قضايا وآراء

"أبو الفتوح" على قائمة الاٍرهاب

1300x600
حزنت لما أصاب د. عبد المنعم أبو الفتوح، وحزني لم يبدأ بإلقاء القبض عليه، ولكنه بدأ منذ قبوله التعايش مع الانقلاب بمنطق الواقعية، وإن كان يحسب له أنه أسماه انقلابا منذ اللحظة الأولى، ولم يقبل بمذابح النظام، وإن كان رفضه لها ظل رفضا على استحياء.

ولكنه، وللأسف، شارك في الإضرار بمصر وأضر بماضيه الثوري عندما قبل الجلوس مع السيسي وعصابته، وعندما قبل أن يتعامل مع النظام بافتراض شرعيته، حتى إنه عندما قرر الحديث عن جرائم النظام في لقائه الأخير مع الجزيرة، ارتكب خطأ كبيرا بالإشارة إلى أنه سيتم تغيير السيسي بالانتخاب.. وكأن السيسي شخص عادي ضل الطريق! وكأن من وراءه هم مصريون شرفاء يحبون مصر ويحرصون عليها، ولكن على طريقتهم! وخطؤه الآخر جاء مع تأييده لحملة جيش السيسي على سيناء، متناسيا أن ذلك ليس للحفاظ على مصر؛ بل لحماية عشيرة السيسي المغتصبة لأراضينا وشعوبنا وثرواتنا.

لم أعرف في "أبو الفتوح" أنه من السذاجة أو ممن يستدرجوا لمواقف لم يقتنعوا بها، ولكن تطورات الأحداث أظهرته كذلك، وهذا سبب آخر لحزني عليه.

طوال مشوار عملي بمجال السياسة، والذي امتد لأكثر من أربعين عاما، لم أتفق مع أبو الفتوح في أي من مواقفه إلا في موقفه من الثورة، وتحديدا ما بين 25 كنون الثاني/ يناير 2011 وحتى حملة التضليل المعروفة باسم "تمرد". وبناء على قراءة في ذلك الوقت، رأيت فيه ثورية قد تقود مصر الثورة لطريق إيجابي، فأعطيته صوتي في المرحلة الأولى لانتخابات الرئاسة، عن قناعة بأنه قادر على أن يكون جسرا يصل قوى اليسار والليبراليين بالإسلاميين؛ أكثر من الإخوان، وأنه بذلك سيكون قادرا على إحداث التوازن مع مجالس نيابية ذات أغلبية من الإسلاميين.

وحزني على ما أصاب "أبو الفتوح" ناتج من أن مواقفه المتضاربة، مثله مثل العديد من رافضي الانقلاب تسببت في هبوط المد الثوري وتضليل بعض الشباب واستجابتهم لمنطق ما يسمى بالواقعية، وتردد العديدين في مواجهة نظام السيسي واستسلم آخرون للخوف الذي نجح السيسي ولو مؤقتا في زرعه في قلوب المصريين ليسهل عليه خطته في تبديد ثروات مصر وتركيعها هي والأمة العربية بالكامل، إذلالا وركوعا لم تشهده مصر وشعبها في أسوأ لحظات هزيمتها العسكرية.

فلقد صدقت جولدا مائير عندما قالت إن العرب سيستيقظون يوما على حقيقة أن عملاء الصهيونية يحكمونهم، وهذه الحقيقة هي ما تجعل مقولة أبو الفتوح بأنه سيغير السيسي بالانتخابات؛ من أكبر أخطائه.

إن حزني على أبو الفتوح يتساوى مع حزني على سقوط العديد ممن يحسبون على تيار الثورة؛ الذين بادروا بالتشفي في أبو الفتوح حين ألقى القبض عليه، ثم حين أدرج اسمه على ما يسمى بقوائم الاٍرهاب المُعدة بمعرفة الإرهابي الأكبر "السيسي". فللأسف أصيبت ثورتنا بعدة أمراض، أولها مناداة البعض بما عرف بالحلحلة والواقعية.. إلخ، وثانيها فقدان العديد ممن ينتمون إلى الثورة القدرة على التفرقة بين العدو ومن قد نختلف معهم في التوجه.

فانطلق البعض منهم يتصارع تارة مع الحاضر بإلقاء التهم والتخوين يمينا ويسارا، وانطلق البعض منهم يتصارع مع الماضي ويصفون حساباتهم معه بالصواب والخطأ، بداية من عبد الناصر حتى الماضي البعيد من محمد علي ومصطفى كامل وسعد زغلول.

وبينما هم يعجبون بإدارة تركيا أردوغان لصراعها مع الانقلابات، لم يدركوا منها إلا الإعجاب وحسب، وتقمصوا شخصية بوش القميئة. فكلما قرأت أو سمعت ما يقولون، أراه أمامي بمقولته العوجاء "معي أو ضدي"، ولم يدركوا حقيقة الأمر الأهم، وهو أن "عدو عدوي صديقي" حتى وإن كان ذلك الصديق صديقا مرحليا.

الاختلاف في الصف الثوري أمر صحي إذا استطاعت قوى الثورة إدارته بحنكه، وسيأتي وقته حين ينضج العمل الثوري، ولكن تصادم قوى الرفض وتصيدها الأخطاء لبعضها البعض هو أسوأ ما أنتجه عصر مبارك خلال مشروعه لإفشال الشخصية المصرية.

نعم "أبو الفتوح" أخطأ، ومن كان منكم بلا خطيئة فليرجمه.