قضايا وآراء

المناطق الآمنة.. حماية للسوريين أم تقاسم للنفوذ؟

محمود عثمان
1300x600
1300x600
خلال جولته الخليجية التي شملت البحرين والسعودية وقطر, كرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطالبته بإقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية, من أجل حماية المدنيين السوريين, وإعادة اللاجئين إلى بلدهم بعد توفير الحماية لهم. أردوغان حدد مساحة المنطقة الآمنة, التي تخص تركيا, بـ4 آلاف إلى 5 آلاف كيلومتر، وطالب بأن تكون هذه المنطقة محظورة على الطيران.

الأتراك ومنذ بدء أزمة اللاجئين السوريين ما فتئوا يطالبون بإقامة مناطق آمنة, أو مناطق عازلة, أو مناطق نظيفة, خالية من المسلحين. وقد تدرجت تركيا في تسمية وتصنيف هذه المناطق مجاراة لمماطلة إدارة أوباما التي كانت تأتي كل مرة بمقترح جديد, بهدف كسر حماس أنقرة لإقامة هذه المناطق. 

هدف تركيا إنساني بحت كما يشدد المسؤولون الأتراك في كل مناسبة. فبدل أن يجلس النازحون من ديارهم في مخيمات اللجوء عاطين عالة على دول الجوار, يتم إسكانهم في مناطق محمية آمنة بعيدة عن الأعمال القتالية, يمارسون فيها أعمالهم ويكسبون قوت يومهم في أرضهم ووطنهم. 

في الوقت الذي كان يبدي فيه نائب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" تعاطفه وتأييده لفكرة المنطقة الآمنة بإشراف تركيا, كان البنتاجون يعارضها بشدة, بحجة أنها تقوي الفصائل المسلحة على حساب النظام!
 
المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس رجب طيب أردوغان مع الرئيس دونالد ترامب، والتي تلتها زيارة رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "بومبيو" إلى تركيا, وزيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لأمريكا, كانت من أهم التطورات السياسية في الآونة الأخيرة.

الرئيس ترامب أعلن أكثر من مرة أن سياسة أوباما في الشرق الأوسط وفي مكافحة تنظيم داعش, ليست ناقصة وحسب, إنما يجدها خاطئة وبحاجة إلى تغيير جذري أيضا. وهذا ما شجع أنقرة بالتوجه نحو واشنطن. إذ يقوم مستشار وزارة الخارجية حاليا بزيارة لواشنطن بهدف عقد لقاء بين الرئيسين رجب طيب أردوغان ودونالد ترامب, ومن المقرر أن يقوم قائد أركان الجيش الأمريكي دون فورد بزيارة رسمية لتركيا غدا.

أنقرة سعيدة لبدئها بداية ناجحة مع إدارة ترامب الجديدة، لكنها حذرة في الوقت ذاته, لأنها تدرك أن السياسات الجديدة التي ستتبعها إدارة ترامب لن تتضح معالمها قبل نهاية نيسان/أبريل وبداية أيار/مايو المقبل.

فكرة المناطق الآمنة ليست بعيدة لا فكرا ولا تطبيقا عن الأمم المتحدة, فقد أقيمت مناطق آمنة في دول مختلفة شهدت صراعات داخلية. عام 1991 صدر القرار الأممي رقم 688 يحظر على طيران الجيش العراقي اجتياز خط 36 شمالا, وذلك بعد مجزرة حلبجة.

عام 1992 تم فرض رقابة جوية على المنطقة الجنوبية من العراق أيضا. إيران التي تعترض اليوم على فكرة المنطقة الآمنة في سورية بحجة السيادة الوطنية, أيدت يومها وبقوة إقامة منطقة آمنة في جنوب العراق!

في نفس العام اتخذ مجلس الأمن القرار 781/ 1992 الذي يقضي بفرض حظر للطلعات الجوية الحربية في البوسنة والهرسك. لكن ذلك لم يحل دون وقوع ما يزيد على 500 انتهاك لهذا الحظر. في العام ذاته اتخذ مجلس الأمن قرارا آخر يقضي بحظر كافة الرحلات الجوية فوق البوسنة والهرسك . لكن ذلك لم يمنع الصرب من ارتكاب لمجزرة سربرنيتشا.

في التاريخ القريب, وبعد انطلاق الربيع العربي, وتحديدا عام 2011 صدر عن مجلس الأمن القرار رقم 2016 الذي فرض بموجبه حظر جوي كامل فوق الأجواء الليبية. روسيا التي تقف ضد المنطقة الآمنة في سورية أيدت قرار حظر الطيران في ليبيا! 

من الواضح أن فكرة المناطق الآمنة أخذت منحى أكثر بعدا وجدية عقب المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس أردوغان مع الرئيس الأمريكي ترامب, ثم زيارة الملك عبد  الله الثاني لأمريكا ولقائه بالرئيس ترامب حيث دخل الأردن على خط الأزمة السورية بقوة تحت مسمى محاربة داعش.

لا يخفي كثير من السوريين قلقهم ومخاوفهم من طرح فكرة المناطق الآمنة في ظل الأوضاع الراهنة. حيث يعاني الجيش السوري الحر حالة غير مسبوقة من الضعف والعجز والفرقة.

كما أن حالة النزوح وتدفق اللاجئين نحو دول الجوار أخذت مداها وتوقفت إلى حد كبير. وبالتالي هناك خشية من قيام مناطق آمنة على مقاس و بحسب خارطة النفوذ التي يجري الصراع عليها حاليا. كما أن هناك مخاوف حقيقية من أن تتحول هذه المناطق (الآمنة) إلى قواعد جغرافية يتم على أساسها تقسيم سورية. خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار عمليات التهجير القسري, ومحاولات التغيير الديمغرافي التي مارستها كل من إيران والأحزاب الانفصالية الكردية, ودعمتها أو سكتت عنها كل من أمريكا وروسيا.
0
التعليقات (0)