تعالت دعوات لتطبيق البند المتعلق بحالة الشغور في السلطة بالجزائر، على خلفية مرض الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة.
وجاءت الدعوات لتفعيل البند وتدخل الجيش؛ عبر أحزاب سياسية معارضة ونشطاء، فيما ردت أحزاب السلطة بأن السلطة بالبلاد لا تواجه حالة شغور، وأن بوتفليقة هو من يقرر فعلا.
وتتسع دائرة المطالب المتعلقة بتدخل الجيش لعزل الرئيس بوتفليقة، وتطبيق البند الدستوري رقم 102؛ الذي يتحدث عن حالة الشغور في السلطة، على اعتبار أن الرئيس
الجزائري، أقعده المرض إثر إصابته بجلطة دماغية، في نيسان/ أبريل من عام 2013، حيث تقول المعارضة إنه لم يعد قادرا على تسيير شؤون البلاد.
ويأتي هذا في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية جراء انهيار أسعار النفط، المورد الرئيسي للخزينة العامة في البلاد.
ودفعت حالة "طلاق" بين السلطة والمعارضة إلى تصعيد أحزاب من المعارضة بموقفها، من خلال المطالبة بتفعيل البند الدستوري 102.
ودعا حزب جيل جديد، المعارض، إلى "الإسراع بتطبيق البند الخاص بإثبات حالة شغور السلطة؛ بسبب عجز الرئيس بوتفليقة عن أداء مهامه الدستورية".
وأوضح رئيس الحزب، جيلالي سفيان، في تصريح لـ"
عربي21"، على هامش فعالية أقامها أعضاء الحزب بشوارع العاصمة، بغرض شرح البند الدستوري 102 للمواطنين، الثلاثاء، أن "الخروج من حالة الانسداد السياسي، والأزمة الراهنة مرهون بالأساس بتفعيل هذا البند الخاص بإثبات حالة الشغور بالسلطة ومن ثمة إعلان تنظيم انتخابات رئاسة مبكرة".
ماذا يقول البند الدستوري؟
وينص البند 102 من الدستور الجزائري على أنه "إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع".
ويرى جيلالي أن هذا البند "يتطابق مع الحالة الصحية للرئيس بوتفليقة، الذي يعاني من المرض منذ أكثر من أربع سنوات، بينما تبقى القرارات المصيرية التي تهم الشعب والبلد ككل، تصدر من جهات مجهولة"، على حد قوله.
وأضاف: "الأحداث السياسية الأخيرة أظهرت للشعب الجزائري وللعالم أن رئيس الجمهورية يوجد بحالة صحية حرجة تمنعه من أداء مهامه الدستورية".
ويقصد جيلالي بالأحداث الأخيرة؛ الجدل الذي صاحب عزل الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون وتعيين أحمد أويحي، مدير الديوان بالرئاسة، خلفا له، في 15 آب/ أغسطس الماضي.
وأكد جيلالي أنه "على الرئيس بوتفليقة إعلان تنظيم انتخابات مبكرة، فهو ليس بالرجل القادر على تسيير شؤون البلاد، وعليه فإن تفعيل البند رقم 102 من الدستور بات واجبا وحتمية"، وفق تقديره.
لكن هناك من يرى أن المشكلة في الجزائر ليست في شغور منصب الرئيس، ولكن في نظام الحكم ككل، إذ يعتقد محمد حاج جيلاني، الأمين العام لجبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض بالجزائر، أن "ما تعيشه البلاد اليوم سببه نظام مريض ومحدود أثبت فشله، وأصبح من الضروري، أكثر من ذي قبل، تغييره، والذهاب إلى جمهورية ثانية تمر عبر مسار تأسيسي يشارك فيه كافة الجزائريات والجزائريون دون إقصاء ودون تهميش"، كما قال.
وتابع حاج جيلاني في تصريح لـ"
عربي21": "أكدنا في محطات عديدة أننا لا نهتم بالنقاشات العقيمة التي جلها تسعى إلى إلهاء الرأي العام وتحويله عن القضايا الأساسية التي تهم بلادنا".
ورأى أن "الشغور الموجود هو شغور منظومة حكم وليس شغور منصب". وقال أيضا: "منظومة الحكم الفاشلة والمريضة، فرضت على البلاد هذا الوضع.. بالنسبة لنا لا يستطيع نظام مريض حل إشكالية مرض الرئيس"، على حد وصفه.
تدخل الجيش
ولا تقتصر مطالب طيف من الطبقة السياسية؛ على تفعيل البند الدستوري الخاص بحالة الشغور بالسلطة في الجزائر، ولكن تجاوزتها إلى دعوات صريحة للجيش بضرورة التدخل لعزل الرئيس بوتفليقة.
فقد هاجم نور الدين بوكروح، وهو مفكر ووزير سابق للتجارة ورئيس سابق لحزب "التجديد الجزائري" المعارض؛ قيادة الجيش الجزائري، على خلفية ما وصفه بـ"الصمت"، وحمّل المؤسسة العسكرية مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.
وكتب بوكروح في رسالة إلى الجزائريين، عبر صفحته في موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك": "الجيش أدار ظهره للشعب لإبقائه خاضعا وخانعا لا يفكر إلا في صغائر الأمور"، داعيا قيادات الجيش "لتحمل المسؤولية أمام الشعب والتاريخ"، على حد قوله.
وتساءل بوكروح: "هل يعني الصمت أن تصم الآذان عن الأصوات المرتفعة كلها من هنا وهناك والمنبهات التي انطلقت من عدة جهات، منذ أن ضرب رئيس الوزراء السابق عبد المجيد تبون إلى عنقه، وتم الحكم لمصلحة أعمدة العقد الاجتماعي والاقتصادي الذي قد يتحول إلى تحالف شيطاني؟"، كما قال.
السلطة ترفض
وواجهت الدعوات بتدخل الجيش الجزائري لعزل بوتفليقة؛ معارضة شرسة من طرف السلطة وأحزابها، ومن طرف البرلمان الجزائري ومجلس الأمة.
فقد انتقد جمال ولد عباس، أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني، الحاكم في البلاد، أصحاب هذه الدعوات. وقال للصحفيين، على هامش افتتاح دورة البرلمان الجزائري، الاثنين، إن الرئيس بوتفليقة "يتمتع بصحة عادية ويمارس مهامه بطريقة طبيعية كأي رئيس وكل مسؤول في الدولة".
وتابع ولد عباس: "من يتحدث عن البند الدستوري رقم 102 يكرر سيناريو العام 1998"، في إشارة إلى دفع الرئيس الجزائري السابق ليامين زروال للتنحي عن منصبه، قبل إكمال عهدته والدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في 1999.
من جهتهما، هاجم رئيس البرلمان الجزائري السعيد بوحجة، ورئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، المطالبين بإعلان شغور السلطة والداعين إلى تدخل الجيش في الحياة السياسية.
وقال بوحجة خلال افتتاحه دورة البرلمان، الاثنين، إن "الأصوات التي تصدر الأحكام الخاطئة وتتجاوز حدود الأخلاقيات السياسية، وتحاول يائسة التشكيك في مؤسسات الدولة وضرب مصداقيتها، إنما تتجاهل عمدا ولغايات مشبوهة؛ المنطق الدستوري، كما أن هدفها الواضح هو إضعاف المؤسسات الدستورية والعودة بالبلاد إلى الوراء، بكل ما يعنيه ذلك من مغامرة في المجهول"، على حد تعبيره.
وأضاف بوحجة: "رئيس الجمهورية منتخب شرعيا من الشعب الجزائري، في انتخابات شفافة وديمقراطية وهو الضامن للدستور، وهو خط الأمان والاستقرار"، كما قال.
بدوره، اعتبر بن صالح، خلال نفس المناسبة، أن "بعض الأصوات النشاز راحت في خطاباتها تطالب بتفعيل أحكام محددة من الدستور.. لكنها في الواقع ترمي للترويج لتأويلات خاطئة صادرة عن أمزجة أصحابها أفكارهم نابعة من رغبات ذاتية غير بريئة"، وفق قوله.
وتابع بن صالح: "الأمر الذي نريد أن نؤكد عليه هو أن رئيس الجمهورية بخير، وهو يمارس صلاحياته الدستورية بشكل عادي"، كما قال.