كتاب عربي 21

المفتي السوري والفنانة المصرية: قراءة في الصورة

1300x600
أحمد حسون وإلهام شاهين، وبينهما القرآن الكريم؛ هذه صورة تصلح ملصقاً لتيتانك على اليابسة. الصورة تذكر بالنكاح وأضرابه وفنونه.. مع أن ثالثهما غائب في الصورة، ولا يظهر سوى بعد التحميض بأحماض الخيال.

لعل الأمر مقصود.

هكذا ظهر مفتي النظام، بلبل قلعة العلمانية، حسّونها، صاحب فتوى البراميل، مع النجمة إلهام شاهين، في صورة نشرتها شاهين على صفحتها متباهية بأجمل هدية، فطار ذكرها في الآفاق. هذه ليست أول صورة للمفتي مع قوارير النظام، وملكات الجمال، فقد ظهر مع عارضة أزياء روسية، لكنها كانت تضع وشاحاً على رأسها، إكراماً لدينه، أو هيبة لمنصبه، منصب "الموقع عن رب العالمين". المرأة العارية الجميلة وحش مفترس، ولابد من تكميم أنياب جمالها بوشاح، حتى لا تفترس الشيخ، فيضلّ أو يغوى. النظام يريد أن يعبر الشط على "مودك"، بعكازتين هما: الفن والدين.

وصفتْ القرآن الذي أهداه إليها، وكأنه ملكه الشخصي، "بأجمل هدية"، ولو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ...!

شيوخ السلاطين الآخرين يناوبون الظهور بين الغيد الكواعب، وبين المساجد والمحاريب، فالأنظمة تحب اندماجهم في الدنيا، والنساء تسهل الاندماج، فهي جسور ممتازة، لكن المفتي السوري مختص بالدعوة السياسية، فلا أجد له فيما يبث من مشاهد، وعظاً، غير التحريض على القتل، فليس في التلفزيونات السورية برامج دينية. كان النظام بعد الثورة قد خصص قناة هي "نور الشام" فَصلَ فيها بين بوط الدولة وعمامة الوعظ، وهو لا يظهر عليها إلا لماماً، ونور الشام مقطوعة عنه الكهرباء.

ومن المشاهد المشهودة له، وقد سبق فيها آل باشينو في التمثيل، خاصة دوره في فلم "محامي الشيطان"، وهو فيلم هوليودي، مشحون برسالة عالية من الأخلاق، التي تقل وتندر في الأفلام الأمريكية، وما ذلك إلا لاقتباسه الفكرة من الكتاب المقدس، مشهده في كنيسة سورية في يوم الميلاد، رافعاً يديه، مثل "باتمان" أبيض الإزار، ويدعو على أنغام الموسيقى الإنشادية، إلى عبادة الله الواحد، والواحد غير الأحد، الذي لم يلد ولم يولد، "العقيد" أحمد حسون مناضل كبير في سبيل الرئيس لا في سبيل الله، فالدعوة للتوحيد بين الأديان، وتذويبها في بعضها كما فعل ابن عربي، هي دعوة لتوحيد الملك.  

رأينا صورة "الحسناء والوحش" في أنستغرام شاهين، ثم شاعت، وسيعترض كثيرون قائلين: إن الشيخ حسنٌ أيضاً، أبلج الوجه، وليس وحشاً، وهو ضاحك غالباً، وكأنه يقدم دعاية دائمة لمنتوج تجاري هو الدكتاتورية ذات الأنياب، النظام سلعة إجبارية. هو وحش حقيقي بدلائل وشواهد كثيرة، أحدها: فتوى البراميل، وثانيها: فتوى الانتحاريين في أوروبا.

كان المفتي حسون قد توعد الغرب بعمليات انتحارية، وحرّض ناشطون الغربَ عليه، لكن الغرب سكت عنه، فعين الرضا عن كل عيب كليلة، بل واستقبله بالأحضان، فهو من هو، ولن يجد الغرب أحسن منه تغريداً وإفتاء بين رجال الإفتاء في العالم العربي.

وكان دعا في الأمم المتحدة إلى التعايش بعد أن احتسب إسرائيل من بلاد الشام! وهو واحد من فئة من رجال الإفتاء تدعو إلى القتل والإبادة، وكان قد عقد نكاح جورج وسوف، سلطان الطرب على مسلمة، قبل أن يدعو السبسي إلى ما يدعو إليه، فالنظام السوري أذكى من السبسي، وما مكر السبسي إلا في تباب.

الرجل في الصورة الملصق، يرتدي عباءة إسلامية، وعليه عمامة، والعمامات تيجان العرب. الصورة الاستشراقية في أفلام هوليود، عن العربي الخائن، والعربي الشبق، سنراها حية تسعى، أما الحسناء، فترتدي زياً يظهر فتنة “الساعة الرملية" بفصاحة، ويكشف صدرها، وجيدها المطوق باللآلئ.. 

ويمكن تذكر جهاد إلهام شاهين في سبيل الفن، مثل تقواها في فلم “الهلفوت"، ولكن ورعها في فلم “جنون الحياة“ يبين ذروة جهادها في سبيل الفن، لقد قدمت خدمات لا تنسى إلى فناني مصر، وكانت قد اكتشفت في قصة الفلم أن زوجها يخونها، فخانته مع سائقها، والمشهد مؤثر، تمثيل لكنه حقيقي، له فعل حبة فياغرا، وفي الفيلم لقطات يسميها النقاد بالساخنة، وهي تسمية حداثية للمشاهد الفاجرة والإباحية. 

وفي الصورة يسلم "الموقّع عن رب العالمين" المصحف مذهّباً، إلى إلهام شاهين على عفافها وحيائها، في "جنون الحياة"، والحياء شعبة من الإيمان، فهؤلاء يهتمون بالذهب، لا بالمحتوى، لكن إلهام لن تفتح الهدية، هي للزينة، وإذا فتحتها وقرأتها، فلن تعمل بها: تصور أن تتلو علينا شاهين هذه الآية: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى? جُيُوبِهِنَّ.

يمكن أن نتذكر أيضاً، فيلم: "أكان لابد أن تضيئي النور يا لي لي"، المأخوذ عن قصة ليوسف إدريس، وفيه حكاية إمام يترك المصلين خلفه ساجدين، ويمضي إلى الراقصة لي لي، تتوازى القصة مع قصة أخرى عن تاجر مخدرات يريد التوبة.

هاجم بعض الجمهور الفنانة المصرية، وعاتبوها عتاباً رقيقاً، فهم يرون أنه كان من الواجب عليها أن تحرص على الظهور أكثر احتشاماً أثناء استلامها أجمل هدية.

في خلفية الصورة العلم السوري، وهو إلى يسار الفنانة الضيفة، التي جاءت تشع بنور نجوميتها على النظام، وتمنحه جرعة من الشرعية الفنية، ووراء الشيخ آيات قرآنية بخط الثلث المهيب "يا حي يا قيوم"، وسورة الإخلاص، وبعض المشغولات الشامية الفسيفسائية، ومن المصادفات تشابه نقوش الآيات مع نقوش الثوب، ثوب إلهام ثوب مؤمن تام الإيمان، إلا من فتحة الصدر الواسعة.

واكبتْ الصورة في اليوم نفسه أو بعد قليل، صورة أخرى تعضدها، هي صورة نجاح العطار مع فنان الكوميديا محمد صبحي، وقد كبرت ووهن عظمها، لكنها لاتزال وفية "للعلمانية" السورية في الزي، وهي أيضا لعبة بيد النظام للاستهزاء بالدين، وقد آن لها أن تستريح، فالنساء في الشام مسيحيات وعلويات، عندما يصبحن قواعد، يلبسن طرحة تخفي شيبتهن، وتخلع عليهن الوقار، لكن النظام يريد التمثيل بالمسلمين. وكانت الأنثى الأمريكية إيفانكا قد حلت ضيفة في القصر الملكي السعودي، فرأينا أول مرة صورة أنثى شابة بين حشد من الأمراء والملوك، فبدا القصر وكأنه خلية نحل فيه ملكة وحيدة.

الصورة تجمع متناقضات ومتضادات وثنائيات: أنثى مع ذكر، حداثة وقدامة، قداسة ودنس، القداسة هي القرآن، والدنس معروف، الصورة تريد تبخيس القرآن الكريم حقه، القرآن هو هدف كل هذه الحروب. 

وكان شقيق الرئيس السوري الراحل قد وضع صورته على القرآن! ووضع الابن اسمه على كعب القرآن في النسخة المعيارية، مثله مثل مصحف حفصة.

حسون وإلهام ممثلان، حسون يمثل الإسلام السوري، وإلهام ممثلة في السينما، الفن صار ديناً، والدين فناً. شاهين وصفت نفسها مرةً بالداعية، وقد أفتت غير مرة.

الرسالة المقصودة من الصورة هي: السياسة مقدسة، والدين لعبة، هي تقول: بداعش، أو بالمفتي، أو بالفنانة.. سنلعب بدينكم ودين الذين خلفوكم.