قضايا وآراء

سذاجة بعض المشايخ في نقاش الملحدين!

1300x600
 الإلحاد ظاهرة؛ أو موجة فكرية تنتشر أو تنحسر؛ تضعف وتقوى؛ بحسب توافر الأجواء المهيئة لها، وغالبا لا ينشط الإلحاد ويجد بيئة خصبة إلا في ظروف معينة، لعل أهمها: غياب الدعاة والعلماء الأثبات الذين يقنعون العقل، ويطمئنون القلب، بخطابهم الذي يجمع بين العقل والعاطفة، ويشعر المستمع لهم بصدق في الحديث، ومنهجية علمية، ترد الشارد، وتثبت المؤمن، الخطاب الذي يتبنى منهجية علمية تجمع بين علوم العصر، والرجوع للمصادر المهمة التي يبني عليها الملحد رؤيته وفكرته، والوقوف على الأسباب الحقيقية التي أدت به إلى هذا الفكر، حتى تعرف كيف تحسن النقاش والمعالجة. 

وكثير من خطابات المشايخ في هذا المجال مضحكة ومخزية للأسف، فترى خطاب كثير منهم يتسم بالسذاجة والسطحية، ولعل آخر هذه النماذج: الدكتور علي جمعة مفتي مصر الأسبق، الذي أراد أن يعبر تعبيرا معاصرا (رِوِشْ) بتعبير الشباب، فوقع في هذا الأمر، فقال: "الملحد ده هياخد خزوق مغري في الآخرة".

فلا هو قال معلومة تقنع العقل، ولا قال كلاما يجذب الشاب الملحد، إنما قال مجرد (إفِّيه) بايخ وقديم، وينفر ولا يجذب، يثير السخرية على القائل قبل المقول عنه، فاتخاذ السخرية وسيلة بهدف إضحاك الناس على الملحد أو المتشكك في الدين، لا يفيد الطرفين بحال من الأحوال، لا المؤمن ولا الملحد، فسيجعل كل شخص في خانته دون حراك، بل تزداد الحالة احتقانا بينهما. وما يقال عن علي جمعة يقال عن غيره ممن يتبنى نفس المنهج والطريقة. 

بل ربما انقلبت السخرية إلى قائلها، فعندما تجد شيخا يريد هدم نظرية الإلحاد بلا علم منه بأسسها العلمية، بل بأخذ معلومات سطحية عن الإلحاد، وبخاصة نظرية التطور مثلا، فتجد من هؤلاء من يناقشهم على أن النظرية تقول: إن الإنسان أصله قرد، أو أن نظرية دارون أساس للإلحاد، وهو كلام عار تماما عن الصحة، ويدل على عدم دراية أو دراسة صحيحة للإلحاد وأسسه، مما يضعف حجة الداعية أو الشيخ، وسرعان ما يأكله في النقاش شاب متشكك، أو على الأقل يصيبه بالحرج، والصمت، وليس ذلك لضعف الإسلام أو الفكرة الإسلامية، بل لضعف حامل الرسالة والمحامي عنها، رغم أن كثيرا من المفكرين الإسلاميين والعلماء ناقشوا بإنصاف نظرية دارون، وعلى رأسهم: المفكر الكبير عباس محمود العقاد في كتابه (الإنسان في القرآن) والأستاذ محمد أحمد باشميل في كتابه (الإسلام ونظرية التطور) وغيرها من الكتب، فهناك ما يقرب من عشرين كتابا لكتاب إسلاميين تناولوا النظرية بإنصاف وحيدة، دون تشنج، أو جهل بالنظرية، فلو أن الداعية أو الشيخ المناقش للشباب رجع إليها أو إلى بعضها، لوقف على أرض صلبة في النقاش.

وإذا كان الحوار مع هؤلاء الشباب المتشكك أو الملحد بهدف الكسر، أو التعالي عليه لصغر سنه، وقلة خبرته ورصيده في الحياة والعلم، فسوف يؤدي ذلك بلا شك إلى مزيد من العناد من الشباب الملحد، أو الرافض للإسلام، أو الفكرة الإسلامية، لأن حمية الشباب ستدفعه لذلك، والحفاظ على كبريائه سيدفعه أكثر للتمسك بفكرته، حتى لو أثبت له خطأها، وهو ما لاحظه حسن البنا عندما كتب سيد قطب مقالا يدعو فيه للسماح بعري الشواطئ، وانبرى أحد الإخوان ليرد عليه، فكانت نصيحة البنا له، ألا يرد، لأن الكاتب شاب، وسيدفعه شبابه وتعصبه لفكرته، أن يزداد في عناده، وأن السبيل لذلك هو النقاش الذي يكون في جو لا تحدي فيه للآخر، وسوف تكون ثمرته أفضل وأجدى، وهو ما حدث فيما بعد وكان التحول الكبير في حياة سيد قطب رحمه الله.

والإلحاد في كثير من حالاته في بلادنا هو أزمة نفسية، تجعل صاحبه مأزوما، أو في حالة اضطراب فكري، وحيرة وتردد كبير بين الأفكار، فإما أن يذهب بصاحبه لأفكار داعش، أو إلى الإلحاد والتشكك في ثوابت الدين، وهو ما ينبغي مراعاته عند نقاش هذه الفئة من الشباب، فهو ليس شخصا صاحب تجارب حياتية كبيرة، تجعله ينظر إلى أحداث التاريخ فترده إليها، أو تذكره بها فيعود معك، أو على الأقل يقف محايدا. 

وهو كذلك أسئلة وجودية تحتاج لإجابة، وإجابة مقنعة، لم يعد خطاب المشايخ القديم يجدي معه نفعا، فمعظم أفكار اليوم أصبحت تنطوي على أساس فلسفي، يكون عميقا عند البعض، وسطحيا تارة عند بعض آخر، فمن لم يدرس هذه الأسس الفلسفية كيف سيقوم بالرد، فضلا عن الإقناع بخطأ الفكرة وتصححيها؟!! 

عندما أراد الشيخ الغزالي رحمه الله كتابة رد على كتاب (الشريعة والعقيدة) للمستشرق المجري الكبير المعروف (جولد زيهر)، يقول الغزالي: لقد وجدت الرجل كي يكتب كتابه المملوء بالطعن في الإسلام، قد قرأ (300) كتاب كمراجع رجع إليها، فكيف بمن سيقوم بالرد عليه، كم من الكتب يحتاج ليقرأ؟ على الأقل الثلاثمائة كتاب التي رجع إليها (جولد زيهر)، حتى يكون على قدم المساواة معه، فإذا أراد الرد والتصحيح فذلك معناه أن يقرأ أكثر، وهو ما يؤكد أن المعركة لن يحسن الدخول لها كل صاحب عاطفة محبة للإسلام، فالعاطفة وحدها لن تكفي، بل لا بد من امتلاك أدوات العلم الحقيقي العميق، لا الوهمي ولا السطحي.