قضايا وآراء

رابعة.. لماذا يقف الغرب متفرجا؟

1300x600
في مقال سابق كنت قد طرحت سؤالا حول مدى إمكانية دعم المنظومة العالمية لتحول ديمقراطي، والانتصار لحقوق الإنسان في الحالة المصرية. وللإجابة على هذا السؤال، فإن هناك سؤالا آخر مرتبطا به ، يساهم في بيان الإجابة، وهو: لماذا وقف الغرب ولا زال متفرجا؟ ألم يكن في وسع القوى الكبرى وخاصة أمريكا التي تملك مفاتيح نظم المنطقة أن توقف سفك الدماء التى سالت حينها فى رابعة والنهضة وما حدث بعدهما، ولا سيما أن كل شيء كان على الهواء مباشرة بالصوت والصورة؟!

في هذا المقال أجدني معنيا بالنظر في هذا السؤال وسابقه، وتقديم الإجابة في إطار معطيات التاريخ والواقع والمصالح، والقيم الإنسانية المجردة، من أجل وضع اليد على الحقيقة ووضوح الرؤية لجميع الأطراف، خاصة بين فريقين أحدهما يرى أن الغرب لن ينتصر متجردا للشرعية وحقوق الإنسان في الحالة المصرية أو غيرها، وآخر يُعول على الغرب وهيئاته ومنظماته الحقوقية ومحاكمه الجنائية، عبر نافذة الحريات وحقوق الإنسان، ويتوسع في ذلك أملا في تحقيق نصر لملف الديمقراطية وحقوق الإنسان.

حقيقة موقف القوى الكبرى من الأحداث في مصر

منذ اللحظات الأولى للانقلاب على الرئيس المنتخب (دكتور محمد مرسى)، كان الموقف الأمريكي والأوروبي واضحا، ويمثل استكمالا لذات المسار قبل الثالث من تموز/ يوليو، والذي لم يكن مع الربيع العربي، ولم يتعامل مع المنطقة بأسلوب جديد بعيدا عن الأسلوب القديم الذي يعتمد على الانقلابات العسكرية، ولكنهم دعموا انقلابا خشنا وعنيفا، وامتنعت أمريكا وأوروبا عن وصف ما جرى في مصر بأنه انقلاب عسكري.

ومع تصاعد انتهاكات السلطة وكبت الحريات والزج بالآلاف في المعتقلات، ظل الموقف ثابتا. ولم يخل الأمر من تصريحات ديبلوماسية وتكتيكية ناعمة لمخاطبة الداخل الأمريكي والأوروبي، وامتصاص غضب الداخل المصري، ليبدو الموقف الغربي أقرب إلى الترحيب بالانقلاب واعترافا به؛ واعتبار عودة ما قبل الثالث من تموز/ يوليو 2013 أمرا مستحيلا.

انحياز واضح في المواقف

مما لا شك فيه أن المواقف الأمريكية والأوروبية تجاه مصر والمنطقة تنحاز دائما مع مصالحها، ومحكومة بهواجس ومصالح الكيان الإسرائيلي المحتل؛ والذي يرى في وجود حكومة منتخبة ورئيس منتخب بمرجعية وطنية وإسلامية؛ تهديدا مباشرا لوجوده، حتى وإن أكدوا على احترام معاهدة السلام واتفاقية كامب ديفيد. فالعملية الديمقراطية إن أتت بمن يعمل خالصا للمصالح الوطنية المصرية؛ فإن ذلك سيتصادم مع مصالح الكيان الاسرائيلي المحتل والهيمنة الغربية في المنطقة.

لقد شهدت السنوات السابقة وخاصة الفترة بعد تولي السيسي تأكيدا لدور الكيان الإسرائيلي المحتل، والدور الغربي الفاعل في الانقضاض على تجربة 25 يناير والانقلاب على الرئيس المنتخب والعمل بقوة على دعم مرحلة ما بعد الثالث من تموز/ يوليو، وقام الكيان الإسرائيلي المحتل بحض القوى الدولية على دعم رأس السلطة المصرية عبد الفتاح السيسي، رغم الحالة الاستبدادية وانتهاكات حقوق الإنسان الصارخة التي انتجتها هذه المرحلة.

ماذا يريد الغرب وأمريكا من مصر؟

هناك محدد هام ولا بد أن يكون واضحا ومعلوما لدى الجميع، ويتثمل في سؤال هام للغاية، وهو: ماذا يريد الغرب وأمريكا من مصر تحديدا؟ فالإجابة على هذا السؤال هي أحد المحددات الهامة للأهداف الاستراتيجية الوطنية، وتمثل تأطيرا لقواعد التعامل مع الغرب وأمريكا بما يحقق الاستقلالية الوطنية. إذ لا يستقيم ألا يكون هناك وعي واضح بذلك.

إن الهدف الذي يسعى إليه الغرب وأمريكا والحليف الإسرائيلي هو السيطرة على مصر وإبقاؤها قيد الهيمنة والتبعية، والحفاظ على ذلك بعيدا عن أي تغيير.

يقول الدكتور حامد ربيع رحمه الله: "والواقع أن هذا ينطلق من مقدمات معينه تدور حول أسلوب التعامل مع دول العالم الثالث، فأي حركة في تلك الدول ترمي إلى تغيير الوضع القائم يجب أن تواجه بالعنف. وإنها نوع من الإرهاب الدولي، يقول هيج عندما كان مسؤولا عن وزارة الخارجية بهذا الخصوص: إن مفهوم مقاومة الإرهاب الدولي - وهو الاصطلاح الذى استخدم للتعبير فى العالم الثالث - يجب أن يحل فى اهتمامنا موضع مفهوم الدفاع عن حقوق الإنسان، وكذلك فإن مواجهة هذا الإرهاب الدولي يجب أن تتم من خلال استخدام القوة العسكرية، ومن العبث الحديث عن الإصلاح أو التقدم أو التجديد، فالذي يعني القيادات الأمريكية هو القدرة على الاستئصال الجسدي والعنصري للقوى الثورية والقيادات الرافضة".

فهناك قناعة لدى هذه القوى مجتمعة أن مصر لو استطاعت أن تهيئ لنفسها قيادة حقيقية، فهي مؤهلة لأن تجمع تحت رايتها الدول العربية بما يعني ذوبان إسرائيل، ووضع حد للنهب الاقتصادي الذي تمارسه القوى الغربية وأمريكا.

لذلك ترى القوي الكبرى وأمريكا أن الضمانة الوحيدة لمنع مصر من استعادة مكانتها ومحوريتها يستوجب الأخذ بوسائل السيطرة الكاملة وتأكيد التبعية، والهيمنة بما فيها الهيمنة المعنوية على الشعب المصري وشعوب المنطقة العربية.

لعل ذلك يقدم إجابة عن السؤال حول الموقف الذي لا زالت القوى الكبرى تتخذه تجاه ما حدث في رابعة وما بعدها. ولكن ما زال للحديث بقية في مقال قادم بإذن الله تعالى.