لجأت مصر لما يمكن أن نسميه بدفع "المعلوم" مقابل تهدئة بريطانيا بتوقيع العديد من العقود الشرائية لأسلحة ومعدات تستخدم ضد المتظاهرين.


ويؤكد حسانين أن هذا ما تكرر مع أمريكا في صفقات السلاح التي اشترتها مصر، ومع ألمانيا كان المقابل منح الشركات الألمانية حقوق تنفيذ شبكات الكهرباء بتكلفة فوق الخيال، ومع روسيا كان المقابل المفاعل النووي بالضبعة، وبالتالي فإن النظام المصري يتم استنزافه مقابل غض الطرف عن تجاوزاته.


ويشير الكاتب المتخصص في الشؤون الدولية إلى أن مواقف المجتمع الدولي الرسمي الذي تمثله الحكومات، يختلف عن المجتمع الدولي غير الحكومي، فعندما يصف البرلمان الأوربي نظام السيسي بأنه انقلابي ودموي فإنه بذلك يتناغم مع أصوات أعضائه ومعظمهم يمثل اليسار الغربي، بينما على الحكومات أن تستغل ذلك في الحصول على أكبر مكاسب اقتصادية ممكنة، لترسيخ أقدامها لدى الشعوب، ومن هنا تأتي الازدواجية التي نراها في التعامل مع الأنظمة المستبدة مثل مصر وغيرها.