صحافة دولية

هل يحاكم فيسبوك بتهمة التواطؤ بجرائم مرتكبة ضد الإنسانية؟

الروهينغيا قارب- جيتي

نشرت مجلة "الأتلانتيك" الأمريكية تقريرا، تحدثت فيه عن الدور الذي يلعبه فيسبوك في التضليل والدعاية، خاصة فيما يتعلق بجرائم حقوق الإنسان التي تشهدها الكثير من بلدان العالم. 

وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه وقبل خمس سنوات تقريبا، أثنى العالم على دور فيسبوك في نجاح الحركات التحررية الناشئة في العالم العربي. وفي هذا الإطار، خاطب مارك زوكربيرغ المستثمرين في موقعه، مشيدا بما حققه فيسبوك من نجاح في مساعدة مختلف شعوب العالم في الخروج من ظلمات الدكتاتورية، والمساهمة في إيجاد حلول أفضل لبعض مشاكل العصر.

وأفادت المجلة بأنه، وفي الوقت الراهن، تعمل شركة فيسبوك على تسهيل انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان، من خلال سياستها السلبية في التعاطي مع الأحداث، وأسلوبها الدعائي المضلل. وخلال الأشهر القليلة الماضية، اتهمت الشركة بفرض رقابة على النشطاء والصحفيين الذين يوثقون المجازر الجماعية في حق أقليات "الروهينغا" في بورما.

وبينت المجلة أنه وبسبب توجه الموقع إلى تعزيز المحتوى الذي تروج له الجهات الرسمية فيما يتعلق بأسباب القمع الحاصل في بورما، يقع التضييق على أصوات الحقوقيين المعارضين، حيث غالبا ما تكون آراؤهم الأقل تغطية وظهورا على فيسبوك. وقد وجهت انتقادات حادة لهذه السياسة؛ نظرا لتسببها في إضفاء الشرعية على جرائم ترتكب ضد الإنسانية، من خلال السماح لخطاب الكراهية والعنف بالتأثير على الرأي العام العالمي.

والجدير بالذكر أن هذه الظاهرة امتدت لتشمل "يوتيوب"، الذي ابتكر نظاما رقميا لحذف أي محتوى إرهابي قد يطرأ على الموقع. ولكن أثناء عملية التصفية، بادر يوتيوب بحذف آلاف الصور التي وثقها نشطاء أثناء الصراع السوري، على اعتبارها دليلا على جرائم الحرب التي تم اقترافها. وقد وجهت انتقادات مماثلة لمواقع تواصل اجتماعي أمريكية على غرار "تويتر"، الذي امتثل في وقت سابق لطلبات الحكومة التركية بفرض الرقابة على تغريدات مستخدميه.

ونقلت المجلة أن فيسبوك كان على دراية بتطور الوضع العنيف في بورما، بعد تواتر منشورات على الموقع تدعو لتصفية مسلمي الروهينغا. وعندما سئلت المتحدثة الرسمية باسم فيسبوك، روشيكا بودراجا، عن الموارد التي خصصتها الشركة لمعالجة المعلومات الخاطئة ومنشورات الكراهية، ردت بودراجا عبر بريدها الإلكتروني أن الشركة قد عززت باطراد استثماراتها لضمان تفعيل خدمات الموقع في بورما، للتواصل بطريقة مجدية وآمنة. ولكن بغض النظر عن الجهود التي يبذلها فيسبوك لمحاولة التصدي لما يحدث الآن، فقد وقع الضرر بالفعل، ومن المرجح أن يتواصل. 

وأوضحت المجلة أنه في حين استمات المدافعون عن حقوق الإنسان والصحفيون في تقديم حجج ودوافع أخلاقية؛ لحث فيسبوك على اتخاذ إجراءات؛ للحد من نشر الدعايات المجحفة في حق الروهينغا، تظل المسؤولية القانونية غائبة بشكل واضح. ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه من المستبعد أن يُعتبر فيسبوك، أو مواقع التواصل الأخرى مسؤولة قانونيا أو أنها تحت طائلة المساءلة على خلفية لعب أي دور في انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

وذكرت المجلة أنه من غير المعقول رفع قضية رسمية ضد الموقع بتهمة سوء تقدير المعطيات واستشراف المستقبل. علاوة على ذلك، أشارت سنثيا ونغ، الباحثة في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إلى أن الاضطهاد والتمييز ضد "الروهينغيا" كان ليحدث فعلا حتى وإن لم يكن لموقع فيسبوك وجود من الأساس.

وأكدت المجلة أن الأمر أخذ منحى مختلفا، حيث برزت مساع لمقاضاة مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، على أساس التواطؤ والكسب غير المشروع من خلال ترويج خطاب التطهير العرقي والديني. ولكن لا يمكن فعلا لمثل هذه الادعاءات أن تؤثث لدعوى قضائية ناجحة، وذلك بسبب عرقلة عملية البت في مثل هذه القضايا، نتيجة النزاعات القانونية وقوانين التقادم.

وأضافت المجلة أن هناك مفاهيم قانونية أخرى يمكن أن تفسر بشكل أفضل دور فيسبوك والمسؤولية القانونية المحتملة التي تقع على عاتقه، وهو مصطلح "واجب الحرص" الذي يلزم الأشخاص أو الشركات بالتعامل مع جميع معطيات العمل ضمن قاعدة "الاستشراف الإلزامي" لإمكانية حدوث أضرار في المستقبل القريب أو البعيد وعدم تجاهلها.

من جهتها، شككت الأستاذة الجامعية "سوزان بينيش" في أن فيسبوك أو أي شركة أخرى تملك برمجيات متطورة بما يكفي لتحقيق هذا النوع من الفهم الدقيق للأضرار الناجمة عن أنواع محددة من المنشورات في مجموعة متنوعة من السياقات الاجتماعية، وفقا لما يفرضه مفهوم "الاستشراف الإلزامي".

وأردفت المجلة بأنه على الرغم من المحاولات الحثيثة لتجنب هذا السيناريو، إلا أن فيسبوك يتم توظيفه على اعتباره محرك دعاية للتطهير العرقي. ويشمل هذا المد بقية مواقع التواصل الاجتماعي التي تتلاعب بها جهات مختلفة في خدمة خطاب الكراهية والتضليل.


وأقرت المجلة بأن الخيار الذي يفترض أن يقوم فيسبوك بإيقاف نشاطه في المناطق التي يتم التلاعب فيها بالموقع، لتأكيد مشروعية انتهاكات حقوق الإنسان، يعد محض أوهام. ففي الواقع، لا تدرك إدارة فيسبوك وغيرها من الشركات، فعلا، مدى الضرر الحقيقي الذي تسببوا فيه، ولا يملكون خيالا واسعا لابتكار آليات قادرة على الحد من الخطر. 

وفي الختام، شددت المجلة على أن السعي إلى وضع أطر قانونية لوقف الترويج للكراهية والعنف في مواقع التواصل، أو المطالبة بإصلاحات جزئية لآليات هذه المواقع، يعدّ طموحا غير واقعي، ومن الصعب تحقيقه. في المقابل، وبدلا من ذلك، نستطيع صياغة قصة مشتركة عن الفظاعة التي يشهدها العالم، ونكون شهودا على عصر من العنف ودموع الأبرياء المضطهدين في كل أصقاع العالم علنا، لمنع حصول كوارث إنسانية مماثلة في المستقبل.