مقالات مختارة

احفظوا اسم هذا القاضي جيّدًا!!

1300x600

منذ أيام قليلة، شهد لبنان حدثًا يعتبر هو الأهم في العالم العربي حاليًا، عندما استبدلت القاضية المسيحية "جوسلين متى"، عقوبة السجن على ثلاثة شبان مسلمين، أساءوا للسيدة مريم، عليها وعلى ابنها السلام، بإلزامهم بحفظ سورة "آل عمران" التي كرمت مريم، ووصفتها بأفضل نساء العالمين.

الحُكم أثار ضجة كبيرة، وقُوبل باستحسان كبار القادة السياسيين في لبنان، وانتقل إلى منصات التواصل الاجتماعي، ودُشّن هاشتاج باسم "جوسلين ـ متى".


والحال أن الحُكم، يعتبر إبداعًا قضائيًا غير مسبوق، وصُدر بشكل غير متوقع، انتزع إعجاب الرأي العام داخل لبنان وخارجه.


لبنان بلد قائم على المحاصصة الطائفية، وويلات الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، والتي قُتل فيها أكثر من 120 ألف لبناني وشُرد 76 ألفًا غيرهم، وهُجّر أكثر من مليون آخرين خارجها.. هذا التاريخ الدموي، يكفي وحده، لتكييف القضية بوصفها جريمة "خيانة عظمى" قد تهدد بعودة النزاع الطائفي المسلح وويلاته، وبما يحمله من مشاريع تفتيت وتقسيم مجددًا.. يكفي ذلك للتأثير على الرأي العام داخل المحكمة، ويضغط في اتجاه توتر قرارها وعصبيته، وما يترتب عليه من أحكام قاسية، تردع كل من يغامر ويرتكب جرائم مشابهة لتلك الجريمة بكل حمولتها الملغمة والتفخيخية.


القرار المفاجئ: إلزام المتهمين بحفظ سورة آل عمران!!


بدون منظرة أمام الكاميرات، أو الاتشاح بوشاح التنويري والحداثي، وبدون متاجرة بالملف الطائفي.. وبدون تشنج وحشد الفضائيات والمثقفين، وسوقهم بعصا السلطة وإغراءاتها وهداياها.. لكيل الشتائم والنقد للمؤسسة الدينية الإسلامية أو اتهامها بالتطرف ونشر الفكر الداعشي أو الطائفي والمطالبة بـ"تجديد الخطاب الديني".. بدون مثل هذا الهوس الصبياني والمتاجر بالوطن وبالظلومية المسيحية.. تقدم القاضية اللبنانية "جوسلين متى"، درسًا لنا هنا في مصر.. في معنى الوطنية الحقيقية.. والخوف الحقيقي لا المؤجر على الوطن ومستقبله.. وبهدوء وفي قرار يمثل قمة الوعي بقيمة الأحكام القضائية الإصلاحية والتثقيف الديني بدون تنطع أو استعلاء على الآخرين.. قدّمت درسًا غاية في روعته وفي حساسيته بإعلاء واستحضار القيم المشتركة بين المسلمين والمسيحيين، كمظلة للتعايش واحترام المخالفين.


نحن الذين نصنع الطائفية بأيدينا.. ونحن الذين نصنع التسامح أيضًا بأيدينا.. هكذا علمتنا "جوسلين متى".. احفظوا هذا الاسم جيدًا.. لا تنسوه.. تذكّروه كلما هاج محترفو اختطاف الملف القبطي في مصر، وتوظيفه ليس من أجل الأقباط.. ووأد الفتن الطائفية.. إنما من أجل توظيفه وإحالته إلى مطية، لبلوغ مرتبة النجومية الزائفة قد تدر عليهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

 

المصريون المصرية