اقتصاد عربي

كيف تستفيد تونس من التجارب المؤلمة لتحرير سعر الصرف؟

أثار قرار البنك المركزي التونسي ردود أفعال مختلفة- أ ف ب
في الوقت الذي تقترب فيه الحكومة التونسية من البدء، خلال الأشهر المقبلة، في تطبيق سياسة تحرير سوق الصرف وتعويم الدينار التونسي، تتباين الآراء ما بين مؤيد للقرار، ومعارض بشدة.

المؤيدون للقرار يرون أن تعويم الدينار قد يكون حلا لمشاكل وأزمات كثيرة متوقعة في ظل استمرار تراجع قيمة الدينار، وفي المقابل تبدو التخوفات منطقية حال النظر إلى تجارب الدول التي طبقت سياسة التعويم وتحرير سوق الصرف والتي مازالت تواجه مزيداً من الأزمات رغم مرور سنوات على تطبيق سياسية التعويم.

لمياء الزريبي، وزيرة المالية التونسية، قالت في تصريحات اليوم الخميس، إن البنك المركزي سيقلص تدخلاته لخفض الدينار تدريجيا ولكنه لن يسمح بانزلاق كبير للعملة المحلية مثلما حدث في مصر عندما جرى تعويم الجنيه.

وأكّدت أن خفض الدينار سيكون تدريجيا وأنه يأتي ضمن نقاشات جرت مع صندوق النقد الدولي.

وكشفت الوزيرة التونسية أن الانزلاق الكبير والمفاجئ للدينار سيكون له تداعيات أبرزها التضخم مثلما حدث في مصر حيث وصل التضخم إلى مستويات في خانة العشرات، مُشيرة إلى أن هذا الموضوع يعود للبنك المركزي الذي يرسم السياسات النقدية للبلاد، وفق تعبيرها.

وذكرت أن الخبراء يعتبرون أن القيمة الحقيقية للعملة التونسية مقارنة باليورو هي ثلاثة دينارات؛ في حين يبلغ سعر اليورو حاليا 2.5 دينار تونسي.

اتحاد الصناعة يحذّر

وعبّر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية عن استيائه من "التراجع الكبير الذي يلاحق الدينار التونسي بسوق العملات خلال الأيام الماضية، بشكل أصبح يمثل خطرا حقيقيا على الاقتصاد التونسي وعلى المؤسسة الاقتصادية".

وأشار الاتحاد، في بيان صدر مؤخرا، إلى أن هذا التّراجع ستكون له تداعيات سلبية جدا على الاستثمار والقدرة التنافسية للمؤسسات والتضخم وعجز الميزان التجاري وارتفاع نسبة المديونية وخدمة الدين وعلى التوازنات المالية الكبرى للبلاد وعلى صندوق الدعم باعتبار أن أغلب المواد الأساسية المدعومة موردة من الخارج.

ودعا الاتحاد الحكومة والبنك المركزي إلى الإسراع بتوضيح الأسباب التي أدت إلى استمرار تراجع قيمة العملة، مع ضرورة الإعلان عن الخطة التي سوف تعمل عليها الحكومة التونسية لوقف نزيف الدينار الذي من المتوقع أن يتسبب في مزيد من الأزمات التي تواجه المواطن البسيط في تونس.

رؤية اقتصادية

وأكّدت مُنظّمة الأعراف، في بيان تلقت "عربي21" نسخة منه، أن عامل الاستقرار بصفة عامة واستقرار سياسة الصرف بشكل خاص من العناصر الأساسية التي لها تأثير كبير على تنافسية المؤسسات وعلى تحقيق التنمية.

وأشارت المنظمة إلى أن السياسة النقدية للبلاد بما في ذلك مراجعة قيمة العملة الوطنية يجب أن تقوم على التشاور مع الأطراف المعنية وعلى أساس رؤية اقتصادية وتوجهات واضحة، وأن تكون مرفقة بإجراءات تضمن تفادي الارتباك والاضطراب على الساحة الاقتصادية والمالية.

حلول نمطية

وقال الخبير الاقتصادي والقيادي بحزب حراك تونس الإرادة المُعارض، الصادق جبنون، إن الحكومة بصدد تطبيق حلول نمطية على مقاس وصفات صندوق النّقد الدّولي والتي كشفت التّجارب السابقة سواء، في اليونان أو البرازيل والأرجنتين، أنها تحولت بمرور الوقت إلى أزمات أخرى بخلاف تراجع قيمة العملة.

واعتبر "جبنون" في حديثه لـ"عربي21"، أن تونس دخلت في المنحى اليوناني، وأن هذا التوجّه الأحادي المُتعلّق بالسياسة النّقدية للبلاد لا يُمكن أن يُؤدّي إلا لمزيد من عجز الميزان التّجاري وإضعاف القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع معدلات التّضخّم وهو ما من شأنه أن يُهدّد السلم الاجتماعي والنسيج الاقتصادي للبلاد.

وتابع: "العملة هي مرآة الاقتصاد، وسبق أن نبّهنا الحكومة خلال نقاش مشروع ميزانية الدّولة لسنة 2017 بضرورة أن تطرح ميزانية مليئة بالتناقضات، ونحن اليوم إزاء أزمة اقتصادية هيكلية حقيقية دون رؤية حقيقية للحل من طرف الحكومة".

وأكّد "جبنون" ضرورة تشجيع قطاعي الفلاحة والصّناعة وعدم الاكتفاء بالقطاع الخدمي الهش، بالإضافة إلى أهمية صياغة سياسة تجارية تقلص عمليات الاستيراد وتضبط استهلاك الكماليات.

وأضاف: "نحن نُعارض تعويم الدّينار، وسنعمل وفق الوسائل القانونية المُتاحة وخاصة عبر كتلتنا البرلمانية للضغط من أجل إثناء الحكومة عن التحول لتحرير سوق الصرف وتعويم الدينار".

ارتفاع التضخم

ويُحذّر خبراء من استمرار تدهور القوة الشرائية للدينار للتونسي التي وصلت لحدودها الدّنيا، حيث كشف المعهد الوطني للإحصاء تراجعها بنسبة 42 %، وهو ما انعكس على الطبقة المتوسّطة التي تراجعت خلال السنوات الأخيرة من 80 % إلى 64 % من مجمل التونسيين.

وتُشير إحصائيات معهد الاستهلاك إلى فارق الأسعار خلال 10 سنوات بين عام 2005 و2015، إلى ارتفاع أسعار اللحوم بما يقرب من 84% والأسماك الطازجة بنحو 68% والغلال بنسبة 95% والخضر بنسبة 8%.

ومن المتوقع أن تواصل الأسعار ارتفاعها انعكاسا لتراجع قيمة الدّينار مُقابل اليورو خلال الأشهر المقبلة.