قضايا وآراء

هل بدأ ربيع الأكراد أم انتهى؟

1300x600
هل انتهى الربيع الكردي دون أن يشعر به أصحاب الشأن، الأكراد، وأن ما هو قادم ليس سوى خريف وصرف من رصيد كان تجمّع بفضل الاستثمار في المتغيرات ومعرفة اتجاهات السياسة الدولية؟

مرّت سنوات على الأكراد حقّقوا خلالها إنجازات سياسية مهمة، تمثلت ببلورة الحكم الذاتي في العراق وبداية تبلور وضعية سياسية في سورية تكفّلت روسيا بإخراجها إلى الواقع، وهي صيغة الفيدرالية ولا مركزية الحكم في سورية والتي يتضح أن الروس يطروحونها على مقاسات الوضع الكردي في سورية بدرجة أولى.

وقد أفرزت هذه التطورات قناعة كردية بتشكّل سياق يندرج فيه مسعاهم التاريخي في تشكيل كيانهم وصناعة صيرورة لا بد أن تصل إلى نهايتها السعيدة بقيام دولة الأمة الكردية وأن الأمر لا يتطلب سوى المزيد من الجرأة والانتقال إلى مرحلة الإعلان عن هذه الدولة بدل الاستمرار في مراكمة الوقائع على طريق تأسيسها، فالأمور وصلت إلى مرحلة النضوج وعدم التقاط هذه اللحظة سيشكل فرصة ضائعة ربما لن تتكرر خلال الجيل الحالي.

تراكب هذا الإدراك، مع متغيرات موازية حصلت في البيئة المحيطة بالأكراد، من خلال الصراع المذهبي الذي يشتد أواره في المنطقة ومحاولات الهيمنة الإقليمية من قبل بعض القوى على حساب مكونات المنطقة، فضلاً عن وجود رأي عام كردي دافع ومحرك باتجاه الانفصال وتشكيل الكيان الكردي نتيجة الاعتقاد بأن حياة الكرد ومستقبلهم سيكون أفضل لو تخلصوا من الارتباط بجيرانهم الذين لا يبدو أنهم سيخرجون من أزماتهم وصراعاتهم حتى وقت بعيد.

مقابل هذه الفرص، لم يكن أمام الأكراد خيارات مهمًة تدفعهم إلى تأجيل طموحهم وانتظار متغيرات جديدة، وخاصة في ظل النهوض الشيعي الذي لم يكن ليستثني الأكراد بعد أن ينتهي من تدجين السنة، وخاصة في العراق، كما أن تركيا، التي كانت يوماً صديقة لحكام كردستان العراق كانت تعتبر استمرار صداقتهم مشروطا ببقائهم ضمن الصيغة الحالية، إقليم في إطار الفيدرالية العراقية، كما أن أميركا لا تنسى تذكير شعوب المنطقة بشكل متواتر أنها فور إنجاز مهمة القضاء على داعش سوف تفكّك خيام جنودها وتحالفاتها وترحل.

لكن يبدو أن الأكراد أخطأوا هذه المرّة في قراءة المزاج الدولي، ولم يدركوا أن ربيعهم هو ما كان وليس ما هو قادم، وأن سياسة الخطوة خطوة التي اتبعوها كانت غلتها أوفر ووصلوا بفضلها إلى ما يشبه الاستقلال، في حين أن الظروف لم تنضج بعد لإعلان هذا الأمر بشكل صريح، وإذا كان الأكراد ينطلقون من حلمهم لتأسيس لحظة الاستقلال، فإن القوى الفاعلة تنطلق من خبرتها التاريخية لمثل هكذا متغيرات ومن قراءتها لواقع المنطقة والظروف الصعبة التي تعبرها.

لقد كانت ردة الفعل الدولية على محاولة إنفصال كتالونيا عاكسة لمزاج دولي غير محبذ لهذا النمط من التغييرات في شكل الدول وتركيبتها، وخاصة وأن آخر تجربة دولية في هذا المجال، تقسيم يوغسلافيا، لم تكن مشجعة على الإطلاق، ويكفي أن نتذكر أن كوسوفو التي حظيت باعتراف أكثر من مئة دولة لم تعترف بها الأمم المتحدة حتى الإعلان، كما أن المعارضة السورية التي حظيت باعتراف مئة وثلاثين دولة بها لم تستطع تصريف هذا الاعتراف بالحصول على مقعد سورية في الأمم المتحدة ولا حتى في الجامعة العربية.

بالإضافة لذلك، ثمَة عوائق كثيرة تقف في مواجهة تحقيق الأكراد، على الأقل في اللحظة الراهنة، لحلمهم في الاستقلال، ذلك أن الاستقلال الكردي مشروط بالانفصال عن أربع دول، وهو أمر لا يقره القانون الدولي الذي لا يعترف بحق الانفصال كأحد حقوق مجموعة من الناس إلا في حالة احتمال تعرض هذه المجموعة للإبادة، وهو ما لا ينطبق على الكرد في هذه المرحلة.

كذلك، تشكّل الجغرافية أحد المعوقات التي تحول دون إمكانية تحقّق الدولة الكردية، فهي دولة حبيسة لا منافذ بحرية لها وتعتمد على دول الجوار من أجل الوصول للعالم الخارجي في تصريف منتجاتها واستيراد حاجاتها، وحتى يمكن الخروج من هذه الوضعية المعقّدة تحتاج كردستان لأحد حلين: إما اختراق واحدة من الدول المحيطة بها، إيران، تركيا، العراق، سورية، وتحييدها عن معاداتها، وهذا الأمر لا يبدو أنه ممكن في ظل الظروف الحالية وتوافق جميع الأطراف على منع قيام الدولة الكردية، أو السيطرة على إدلب ومن خلالها الوصول إلى البحر المتوسط، وهو أيضاً أمر يستحيل تحقيقه في الظروف الحالية.

على ضوء هذه الأوضاع، فإن الاحتمال المنطقي قد يكون بتراجع الأكراد عن طموحاتهم وانتظار متغيرات جديدة، وخاصة بعد ظهور تيارات وقوى سياسية كردية وازنة تدعو إلى إلغاء نتائج الاستفتاء تجنباً للأثار السلبية التي تفوق مقدرة الكرد على تحملها.