قضايا وآراء

ما بعد الانكسار الإسرائيلي في الأقصى!

1300x600
لا يحتاج تفسير تراجع حكومة نتنياهو عن نصب البوابات الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى إلى تفكير عميق لمعرفة سر هذا التراجع عن الإجراءات التي اتخذت بعد عملية فدائية استشهد فيها ثلاثة شبان فلسطينيين وأدت مقتل شرطيين إسرائيليين.

ففي 25/7/2017 وبخطوة مفاجئة، وخلال ساعات بدأت الشاحنات الإسرائيلية تفكيك البوابات الإلكترونية والكاميرات التي تم نصبها عند بوابات الحرم القدسي في 16/7/2016 حيث سمح للفلسطينيين مجددا بالدخول للأقصى دون أي عوائق.

وكان واضحا أن إزالة الاحتلال هذه البوابات، وفتحه لبوابات الأقصى سببه أمني بالدرجة الأولى في ضوء تصاعد الغضب الفلسطيني والحشد الجماهيري على البوابات من كافة مناطق القدس وتفاعل فلسطينيي الضفة والـ 48 مع دعوات الحشد لحماية الأقصى.

فقد تصاعدت خلال فترة إغلاق المسجد ونصب البوابات الحشود الجماهيرية أمام بوابات الأقصى في ظل دعوات فصائلية وشعبية للاحتشاد عندها ورفض رجال الوقف الإسلامي الدخول من البوابات تجاوبا مع الموقف الشعبي.

رعب إسرائيلي

وأكد هذا الاستنتاج ما كشفت عنه وسائل الإعلام العبرية عن اجتماع عاصف للمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر قبل ساعات من إزالة البوابات، والتي حذر فيها ضباط كبار في جهاز الأمن العام (الشاباك) والجيش الإسرائيلي من أن إبقاء هذه الإجراءات الأمنية في الحرم القدسي كفيل بانفجار انتفاضة جديدة تشمل كل القوى الفلسطينية بما فيها حركة فتح التي تلتزم قيادتها باتفاقيات سلام مع إسرائيل، فضلا عن إثارة العالم الإسلامي واحتمال تشكيل ائتلاف إسلامي واسع بمشاركة تركيا وإيران في مواجهة إسرائيل واحتمال الانجرار إلى حرب مع حزب الله في الشمال.

واختارت حكومة العدو تجنب هذه السيناريوهات المرعبة، ذلك أنها تدرك أن إهمال توصية أجهزة أمنها قد يوقعها في ورطات كبيرة كما حصل في محطات سابقة دفعت فيها إسرائيل أثمانا باهظة.

والملفت أن إسرائيل عندما قررت تصعيد الإجراءات الإسرائيلية في الأقصى، لم تأبه بمواقف بعض الدول العربية التي سعت للتطبيع معها بالسر والعلن، وأن الذي ردعها هو ردة فعل الشارع الفلسطيني لا غيره. 

شبح الانتفاضات العربية!

 وما لم تقله الأجهزة الأمنية، أفصحت عنه الحالة السياسية في الوطن العربي، إذ إن الأنظمة العربية لم تكن أقل خوفا من إسرائيل في حالة عودة الانتفاضات العربية من جديد بتأثير من انتفاضة أهل القدس إن طالت المواجهة الفلسطينية مع إسرائيل.
 
فقد أنفقت بعض الأنظمة أموالا طائلة للإطاحة بالحكم الإسلامي في مصر إبان ثورة يناير، كما سعت للإطاحة بثورة تونس ولكنها لم تنجح، فيما نجحت في سوريا وليبيا واليمن عبر مؤامرات كبيرة خلطت الأوراق في هذه الدول.

وفي ظل أزمة الخليج التي لا تزال مستمرة، فقد ازداد التخوف من انتقال الثورات إلى بعض الدول مثل السعودية والإمارات خصوصا مع انكشاف دور هذه الأخيرة في التآمر على الثورات العربية، وتوريطها للسعودية في حصار قطر بدون أي وجه حق.

وعلى هذا الأساس، سارعت بعض الأنظمة العربية إلى الحديث عن اتصالاتها الدولية لفتح بوابات الأقصى ونجاحها في هذا المسعى، في محاولة لتغطية عجزها في هذا الموضوع والأهم توصيل رسالة لشعوبها أن التحرك السياسي هو الذي منع إسرائيل من التمادي في إجراءاتها في المسجد الأقصى وليس تحرك المقدسيين ونفرتهم لحماية الأقصى والتصدي للاحتلال الإسرائيلي!

وفي هذا السياق يقول تسيفي بارئيل الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية بصحيفة هآرتس إن توالي التصريحات الصادرة عن العواصم العربية -عن دورها بحل الأزمة " كان خشية اندلاع المظاهرات الكبيرة في تلك العواصم، بحيث تتطور بسرعة وتتحول لأعمال احتجاج ضد السياسة الداخلية والمشكلات الاقتصادية، ورغبة في تحقيق حرية التعبير".

ويضيف أن "تلك التصريحات تفسر أنه ليس فقط إسرائيل من خافت من اندلاع انتفاضة فلسطينية، بل الكثير من الزعماء العرب أيضا. وأوضح أن الأنظمة العربية ما زالت تذكر من ثورات الربيع العربي أن الانتفاضات معدية وخطيرة".

وشبه الأردن بأنه "برميل المتفجرات الأكثر حساسية في قضية الحرم القدسي". خصوصا وأن "الإخوان المسلمين يحظون في المملكة بمكانة قانونية، ولهم قوة حقيقية في الشارع وقدرة على تجنيد المتظاهرين، وتأجيج المشاعر عندما تتعلق الأمور بالأماكن المقدسة".

إنجاز شعبوي مخيف

ما سبق يوصلنا إلى عدد من الاستنتاجات، أهمها:
1- مني العدو بهزيمة سياسية أمنية على بوابات الأقصى، حينما رضخ لمخاوفه من تطور الهبة المقدسية إلى انتفاضة وثورات عربية تطيح بالأنظمة المتحالفة معه.

2- فشلت أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل في تكريس رؤيتها لإخضاع الشعب الفلسطيني على الأرض تمهيدا لإنهاء القضية وتصفيتها، وكان رئيس حزب إسرائيل بيتنا المتطرف ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان من أبرز المدافعين عن قرار إزالة البوابات وفتح الأقصى بلا قيود للمصلين!

3- هذه الهزيمة الإسرائيلية سيكون لها ما بعدها، إذ إنها ستعزز ثقة الفلسطينيين بأنفسهم وتقوي موقفهم في مواجهة الاحتلال وتحدي إجراءاته في القدس وغيرها، وربما تظهر بذور انتفاضة شعبية تحاكي انتفاضات 1987 و2000 وإن كانت قد تجنح إلى الشكل السلمي بدون استخدام السلاح. ولذلك فإن معركة الأقصى تشكل باكورة الانتصارات في المعركة الطويلة مع الاحتلال.

4- ضعف وعجز السلطة الفلسطينية في التصدي للاحتلال، الأمر الذي سيؤدي إلى فشلها وعدم تمكن أجهزتها الأمنية من قمع المعارضين وملاحقة المقاومين مستقبلا والاستمرار بالتنسيق الأمني معه.

5- أثبتت تطورات الأزمة أن المالك الحقيقي للمسجد الأقصى ليس الكيان الصهيوني ولا الأردن ولا حتى مؤسسة الأوقاف، بل هم الفلسطينيون عموما والمقدسيون خصوصا، وأنهم سيظلون الرقم الصعب في معادلة الصراع.

6- أضعفت الأزمة ما يسمى بصفقة القرن المزعومة التي جعلت من القضية الفلسطينية قضية هامشية مقابل التطبيع مع إسرائيل وفق رؤية نتنياهو لما يسمى السلام الإقليمي. حيث أعاد الفلسطينيون إثبات وجودهم على طاولة الوضع الإقليمي من خلال تكريس قضيتهم وحقوقهم غير القابلة للتصرف.

7- لن تكون المنطقة العربية بمنأى عما جرى في القدس، فحتى وإن كانت المشاركة الشعبية في التضامن مع القدس ضعيفة بسبب القبضة المنية للأنظمة العربية، فإن إشعاع الإنجاز الفلسطيني سيؤثر عاجلا أم آجلا على دور هذه الشعوب في استعادة كرامتها والنهوض من كبوتها بما ينبئ بثورات جديدة قادمة في المنطقة مع فشل الثورات المضادة في تكريس نفسها.