كتاب عربي 21

عن الحرب الأبدية لولي العهد السعودي

1300x600

لم يطرأ هذا الأسبوع على أجندة الحرب في اليمن شيء جدير بالاهتمام أكثر من تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أكد أن تدخل بلاده العسكري في اليمن سيستمر حتى لا ينشأ حزب الله آخر، ولأن الوضع في اليمن أخطر بكثير لأن فيه مضيق باب المندب.

 

يأتي ذلك في وقت جدد فيه المبعوث الاممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ نشاطه بإيعاز من الجانب الأمريكي وحط في الرياض لتسويق رؤية للحل بدأت مضامينها تتسرب عبر اكثر الأطراف سوء في التحالف العربي.

 

دأب هذا الأمير الشاب على إطلاق المزيد من التصريحات الجذابة التي تبقيه حاضراً في المشهد السعودي المعقد، وتقربه أكثر من أحلام الصعود إلى هرم السلطة والملك في بلاده، من "رؤية 2030" إلى "نيوم"، إلى التمظهر بالحزم ضد نفوذ إيران وأدواتها في المنطقة، والحوثيون أحد هذه الأدوات.

 

رغم الادعاء الصارخ بإمكانية خوض حرب أبدية في اليمن لا يبدو أن ولي العهد السعودي، مدركا للمخاطر المحدقة ببلاده جراء غياب الرؤية والحسم في قضية شائكة كالحرب في اليمن. 

 

فالسعودية تكاد تكون غائبة تماماً عن الترتيبات الإماراتية في باب المندب والساحل الغربي، على الرغم من أهمية هذه المنطقة بالنسبة للمملكة التي تتحمل العبئ الأكبر من تكاليف الحرب في اليمن.

 

ولا يستطيع الأمير محمد بن سلمان أن يدعي بأن الإمارات تنفذ تعليماته أو أنها تسيطر على أرخبيل سقطرى الواقع بين خليج عدن والمحيط الهندي، بناء على توجيهاته، إذ ليس هناك التقاء مصالح مع حاكم الإمارات الفعلي محمد بن زايد الذي يبدو أنه من يوظف القوة الخشنة للسعودية وثقلها الإقليمي في تحقيق أهدافه الجيوسياسية.

 

الحرب في اليمن توقفت تقريباً، والجيش الوطني اليوم منشغل بانتظار موعد تسلم رواتبه المتأخرة، والتقدم في الجبهات دخل مرحلة السكون والمواجهات تشعلها طموحات الحوثيين وشريكهم المخلوع صالح في استثمار الجمود والإحباط المهيمن على معسكر الشرعية.

 

لم يعد التحالف مكترثاً بأجندة السلطة الشرعية، فقد اكتفى باحتجاز رأسها في الرياض ليفعل ما يريد في اليمن، في وقت تحول فيه التحالف إلى طرف أصيل وخطير وشرير جداً في معادلة الصراع، حيث يمضي قدماً في مهمة تفكيك الدولة اليمنية، وهي مهمة تضطلع بها الإمارات تحديداً.

 

لا يوجد عاقل في اليمن وخارجه إلا ويدرك المخاطر المحدقة بالمصالح الحيوية للمملكة من وراء الترتيبات الخطيرة التي تقوم بها الإمارات في اليمن. لا شك أن اليمنيين قلقون على بلادهم وعلى دولتهم، لكن خيارات وقف المهزلة الإماراتية باتت محدودة في ظل تفكك الجبهة الوطنية بين انقلابيين بأجندة جهوية وحرص كبير على الاستئثار بالسلطة، وبين معسكر الشرعية المفكك والمنقسم على نفسه والذي يتوزع بين متضامن مع السلطة الشرعية وبين مؤيد لمساعي الإمارات الحثيثة لفصل الجنوب عن الشمال.

 

أحدث ما تسرب من الوثيقة التي يجري المبعوث الأممي بمساعدة الأمريكيين نقاشات حولها في الرياض مع أطراف الأزمة والحرب هناك، يشير إلى أن الولايات المتحدة تريد إعادة فرض ما اقترحه وزير الخارجية الأمريكي المنصرف جون كيري، وهي نفس الرؤية التي كان المبعوث الأممي السابق جمال بنعمر يحاول فرضها على الأطراف اليمنية بعد أن أسقط الحوثيون والمخلوع صالح العاصمة صنعاء بأيديهم ووضعوا الرئيس تحت الإقامة الجبرية.  

 

الوثيقة تنص على إنشاء مجلس رئاسي يدير البلاد خلال فترة انتقالية مدتها 18 شهراً، ولجنة عسكرية تتمثل فيها كل الأطراف، تشرف على جمع الأسلحة،  وتنص على تقاسم للسلطة يضع معظم هذه السلطة في أيدي الانقلابيين، ولا تنطوي على أي شكل من أشكال العقاب المفترض أن ينزل بالانقلايين جراء دفعهم البلاد إلى حرب أهلية هي الأسوأ في تاريخها.

 

هذه الصيغة عمدت وسائل إعلام إماراتية تسريبها في مؤشر على أن مضمون الوثيقة يقترب مما تحاول أبو ظبي فرضه على السلطة الشرعية، وتخطط لإنجازه، حيث استقر خيار الإمارات على استعادة دور صالح وهو أمر تؤمنه هذه الوثيقة المسربة.

 

لا توجد أزمة في منطقتنا صغيرة جداً لا أزمة قطر ولا الأزمة اليمنية، التي تحاول تصريحات ولي العهد السعودي الإيحاء بأنها صغيرة.. لا توجد ضمانات مستقبلية بأن اليمن ستظل مساحة مغلقة على السعوديين والإماراتيين، أو أن اليمنيين لن يلتقوا حول رؤية واحدة رغم التناقض الذي يعصف بهم حالياً.

 

حينما يتحول التحالف إلى مجرد سلوك متعجرف وإملاءات فوقية، كما يحدث الآن، فإن الكرامة اليمنية لن تحتمل أكثر ما قد تحملت، وحينها ستتولد ارتدادات خطيرة على التحالف داخل الساحة اليمنية وسيرون جحيماً ربما لم يختبروه من قبل، لأن معظم اليمنيين لا يزاولون منخرطين في معركة التحالف، التي للأسف باتت تفتقد للأسس الأخلاقية وتختلط فيها الأهداف السياسية وتتناقض إلى حد يبدو معها محمد بن زايد مجرد امبراطور أحمق.