سياسة عربية

آمال ممزوجة بالتحديات أمام المبعوث الأممي الجديد باليمن

مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى اليمن البريطاني مارتن جريفيث- يوتيوب

بعد تعثر لأكثر من عام ونصف العام، تشهد عملية السلام في اليمن محاولة إنعاش، مع بدء مهام مبعوث الأمم المتحدة الجديد، البريطاني مارتن جريفيث، اليوم الخميس.


لكن فرص الحل السياسي لا تزال ضئيلة، في ظل تمسك غالبية أطراف النزاع بخيار الحسم العسكري، وخروج قرار الحل إلى أيدي لاعبين دوليين.


ومن المقرر أن يستهل جريفيث، وهو ثالث مبعوث أممي في اليمن، رعاية أولى جولات المشاورات الجديدة، خلال آذار/ مارس الجاري، في سلطنة عمان، وفق تصريحات سلفه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد (2015-2018)، الذي انتهت مهامه أمس.


ويأمل الشارع اليمني أن يلتقط أطراف النزاع فرصة السلام الجديدة، التي تتزامن مع اقتراب النزاع من إكمال عامه الثالث، أواخر آذار/ مارس الجاري.


ودخلت عملية السلام في موت سريري، منذ رفع مشاورات الكويت، في 6 آب/ أغسطس 2016، التي رعتها الأمم المتحدة لمدة تسعين يوما، ووصلت إلى طريق مسدود، إثر رفض وفد جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحزب المؤتمر الشعبي العام التوقيع على اتفاق سلام كانت الحكومة الشرعية، المعترف بها دوليا، قد رحبت به.

 

اقرأ أيضا: تحرك بالكونغرس لرفع الغطاء الأمريكي عن السعودية باليمن

وخلافا للجولات الثلاث، التي رعتها الأمم المتحدة في سويسرا والكويت، تأتي عملية السلام المقبلة وسط متغيرات مختلفة شهدتها الأزمة اليمنية خلال العام الأخير.


فعلاوة على الاستنزاف الذي نال من جميع الأطراف، تبدو جماعة الحوثي أوهن من أي وقت مضى، بعد انفراط تحالفها القوي مع قوات الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح (1978-2012).


وانتهى التحالف بين الطرفين بقتل الحوثيين لصالح، في كانون أول/ ديسمبر الماضي، عقب معارك دموية في صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون منذ 21 أيلول/ سبتمبر 2014.


ومنذ 26 آذار/ مارس 2015، تدور الحرب في اليمن بين القوات الموالية للحكومة، مدعومة بتحالف عربي تقوده الجارة السعودية من جهة، وبين المسلحين الحوثيين، المتهمين بتلقي دعم إيراني، من جهة أخرى.


ترحيب من الجميع


تحظى عملية السلام الجديدة بامتيازات لم تكن في متناول الجولات الثلاث الماضية، إذ يعلق اليمنيون آمالهم على المبعوث البريطاني الجديد، وهو دبلوماسي مخضرم، يمسك بالملف اليمن، مسنودا بثقل بلده العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، خلافا لسابقيه العربيين، الموريتاني ولد الشيخ أحمد، والمغربي جمال بن عمر (2011-2015).


وقبل تعيين جريفيث، حدثت تحركات بريطانية ودولية مكثفة لإنضاج حل سياسي.


فقد طاف وزير الخارجية البريطاني، يوريس جونسون، دول المنطقة، والتقى أبرز اللاعبين في الأزمة اليمنية، وعلى رأسهم قادة سلطنة عمان، التي تتمتع بعلاقة ودية مع جماعة الحوثي والسعودية، التي تقود تحالفا من 13 دولة لدعم شرعية الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي.

 

اقرأ أيضا: التايمز: زيارة ابن سلمان.. كيف تحضر أزمة اليمن بقوة؟

وقوبل تعيين جريفيث بترحيب من طرفي النزاع، فالحوثيون، الذي رفضوا التعاطي مع ولد الشيخ أحمد، واتهموه بالانحياز للسعودية، أعلنوا على الفور ترحيبهم بقرار تعيين المبعوث البريطاني، وكذلك فعلت الحكومة الشرعية.


ويُلم جريفيث بالأزمة اليمنية، وسبق له أن التقى كافة أطراف النزاع، أواخر العام الماضي، بصفته مديرا للمعهد الأوروبي للسلام.


وسيستهل أولى جولات المشاورات من العاصمة العمانية مسقط، بلقاءات تجمع وفدي جماعة الحوثي وحزب المؤتمر الشعبي العام، اللذين أصبحا خصمين، منذ مطلع كانون/ ديسمبر أول الماضي.


وتسعى الأمم المتحدة، عبر مشاورات مسقط، إلى رأب الصدع بين الحوثيين وحزب المؤتمر، وجمعهم في فريق تفاوضي واحد يقابل الحكومة الشرعية، كما كان الحال في مشاورات سويسرا عام 2015، ومشاورات الكويت بين نيسان/ أبريل وآب/ أغسطس 2016.


وسيكون تمثيل حزب المؤتمر في الوفد هو العقدة الكبرى أمام الأمم المتحدة، بعد تصدع الحزب، الذي كان يتزعمه صالح، إلى نسخة تمارس مهامها من صنعاء، وتبدو أقرب لسيطرة الحوثيين، وأخرى تضم قيادات رفيعة في الوفد السابق، وثالثة تقيم في أبو ظبي والقاهرة.


فرص السلام


ورغم أن بداية عمل المبعوث الجديد ستتزامن مع اقتراب دخول الحرب عامها الرابع والاستنزاف الكبير لجميع الأطراف، إلا أن مراقبين يرون أن فرص إحياء عملية السلام لا تزال ضعيفة للغاية.


وقال ماجد المذحجي، المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات (غير حكومي)، إن "كل المؤشرات تفيد بأن المبعوث البريطاني ذو بال طويل، ويميل للأخذ بعناصر متعددة في المفاوضات، وإشراك قوى صغرى في المجتمع، مثل القبائل والأطراف المدنية، وهذا لم يكن حاضرا في مقاربات ولد الشيخ أحمد، وسيستغرق وقتا للإعداد".

 

اقرأ أيضا: 4 دول كبرى تدين إيران في مجلس الأمن لتسليحها الحوثيين

وتابع المذحجي، في حديث للأناضول، بأن "جريفيث يحتاج إلى تحضيرات لإنضاج ظروف أي مفاوضات، ولا يريد التورط في الدعوة إلى مفاوضات غير مجهز لها، لأسباب لوجيستية تتعلق بعمله، وللظروف الإقليمية".


وبخصوص الحضور البريطاني المكثف في الأزمة اليمنية، قال المذحجي إنه "توجد هوية بريطانية مكتملة، حيث تمسك المملكة المتحدة بالملف اليمني في مجلس الأمن، علاوة على أن المبعوث الأممي بريطاني الجنسية".


واعتبر الخبير اليمني أن "هذه الكثافة البريطانية في الحضور بالملف اليمني ستمنح جريفيث ثقلا، لكن بلدا مثل بريطانيا مثقل بمصالحه، وهذه المصالح قريبة من السعودية، ولن تخاصمها بالتأكيد".


تعقيدات وتحديات


لن يكون طريق السلام مفروشا بالورد أمام المبعوث الأممي الجديد، رغم قول سلفه ولد الشيخ أحمد، الثلاثاء الماضي، في آخر إفادة له أمام مجلس الأمن، إن "خارطة السلام موجودة، وتم الاتفاق على المقترحات العملية للبدء في تنفيذها وبناء الثقة بين الأطراف".


وبالنسبة لولد الشيخ أحمد، فإن ما ينقص إحلال السلام في اليمن هو "التزام أطراف النزاع بتقديم التنازلات وتغليب المصلحة الوطنية"، مع تأكيده وجود "سياسيين من كافة الأطراف يعتاشون من الحروب، وتجارة السلاح، واستغلال الأملاك العامة لأغراض شخصية"، وهؤلاء سيقفون حجر عثرة أمام عجلة السلام".


ويتمسك الوفد الحكومي بالاحتكام إلى المرجعيات والقرارات الدولية، التي تؤكد على شرعية الرئيس هادي، كأساس للدخول في أي مفاوضات، فيما يدعو الحوثيون إلى وقف التحالف للعمليات العسكرية والطلعات الجوية، ورفع الحظر المفروض على المنافذ الجوية والبحرية.


وأعرب المذحجي عن اعتقاده بأن "أحد أبرز التحديات أمام المشاورات المرتقبة هو سلوك وأداء جماعة الحوثي".

 

اقرأ أيضا: المبعوث الأممي لليمن: مليونا يمني بحاجة لمساعدة عاجلة

وتابع بقوله إن "الجماعة أصبحت، بعد مقتل صالح، أقل سياسة مما سبق، ما يكشف أن الرئيس الراحل كان يمنحها الغطاء السياسي".


وأضاف أن "مبادرة جماعة الحوثي الأخيرة أقل ما توصف بأنها مجرد كلام إنشائي للاستهلاك فقط (..) أي مبادرة سياسية يجب أن تقترب نحو الخصم إلى نصف الطريق، لكن هذه لم تفعل حتى خمس خطوات".


وكان القيادي الحوثي، محمد علي الحوثي، أعلن، الأسبوع الماضي، عن تقديم مبادرة إلى الأمم المتحدة لوقف الحرب، تتضمن: تشكيل لجنة مصالحة، وإجراء انتخابات للرئيس والبرلمان، ووضع ضمانات دولية ببدء الإعمار، ومنع أي اعتداء من دول أجنبية على اليمن، وإعلان عفو عام، وإطلاق كل المعتقلين، ووضع أي ملف مختلف عليه للاستفتاء.


وأضاف المذحجي أن "خطاب الحوثيين صار أكثر عدائية؛ جراء تزايد الضغط العسكري من التحالف، وتصدع تحالف الجماعة مع صالح، ولذلك فإن جزءا من التحدي لأي مسار سياسي قادم هو كيفية جعل هذه الجماعة تستخدم اللغة السياسية في المفاوضات".


مساومات الكبار


وإضافة إلى التعقيدات المحلية، رأى الخبير اليمني أن "قرار اليمنيين في شأن بلادهم يتآكل كل يوم، في مقابل ارتفاع دور الفاعلين الدوليين".


وختم المذحجي بأن "مزامنة روسيا للملف اليمني على إيقاع الملف السوري، كما تقول إحدى دلالات استخدامها للفيتو الاثنين الماضي، تؤدي إلى نتيجة بسيطة، وهي أن اليمن انتقل أخيرا إلى منطقة مساومات الكبار، حيث التسويات مختلفة وبعيدة عن أولويات الأطراف المحلية".


وروسيا وإيران هما أبرز داعمين لنظام بشار الأسد في سوريا، الذي يقاتل قوات المعارضة منذ عام 2011.

 

واستخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار بريطاني، دعمته الولايات المتحدة الأمريكية، يقضي بتجديد حظر نقل السلاح إلى اليمن، مع التنديد بإيران.


لكن لم تستخدم روسيا "الفيتو" ضد مشروع قرار كويتي- سويدي اعتمده مجلس الأمن، السبت الماضي، ويطالب بتنفيذ هدنة فورية في سوريا، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين.