بعد قيام وفد بحريني بزيارة مدينة
القدس إثر قرار الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب الاعتراف بالمدينة العربية عاصمة أبدية لإسرائيل؛ تثار التكهنات حول أن تكون
إحدى تبعات الزيارة هي الاعتراف بالقرار وبالسيادة الإسرائيلية على كامل القدس،
وأن يتبع ذلك قدوم وفود عربية دبلوماسية وشعبية أخرى.
زيارة الوفد
البحريني للقدس السبت، والتي ضمت 24 شخصا في جمعية "هذه
هي البحرين"، وتستمر 4 أيام، تمّت بإيعاز وتعليمات من العاهل البحريني، حمد
بن عيسى آل خليفة، لـ"بعث رسالة تسامح للإسرائيليين"، حسبما أعلنت
القناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلي، مساء السبت، والتي أكدت بتقريرها أن ابن
عيسى سيسمح لمواطنيه بزيارة إسرائيل.
الزيارة التي أثارت اللغط عربيا لكونها أول زيارة خليجية رسمية معلنة،
ووصفها الإعلام الإسرائيلي بالتاريخية؛ تأتي في وقت تشهد فيه معظم البلدان العربية
والإسلامية ردود فعل شعبية غاضبة إثر قرار ترامب بنقل سفارة بلاده لمدينة القدس
المحتلة الأربعاء، فيما يتزايد الغضب من ردود الفعل الرسمية الباهتة من القادة
والزعماء العرب.
وترددت أنباء بمواقع إخبارية فلسطينية عن طرد المقدسيين، للوفد البحريني،
من داخل المسجد الأقصى.
ثلاثة أسئلة
وفي تعليقه، يرى المحلل السياسي المصري، محمد الشبراوي، أن "الزيارة
تحمل ثلاثة علامات إستفهام، أولها: من حيث التوقيت؛ معتبرا أنه "رد مقصود على
الانتفاضة الإسلامية والعربية تجاه قرار ترامب، وطعنة بصدر الانتفاضة الجماهيرية،
وتأكيد لدعم البحرين للكيان وقرار ترامب، وعدم الالتفات لثوابت ومقدسات الأمة حول
القدس".
الشبراوي أضاف لـ"عربي 21" أن هدف الزيارة يتمثل بـ"محاولة
استباقية لتفكيك أي عزلة تفرضها الشعوب تجاه الكيان، وتأكيد استمرار نظم عربية
بطريق
التطبيع بل التحالف والاعتراف الكامل بالكيان الصهيوني المحتل والدوران بفلك
أمريكا والانصياع التام لكافة توجهاتها".
وأوضح الكاتب المصري أن "البحرين لا يمكنها السماح لوفد منها بزيارة
إسرائيل من تلقاء نفسها"، ويرى أنها "بادرت بالزيارة برعاية من داعميها
الأساسين السعودية والإمارات، وتأكيدا على الانفتاح المطلق على الكيان الصهيوني
على حساب الثوابت الاستراتيجية والتاريخية والدينية".
واعتبر الشبراوي أن هذا "يمثل قصورا بالرؤية وخطأ استراتيجيا فادحا
ستدفع الأمة العربية والإسلامية ثمنه غاليا مالم تتمسك الشعوب بثوابتها وتستجيب
النظم وتعدل عن أخطائها الفادحة".
ولفت إلى أن العرب يطبقون مقولة
وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر عندما أعلن: "أن اعتراف منظمة
التحرير الفلسطينية والدول العربية بدولة إسرائيل، لن يكون إلا بداية عملية تعديل
وتنظيم للأوضاع الإقليمية؛ تبعا للإرادة الإسرائيلية".
هزيمة الأمة من الداخل
من جانبه، قال المحلل السياسي اللبناني المتخصص بشؤون الشرق الأوسط، نضال
السبع، إن "زيارة الوفد البحريني المشكل من كافة الأطياف سنة وشيعة برئاسة
الشيخ فضل الجمري؛ هي استهانة بمشاعر ملايين الفلسطينيين والعرب المسلمين،
ومقدساتهم".
وأشار السبع، لـ"عربي 21"، إلى وجود علامات استفهام حول دور
هؤلاء المشايخ والمعممين في زيارة القدس بهذا التوقيت، مؤكدا أن "وهن النظام
العربي الرسمي وردود فعله الباهتة حول قرار ترامب، وأخذه قرارا بالتطبيع مع
إسرائيل هو ما أوصل لتلك النتيجة".
وتساءل السبع، "حول إقدام البحرين على هذا الموقف بدون مبرر أو
دوافع أو فائدة كونها غير مجاورة
لإسرائيل"، معلنا تفهمه من قيام دول مجاورة لإسرائيل بهذا الأمر، مضيفا
"أما أن تتطوع البحرين فهو أمر غير مفهوم"، موضحا أن "عدم لقاء وفد
البحرين بشخصيات فلسطينية بمدينة القدس، معناه أن أهل الأرض يرفضون تلك
الزيارة".
وأعلن المحلل اللبناني، أسفه من أن تكون الزيارة بداية لزيارات عربية
أخرى، معتقدا أننا على أبواب مرحلة جديدة من التطبيع الرسمي والشعبي، واصفا من
يقومون بتلك الزيارات مستقبلا بأنهم "يبيعون حقوق الشعب الفلسطيني ويكرثون
للاحتلال".
وقال إن "قرار النظام العربي الرسمي بالتطبيع مع إسرائيل والذي بدا
واضحا بزيارة مسؤول أمني خليجي لتل أبيب قبل فترة بجانب زيارة الوفد البحريني؛
جميعه لا يغير حقيقة أن الصراع مع أهل الأرض ، وليس مع أي طرف آخر".
وأشار السبع لهزيمة الأمة من الداخل، معتبرا أن هذا سقوط ومنخفض رهيب
وقعت فيه، وقال "صحيح أن الأمة هزمت عام 1967 باحتلال إسرائيل للقدس والجولان
وسيناء، ولكنها لم ترفع الراية ولم تستسلم، بل اجتمعت بالخرطوم وصاغ الوفد
الفلسطيني برئاسة أحمد الشقيري وسعيد السبع وشفيق الحوت؛ لاءاته الثلاثة (لا صلح،
لا اعتراف، لا تفاوض).
حمق وبله
من جانبه، وصف الباحث في الشؤون الإسرائيلية لدى "مركز رؤية للتنمية
السياسية"، صلاح الدين العواودة، الزيارة بأنها "تعبير عن مدى الحمق
والبله الذي تتمتع به قيادات عربية"، متعجبا بقوله "في الصباح تعلن
الخارجية البحرينية رفضها لقرار ترامب، وفي المساء ترسل وفدا بحرينيا للتطبيع مع
الكيان الصهيوني للقدس المحتلة".
وأكد العواودة، لـ"عربي 21"، أن الزيارة تعد "استمرارا
لسلسلة لقاءات وزيارات التطبيع المتبادلة بين البحرين والسعودية والإمارات من جهة
والكيان الصهيوني من جهة أخرى"، مضيفا أنه "من الواضح أن قيادة البحرين
والسعودية والامارات مقودة من قبل اليمين الصهيوني ولا تتصرف بعقلها وإلا لما ورطت
نفسها بكل هذه المصائب".
وقال إن "الحملة العسكرية على اليمن؛ كان من الواضح أن الكيان
الصهيوني هو المحرك لها وأنها لا تخدم العرب، وكذلك الحملة السياسية على قطر لم
يكن لها مبرر عربي غير المصلحة الصهيونية؛ وحتى توقيتها صباح 5 حزيران/يونيو
الماضي، كان احتفالا بمرور 50 عاما على عدوان عام 1967 ".
وأضاف الباحث الفلسطيني، "وكذلك الحملة على الإخوان المسلمين وعلى
حركة حماس كان من الواضح أن المحرك لها صهيوني، وحتى الموقف من حزب الله وإيران لم
يكن المحرك له طائفي بقدر ما كان الموقف الصهيوني هو الفارق".
فتحٌ للباب
وأكد الباحث السياسي العراقي، محمد الخاقاني، أن "زيارة وفد البحرين
للقدس بشكل علني ولمدة أربعة أيام؛ يعد تطبيعا حقيقيا، إذ أن الزيارة تأتي بعد
أيام من قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس واعتراف ترامب بها كعاصمة لإسرائيل على
الرغم من القرارات الدولية بهذا الصدد".
وتعجب الخاقاني، في حديثه لـ"عربي 21"، من الإعلان عن زيارة
وفد البحرين المكون من شخصيات يمثلون مختلف الطوائف والأديان للقدس بهذا التوقيت
وتشكيله بناء على توجيهات من ملك البحرين وبدعوى التسامح بين الطوائف والأديان
والقوميات على أرض القدس، معتبرا هذا متناقض مع بيان الخارجية البحرينية بإدانة
نقل السفارة الأمريكية للقدس.
ويرى الباحث العراقي، أن "الزيارة قد تكون مقدمة لأخرى عربية، خاصة
وأن بعض الدول العربية وخصوصا الخليجية منها لديها علاقات مع إسرائيل وبصورة سرية،
كما جاء على لسان مسؤولين وصحف إسرائيلية".
الخليج مختلف
ويري السياسي المصري، ناجي الشهابي، أن الزيارة استفزاز لمشاعر ملايين
المسلمين الرافضين لقرار ترامب"، واصفا موقف البحرين بأنه "خروج على
الموقف العربي الرسمي والشعبي، ويؤكد وجود ارتباك كبير لدى راسمي السياسة
البحرينية، وغياب للرؤية التى تحكم نظرتها للصراع العربى الاسرائيلى".
رئيس حزب الجيل، قال لـ"عربي 21"، قال "لا اعتقد أن
الزيارة ستكون تمهيدا لزيارات أخرى رسمية أو شعبية لدولة الاحتلال"، موضحا أن
"دول الخليج تختلف عن باقي الدول العربية بدرجات تقاربها مع إسرائيل"،
مشيرا إلى أن "العلاقات بينهم لم تنقطع يوما، ولذلك موقف الخليج لا يعبر عن
الموقف العربى ويبتعد كلية عن الشعبي".