كتاب عربي 21

قراءة أنقرة لأحداث السعودية الأخيرة

1300x600

فاجأت المملكة العربية السعودية، فجر الأحد الماضي، العالم باعتقال عشرات الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال السعوديين؛ بتهم عديدة، بينها تلقي الرشوة والاختلاس والابتزاز وغسل الأموال واستغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية. وجاءت هذه الاعتقالات بعد تشكيل لجنة جديدة لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

جميع المراقبين يتفقون في أن ما يجري في السعودية صراع سياسي بحت، مهما سمي "مكافحة الفساد"، ومحاولة من ولي العهد لتشديد قبضته على كافة المؤسسات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية، بالإضافة إلى تصفية حسابات وشخصيات قبل أن يستلم الأمير الشاب عرش المملكة من والده.

 

 

المراقبون يتفقون في أن ما يجري في السعودية صراع سياسي بحت، مهما سمي "مكافحة الفساد"

 

 
السعودية من أهم دول المنطقة والعالم الإسلامي، وكل ما يجري فيها يلقي بظلاله على محيطها، كما تتأثر منه ملفات كثيرة؛ متعلقة بمناطق ساخنة وقضايا مختلفة. وبالتالي، تتابع أنقرة، كمعظم عواصم المنطقة، ما تشهده المملكة من أحداث وتطورات، وتحاول قراءتها بدقة لمعرفة نتائجها المحتملة.

المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية، إبراهيم كالين، في أول تعليق رسمي على التطورات الأخيرة، قال إن بلاده "تأمل أن تساهم هذه الخطوة في تحقيق الاستقرار والسلام والازدهار للمملكة"، مؤكدا أن القرارات الأخيرة التي اتخذتها القيادة السعودية "هي مسألة تتعلق بالشؤون الداخلية لهذا البلد". وأضاف أنه يقرأ التغييرات الحاصلة في السعودية، على أنها "محاولة لتشكيل اللبنات الأساسية لثورة اجتماعية، تستند إلى فهم منفتح للإسلام، يراعي خصوصية المجتمع السعودي".

هناك تكهنات تقول إن الأمير الوليد بن طلال تم اعتقاله بسبب وقوفه إلى جانب أردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، واستثماراته في تركيا. مثل هذه التكهنات لا يمكن نفيها أو إثباتها دون وجود أدلة وقرائن، كما أن الأمير الثري قد يكون سبب اعتقاله اختلافه مع ولي العهد السعودي في بعض المسائل، أو ما كتبه في حق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في موقع تويتر، قبل فوز الأخير برئاسة الولايات المتحدة، أو أشياء أخرى.

 

 

العلاقات التركية السعودية مرت في السنوات الأخيرة بأزمات، وشهدت صعودا وهبوطا، بسبب التباين في مواقف البلدين من بعض الملفات والقضايا الإقليمية

 


العلاقات التركية السعودية مرت في السنوات الأخيرة بأزمات، وشهدت صعودا وهبوطا، بسبب التباين في مواقف البلدين من بعض الملفات والقضايا الإقليمية. ولعل الملف الأهم الذي أدى إلى تدهور العلاقات الثنائية بين أنقرة والرياض هو الملف المصري، والموقف من الانقلاب العسكري الذي أسقط الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، إلا أن العلاقات بين البلدين شهدت تحسنا ملحوظا بعد تولي الملك سلمان عرش المملكة.

واليوم، هناك ملفات تختلف فيها تركيا والسعودية، كملف حصار قطر. وتأتي السعودية على رأس الدول التي قطعت جميع علاقاتها مع الدوحة، فيما سارعت تركيا إلى دعم قطر لتتمكن من تجاوز الأزمة، بل وأرسلت إليها قوات عسكرية في إطار اتفاقية التعاون العسكري بين البلدين. ومع ذلك، نجحت أنقرة والرياض إلى حد كبير في إبعاد الملفات المختلف عليها عن علاقاتهما الثنائية.

 

 

الجانب الذي يهم أنقرة في التطورات التي تشهدها السعودية؛ هو المتعلق بالسياسة الخارجية، ورأي ابن سلمان في مستقبل العلاقات التركية السعودية

 


الجانب الذي يهم أنقرة في التطورات التي تشهدها السعودية؛ هو المتعلق بالسياسة الخارجية، ورأي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مستقبل العلاقات التركية السعودية. وما يقلق أنقرة وتتوجس منه، هو الدور الإماراتي في التطورات الأخيرة التي تشهدها المملكة، وانعكاساته المحتملة على العلاقات الثنائية بين تركيا والسعودية.

أنقرة ترى أن "ما يجري في الشرق الأوسط هو عبارة عن إعادة هيكلة للمنطقة، وليست أحداثا عشوائية"، كما أشار إليه رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان في كلمته التي ألقاها الثلاثاء أمام نواب حزبه في البرلمان. وأضاف أردوغان أن "الأحداث التي يشهدها العالم والمنطقة تشير إلى أن هناك عملية إعادة هيكلة جذرية؛ من شأنها أن تشكل معالم القرن المقبل"، موضحا أن بلاده تمر بمرحلة هي الأكثر حساسية منذ حرب الاستقلال التي خاضتها ضد قوات الغزاة التي احتلت مساحات من الأناضول عقب الحرب العالمية الأولى.

وباختصار، فإن تركيا تتابع تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والأحداث الجارية في المملكة، وتسعى إلى فهمها ومعرفة مدى ارتباطها بالتطورات الإقليمية والدولية. وترغب في تعزيز علاقاتها مع الرياض في كافة المجالات، إلا أنها مستعدة أيضا لجميع الاحتمالات.