قضايا وآراء

حتى يستحق الذكر "حظ الأنثيين" يجب أن يكون ذكراً

1300x600
كلمات معدودة وردت في كلمة ألقاها الرئيس التونسي أمام جمع من النساء، أثارت الكثير من الغبار. الباجي قايد السبسي طالب بالمساواة في التوريث بين النساء والرجال، ودعا لإباحة زواج المسلمة من غير المسلم. قضيتان اثنتان أثارهما السبسي، لكن الجدل كله تمحور حول القضية الأولى وهي المساواة في التوريث بين الجنسين.

لست فقيهاً ولا عالماً كي أعطي وجهة نظر شرعية في الأمر، كما لايمكنني الجزم فيما إذا كان توزيع الميراث هو أصل من أصول الدين وغير قابل للاجتهاد، لكنني أود مقاربة القضية من زاوية اجتماعية دون الاقتراب من المحظورات الشرعية.

الذريعة الأبرز التي يقدمها مؤيدو المساواة في الميراث بين الذكر والأنثى، هي أن الدنيا تغيّرت، والتفرقة بين الذكر والأنثى لم تعد تتماشى مع الحياة ومتطلباتها. فالمساواة بين الجنسين أمر واقع في شتى مناحي الحياة، والأعباء والمسؤولية لم تعد كما في السابق على عاتق الرجل وحده.

فالمرأة شمّرت عن ساعديْها، ونزلت إلى سوق العمل، وزاحمت الرجل في أعماله، وكانت نتيجة هذا التشمير أنها باتت تتحمل كالرجل جزءاً من الأعباء، وفي حالات لم تعد نادرة، المرأة هي التي تنفق على عائلتها والرجل في المنزل يبحث في المجلات الإعلانية عن فرصة عمل يقدم لها سيرته الذاتية.

وبالتالي –حسب مؤيدي المساواة- ليس من المنطق أن يتساوى الذكر والأنثى في كل شيء ثم تصطدم الأنثى بتوزيع الميراث لتكتشف أن حصتها تمثل نصف حصة الذكر الذي يساويها في القرابة. فطالما أنهما في الأعباء متساويان، فإن حصتهما من الميراث يجب أن تكون متساوية كذلك، وإلا يكون منح الذكر مثل حظ الأنثيين غبن بالأنثى يجب رفعه. 

هنا نعود إلى أصل الحكاية ونتساءل: من الذي طلب من المرأة أن تشمّر عن ساعديْها وأن تنزل إلى سوق العمل وتقف إلى جانب الرجل في المطعم والمحل والمتجر والسوق، ألم تصل المرأة إلى ذلك نتيجة مطالبات ومناشدات وتوسلات بالسماح لها بالعمل خارج المنزل؟ ألم تكن الذريعة في البداية أن عمل المرأة عنصر مهم في طريق تحقيق ذاتها؟ ثم بعدما ضاقت الظروف الاقتصادية باتت الذريعة أكثر إقناعاً، وهي أن عمل المرأة لا يحقق مصلحة المرأة بل الهدف منه إعانة الرجل في تحمّل أعباء المنزل؟

بدأت الحكاية تطوّعاً ونزولاً عند رغبة المرأة، ولم نسمع يوماً أن رجلاً أرغم زوجته أو ابنته بالنزول إلى العمل، أو أنه فرض عليها المساهمة معه في مصروف المنزل، فكل ذلك كان يتم ذوقاً وأدباً من المرأة، وحسناً فعلت.

المستغرب أن أحداً لم يعد يجرؤ على رفع الصوت والقول بأن الأصل هو أن تلزم المرأة منزلها وتهتم بشؤون عائلتها، وترعى أبناءها. فمن يقول كلاماً كهذا هو "دقة قديمة" ولا يعيش الزمن الحالي.

لا أحد يجرؤ على القول إن أحد أسباب البطالة المنتشرة بين الرجال وعجزهم عن تحمل مسؤوليات عوائلهم هي مزاحمة النساء لهم في أعمالهم. لا أحد يجرؤ على القول بأن عمل المرأة خارج منزلها سبب أساسي من أسباب الخيانات الزوجية والتفكك العائلي. فهي تقضي مع مديرها وقتاً أطول مما تقضي مع زوجها وأبنائها، وهو يقضي يومه مع سكرتيرته "الغنّوجة" تلبي طلباته وتعد له الشاي والقهوة، الأمر الذي لم تعد زوجته تستطيع القيام به بعدما باتت تصل إلى منزلها متعبة مرهقة من الجهد الذي قدمته في العمل (!!).

للذكر مثل حظ الأنثيين آية قرآنية واجبة التطبيق. لكن التطبيق يجب أن يشمل الآية بكافة أطرافها. فالذكر الذي يستحق حظ الأنثيين هو "الرجل" الذي يقوم بدوره ومسؤولياته دون عون من أحد. والأنثى التي تستحق نصف حصة الرجل هي تلك التي تلتزم قول الله تعالى "وقرن في بيوتكنّ". أما ما عدا ذلك، فإننا سنسمع أصواتاً كثيرة تطالب بتطويع الأحكام الشرعية مع الأوضاع الشاذة التي اعتاد البعض عليها وبات يعتبر أصلاً لا استثناء على القاعدة.