قضايا وآراء

حصار قطر.. وديبلوماسية التعقل

1300x600
جاء حصار الدول الأربع بقيادة أكبر دولة خليجية، وهي الممكلة العربية السعودية، لقطر ليكون كاشفا لعدة أمور، أولها هذا العداء غير المبرر لدولة عربية وإسلامية تجتهد لتقدم تجربة ناجحة، سواء في الجانب الاقتصادي أو السياسي، خاصة السياسة الخارجية، وكذلك النموذج الإعلامي الذي يمثل النجاح الأبرز لدولة قطر عبر شبكة الجزيرة بقنواتها المختلفة التي قدمت نموذجا إعلاميا غير تقليدي وملهما للإعلام العربي، ويمثل القوة الناعمة بكل معانيها. وبدلا من أن يسود شعور بالغبطة من جانب هذه الدول ومحاولة الاجتهاد والدخول في منافسة شريفة تخدم قضايا الأمة وشعوبها، لكن هذه الدول اختارت الطريق الأسهل دائما، وهو طريق إنهاء إنجازات الآخر بدلا من منافسته، وهذا يعكس عجزا حقيقيا لهذه الدول وافتقادها لنموذج حقيقي يمكن ترجمته على الأرض، وبدا أن مبدأ التنافس تحول إلى مبدأ الحقد والهدم.

الأمر الثاني يتعلق بهذا النموذج الذي قدمته قطر في التعامل مع هذه الأزمة، ليضاف إلى سجل نماذجها الناجحة، حيث تعاملت بما يمكن أن نسميه "ديبلوماسية التعقل"، وهذا يعد في تقديري نموذجا يحتذى به ، حيث تعاملت قطر مع الأزمة بهدوء واتزان مميزين، خاصة أنه كان هناك - على ما يبدو - تصميم من جانب هذه الدول على استفزاز قطر، واتباع ما يمكن أن نسميه في المقابل "بدبلوماسية الصدمة والرعب"، حيث تم حصار تام وعلى كافة الأصعدة، بما فيها المنفذ البري الوحيد مع المملكة العربية السعودية، بحيث تؤدي الصدمة إلى انفلات من الجانب القطري، سواء انفلات إعلامي أو سياسي بما يدين قطر ويقيم عليها الحجة ولكن قطر تعاملت بمنطق الحرب، ولكن على أرضية ديبلوماسية، حيث هناك في الحروب استيعاب الضربة الأولى وامتصاصها، ثم استعادة القوة ثم الرد على العدو، وهو تقريبا ما حدث من جانب قطر، ولكن بعقلانية ديبلوماسية وسياسية. وكان شاغلها الشاغل هو تأمين الجانب الاقتصادي حتى لا يشعر المواطن بأي تأثير، وبالتالي ضمان استقرار الجبهة الداخلية، ثم الاتجاه ديبلوماسيا باستعمال بطاقات ضغط، من قبيل مسألة تسييس الحج والعمرة من جانب السعودية والكشف عن تسريبات لمسؤولين بهذه الدول، ثم تعميق العلاقات مع الدول الصديقة، والتمسك بالحوار كحل اساسي للأزمة وعدم الانجرار لأي انفلات، وهو ما جعل دولا خليجية، مثل الكويت وعمان، تثمن هذا الهدوء القطري، وتستمر في جهود الوساطة، أو لا تنضم لهذه الدول المحاصرة لقطر على الأقل، وهذا يعد نجاحا مبكرا ومهمّا لقطر في بداية الأزمة.

الأمر الثالث يتمثل في ما يمكن أن نسميه مرحلة جني ثمار "ديبلوماسة العقلانية"، حيث جعلت هذه الديبلوماسية دولا ومؤسسات كبرى تتحرك بشكل إيجابي، وتضغط باتجاه حل الأزمة بالحوار، وهو ما مثل دعما لقطر من ناحية، وضغطا وعبئا على الدول الأربع من ناحية أخرى، وهو ما تجلى بوضوح في اجتماع القاهرة، والارتباك الذى كان واضحا على وزراء خارجية هذه الدول، وهو ما فسره بعض المراقبين بأنه كان نتيجة لمكالمة هاتفية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ ضغطت باتجاه الحوار وليس التصعيد، وهو ما قلب الأمور بالنسبة لها رأسا على عقب، وما تلاه في اجتماع المنامة والتراجع، بل والتنازل عن مطالبها، أو عدد كبير منها، والإقرار بإمكانية الحوار لحل الأزمة، ثم استمرار الوساطة الكويتية مؤخرا ودخول دول كبرى، وعلى رأسها أمريكا، على خط والتشديد بضرورة الجلوس على طاولة الحوار وحل كافة المشاكل في هذا السياق.

في النهاية، يمكن القول إن حصاد هذه الأزمة يؤكد على استمرار نجاح السياسة الخارجية القطرية، حيث إنجازاتها المتميزة في حل العديد من الملفات المعقدة في أكثر من أزمة بالمنطقة، وتدشين مدرسة للسياسة الخارجية استطاعت أن تعبر أخطر ازمة تواجه الدولة والشعب معا، وفرضت رؤيتها العاقلة على الأزمة وليس العكس، كما كان يريد المعسكر الآخر. ويبدو أن الأزمة في طريقها للحل عبر الحوار. وأعتقد أن قطر ستخرج رابحة في كل الحالات حال حل الأزمة عبر الحوار؛ لأنها ساعتها ستكون فرضت هي رؤيتها وليس العكس.