فنون منوعة

سجناء تونسيون من عتمة السجون إلى أضواء المسارح (فيديو)

أغلب الممثلين المسجونين محكومون لسنوات طويلة- عربي21

في تجربة فنية فريدة من نوعها، في تونس والعالم العربي، استطاع مخرج تونسي شاب أن يحول سجناء، أغلبهم مدانون في جرائم خطيرة، إلى أبطال عمل مسرحي خرجوا به من أسوار السجون إلى أحد أهم مسارح العاصمة التونسية، ليقدموا عملهم المسرحي أمام جمهور عريض.

وتعود الفكرة للمخرج التونسي الشاب محمد أمين الزواوي الذي عبر في حديثه مع "عربي21" عن سعادته بنجاح التجربة التي شكلت تحديا له ولإدارة السجن المدني "برج الرومي"، بمحافظة بنزرت شمال تونس، والذي يعد أغلب نزلائه من أصحاب الأحكام القضائية الطويلة بعضها لمدى الحياة.

ويقول الزواوي إن عمله يندرج ضمن مقاربة فنية ومسرحية جديدة، من خلال خلق ورشة نموذجية للعمل المسرحي في قلب السجن، أطلق عليها اسم "المختبر المسرحي في سجن برج الرومي"، وفال: "تعودنا أن تدخل فرق مسرحية السجون لتقديم عروض مسرحية أمام المساجين في إطار البرامج التنشيطية والثقافية، لكن البادرة تكتسي خصوصيتها في أن المساجين هم من يخلقون عملهم المسرحي بأنفسهم ويشرفون على كل مراحل إنجازه من الألف إلى الياء".

 


 

 وحول تفاعل المساجين مع هذا المشروع المسرحي، أكد محدثنا أن التجربة لاقت إقبالا واسعا من المساجين، لاسيما أولئك الذين يملكون حسا فنيا، بجانب آخرين خاضوا التجربة من باب حب الاطلاع ليجدوا أنفسهم متعلقين بهذه الورشة ويقدمون أداءً مذهلا في التمثيل والتعبير المسرحي.

ويشدد الزواوي على أن فسحة الأمل التي قدمتها لهم هذه الورشة المسرحية من خلال التعبير بحرية عن هواجسهم وانفعالاتهم وتحويلهم من مجرد مجرمين يشكلون خطرا على المجتمع إلى أبطال عمل مسرحي يشاهده الجمهور والنقاد، ساهم في تغيير طريقة تفكيرهم ونظرتهم للحياة وتقويم سلوكهم داخل السجن الذي يتسم أحيانا بالعنف.

من وراء الأسوار إلى المسرح

"الوجيعة" أو الوجع هو أول عمل مسرحي يرى النور في سجن برج الرومي وتتويج لنحو سنة ونصف من العمل الشاق للمخرج ولـ19 سجينا شكلوا العمود الفقري للمسرحية، حيث خرج العمل من أسوار برج الرومي ببنزرت إلى مسرح "التياترو" بتونس العاصمة ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية التي ختمت فعالياتها منذ أيام.

العرض المسرحي لاقى إعجابا واسعا من الجمهور والنقاد، وبعض أعمدة المسرح في تونس، الذين قدموا خصيصا لمشاهدة العرض وتفاعلوا مع أداء الممثلين إلى حد البكاء، لاسيما أن العرض المسرحي سلط الضوء على تجارب واقعية وقصص تراوحت بين الدراما والكوميديا عاشها السجناء وقدموها في شكل مونولوج مسرحي.

الحلول الأمنية وحدها لا تكفي

ويؤكد نضال المعزي، رئيس مصلحة الرعاية والإصلاح والمختص النفسي بسجن برج الرومي، لـ"عربي21" أن التجربة المسرحية داخل السجن، تنضوي في إطار توجه عام لإدارة السجن المدني ببرج الرومي، لإعادة تأهيل السجين وإدماجه عبر الأنشطة الثقافية والفنية، حيث لا يكون النزيل مجرد مشاهد لأعمال فنية تستقدم من الخارج، بل فاعلا ومؤثرا في أعمال أنتجها بنفسه في قلب السجن.

 



ويرى المعزي أن فسحة الأمل التي منحتها لهم ورشة المسرح للتعبير عما يخالجهم بطريقة فنية، بعيدا عن السلوك الإجرامي، ساهمت بقدر كبير في التحكم في انفعالاتهم السلبية وامتصاص غضبهم وتهذيب سلوكهم داخل السجن وبين زملائهم.


ويؤكد في السياق ذاته أن الحلول الأمنية وحدها لا تكفي في تقويم سلوك السجين، مشددا على أهمية الأنشطة الفنية داخل فضاء السجن في خلق جو عائلي بين نزلائه والتعويض عن الحرمان النفسي الذي يعيشونه خاصة أن أغلبهم محكومون بأكثر من 20 سنة سجنا وآخرين مدى الحياة. وأردف قائلا: "المشاركون في ورشة المسرح أصبحوا أكثر تفاؤلا وإقبالا على الحياة بل إن بعضهم أصبح هو من يعطي أملا لمن هم خارج السجن من خلال التعبير عما يخالجه بأساليب فنية راقية بعيدة عن ثقافة العنف والموت".

العرض الجماهيري لمسرحية "الوجيعة" خارج أسوار سجن برج الرومي، لن يكون الأول ولا الأخير، وفق ما أكده لنا مخرج العمل الذي يطمح لتعميم تجربة المختبر المسرحي في باقي السجون التونسية، حيث ستبرمج سلسلة عروض جديدة في أبرز المسارح التونسية على غرار "المسرح البلدي" بالعاصمة وغيره من الفضاءات المسرحية، كما أن أبطال "الوجيعة" يستعدون لعمل مسرحي آخر سيولد هو أيضا من وراء القضبان ليقفز هو وأبطاله خارج أسوار السجن.