كتاب عربي 21

اعتذار لنساء العرب والعجم

جعفر عباس
1300x600
1300x600
تمسكنت المرأة حتى تمكَّنت، فبالعويل المتصل عن الظلم الذي ظل وما زال يلحق بها، صارت عندها قضية مصيرية، تشابه القضية الفلسطينية، في كونها تتيح حتى لمن لا يهب ويدب، أن يفتي حولها ويخرج بكوكتيل من النظريات، ثم يتواصل اللت والعجن ولكن لا طحين.  

كان الثامن من مارس/ آذار الماضي هو اليوم العالمي للمرأة، ولكن بمعنى ماذا؟ بصراحة: لا أعرف. نعم، لا أعرف ما هو المطلوب مني كأحد سكان "العالم" في ذلك اليوم، بل لا أعرف ما هو المطلوب من النساء فيه، ثم جاء اليوم الحادي والعشرين من نفس الشهر فقالوا لنا إنه عيد الأم. كيف هو عيد الأم؟ هل هو عيد الأمهات من طرف أم أمهات معلومات؟

في تقديري فإن الأمر لا يخلو من استهبال واستعباط للرجال، فعيد الأم الذي يطب علينا فجأة بلا تحر للرؤية، مناسبة تقتنص فيها النساء الهدايا، ولي صديق كاد يفوز بلقب "خليع" عندما طالبته زوجته بتقديم هدية لها بمناسبة عيد الأم، فقال لها إن أمه توفيت وإنها ليست أمه، وشرح لها أن عبارة "أنت علي كظهر أمي" مرتبة من الفراق بين الزوجين، فصاحت فيه: يا تجيب الهدية يا أطلقك يا بخيل يا متخلف. ولنفي شبهة البخل والتخلف، وحرصا على الرابطة الزوجية اشترى لها زوجين من الأحذية الإيطالية فنال لقب "متحضر وراقي" وأفلت من "الخلاعة". 

تحضرني هنا حكاية الرجل الذي تعنتر وتجبّر، ورفض أن يشتري لزوجته في عيد الأم حتى فطيرة جبن، وحدث بينهما تلاسن شديد اللهجة، انتهى بأن رمى عليها يمين الطلاق، فكان الفراق، وبعدها بشهور قليلة، توفي والد الزوجة وورثت عنه أموالا سائلة وعقارات فخمة، فاتصل صاحبنا بزوجته وقال بصوت يحنن قلب بشار الأسد: أنا حامل. 

وكي لا تجعلنا تلك الحكاية موقع شماتة النساء، أروي لكم واقعة نقلا عن جريدة ذا تايمز اللندنية، عن بريطانية من أصل هندي اسمها أنيتا باتيل، رفعت قضية ضد مستشفى خضع فيه زوجها لعملية جراحية، وقالت في شكواها إن الزوج صار ينفر منها بعد إجراء الجراحة، وقدم المستشفى مستند "الدفاع"، وجاء فيه إن الزوج خضع لجراحة لإزالة المياه البيضاء من العين، وصار أفضل قدرة على الابصار.

المهم أنني أعتذر لعموم النساء لأنني لا أحتفل بيوم المرأة المحلي أو الإقليمي أو الدولي، ولا شأن لي بعيد الأم، وانتقلت أمي إلى جوار ربها قبل ست سنوات دون أن تسمع بذلك العيد، بل لم أسمع بفالنتاين (يسميه العرب عيد الحب بينما الغربيون يسمونه "يوم فالنتاين Valentine’s Day")، وربما لم يكن فالنتاين هذا قد وُلد على عهدي بمرحلة الشباب، وربما كان موجودا ولم يأخذ أبناء وبنات جيلي علما بوجوده ونحن في تلك المرحلة، بل لا أظن أنه كانت توجد ورود حمراء في ذلك الزمان. 

سأكف عن الهذر، وأقول إن مقياس رقي وتحضر الرجل هو الطريقة التي يعامل بها أخواته وزوجته وبناته، وأعتقد أن إنصاف المرأة يجب أن يبدأ من البيت، فبناتنا يعانين من التمييز إذا كان لهن إخوة ذكور، فنحن لا نرى بأساً في أن يفعل الولد ما يشاء، مرتكباً الأخطاء، بمنطق "معليش، ولد، يكبر ويتصلح"، وبالمقابل فإننا نعتبر المرأة حاملة لكل أنواع الباكتيريا والجراثيم المسببة للأمراض الاجتماعية، ونرى أن معظم حركاتها وسكناتها موضع ريبة، وإذا كان الزمن كفيلا بعلاج عيوب الذكر، فإن الأنثى لا ينصلح حالها وتظل معيبة إلى اللحد، ولا تتعلم من أخطائها. 

  والواقع والأرقام تكذبنا: لن تجد أكثر من امرأة واحدة جانحة بين كل خمسة آلاف جانح، ولن تجد أكثر من عشر نساء من بين مليون شخص يتعاطون المخدرات، وفي مجال العمل هناك امرأة واحدة من بين كل 15 ألف موظف تقبل الارتشاء أو تمارس الاختلاس، والمرأة أكثر قدرة من الرجل على الوفاء وحفظ الود والجميل، وكافة الدراسات التي أجريت في الشرق والغرب، أثبتت أن عدد الرجال "الخونة" ثلاثة أضعاف النساء الخائنات، والمرأة تعرف العيب و"الواجب" أكثر من الرجل لأنها تتمتع بحساسية اجتماعية راقية. 

ونعرف أنا وأنت أن زوجاتنا من يؤنبننا لأننا لم نتصل بوالدينا أو إخوتنا المقيمين بعيدا عنا، أو لتقصيرنا في أداء واجب العزاء في الموتى وعيادة المرضى (فعندهن رادار يلتقط الأخبار وهي طائرة). صدقوني يا جماعة، لست "بتاع" نظريات، فقد عملت في تدريس البنات نحو خمس سنوات في المرحلة الثانوية، ونلت تعليمي الجامعي في بيئة مختلطة، وفي جميع مواقع العمل كانت معي كتيبة من النساء، يعني أستطيع الحكم لهن أو عليهن من واقع التجربة والمعايشة: نسبة المنضبطات أخلاقياً ومهنياً بين النساء أعلى من الرجال!!

ولكن ذلك لا يعني أنني أؤمن بإطلاق الحبل على الغارب للبنات، من منطلق أنهن أكثر استقامة من الرجال "بالسليقة" في نواح بعينها، بل يعني أن نطبق نفس الضوابط الأخلاقية على الأولاد والبنات، ولا يجوز أن نسكت على فئة منا تأتي كل أنواع السلوك الفالت والمشين لأنهم "ذكور"، فالفاسد في نفسه مفسد لغيره، لنلجم الأولاد لنضمن عدم جنوحهم، وبذلك نضمن أنهم لن ينقلوا العدوى للبنات!
0
التعليقات (0)