كتاب عربي 21

عن مشروع الدستور الروسي لسوريا

علي باكير
1300x600
1300x600
كما أصبح معروفاً، قام ما يسمى بالخبراء الروس بإعداد مسودة مشروع دستور لسوريا، وبالرغم من أنّنا لا نريد أن نناقش تفاصيل ما ورد في هذه المسودة بالتحديد، إلا أنّه من المهم التأكيد على عدد من النقاط في هذا المجال.

ما قامت به روسيا لا يختلف عن أي دولة استعمارية أخرى، وتقديم نسخة كاملة من مشروع دستور كتبه الخبراء الروس من الألف إلى الياء أمر استثنائي غير مستساغ حتى وفق المعايير التي تدّعي روسيا أنها تكترث لها، فدساتير البلدان لا تسقط من السماء أو تكتب في الخارج  من قبل دولة أخرى أو مواطنين آخرين، وإنما تصنع داخل البلد. 

وبالرغم من ذلك، من الضرورة بمكان عدم الخوف من مناقشة ما ورد في هذه المسودة الروسية خاصّة أنّه ليس حكرا على روسيا. هناك العديد من الدول الغربية التي سبق لها أن طرحت نفس الأفكار، وهناك العديد من القوى الداخلية والخارجية المستفيدة من الوضع سبق لها أن طرحت نفس العناوين.

غالبا ما نفتقد للأسف إلى النقاش العقلاني والمنطقي والعلمي حول المواضيع الهامة في الفضاء العام، ونلجأ إلى عادات بدائية لا تقدّم ولا تؤخّر بقدر ما تعبّر عن حالة الخوف والضعف والانهزاميّة. هناك حاجة لأن يقوم المتخصصون بدراسة شكل نظام الحكم المتوقع، ونوعه، وشكل المؤسسات التي يراد بناؤها أو إصلاحها ونوع العدالة الانتقالية المراد تطبيقها وغيرها من القضايا التي تثيرها المسودة أو غيرها من الوثائق.

من الواضح أنّ هناك من يدفع باتجاه إنشاء نظام برلماني في سوريا بحجة أنّ النظام الرئاسي سيء، هناك أيضا من لديه مصلحة في إنشاء لا مركزية إدارية، مثل هذه الأفكار وردت في المسودة الروسية وهي موجودة أيضا لدى العديد من الدول الغربية. لا نناقش إيجابيات وسلبيات هذه الخيارات بالمطلق، فلا شك أنّ لديها الكثير من الإيجابيات لكن أعتقد أنّ تطبيقها في وضع سوريا الحال أو على المدى القصير سيكرّس تقسيم سوريا كأمر واقع وهذه ليست خاصّية إيجابية بكل تأكيد.

هناك تشديد دائم على حماية حقوق الأقليات، وهو أمر مفهوم في سياق ضمان حقوق وواجبات المواطنين، لكن المبالغة فيه تؤدي إلى تجاوز الهدف المنشود وتتحوّل إلى انحياز، وهو ما يعني أنّ هناك من يريد أن يحرم الأكثرية من حقوقها بحجّة حماية الأقليّة، وهذا وضع شاذ وغير مقبول في أي بلد في العالم لاسيما في بلد حكمت فيه أقليّة طائفية وعائلية البلاد لعقود طويلة. 
  
وماذا عن شكل العدالة الانتقالية المطلوبة قبل الحديث عن أي دستور؟ وهل يمكن لأي دستور مستقبلي أن يتجاهل ثورة أدت الى أكثر من نصف مليون قتيل؟ وماذا عن وضع الحزب الحاكم "حزب البعث العربي الاشتراكي"؟ من دون أي عدالة انتقالية لن تكون هناك أي عملية سياسيّة جدّية في سوريا، القصاص من المجرمين الذين شاركوا في قتل أكثر من نصف مليون إنسان يساعد على فتح صفحة جديدة. 

أمّا بالنسبة للحزب الحاكم، فالبعض لا يرى مشكلة في استمراره، والبعض يريد حجبه بشكل تام، لكن بغض النظر عن الخيارات لا بد من إيقافه لعدّة سنوات على الأقل في أي مرحلة جديدة كي لا يعيد إنتاج القيء الموجود.

نسمع كثيرا من المسؤولين في الغرب العبارة الشهيرة: "لا نريد أن نكرر أخطاء العراق"، لكن الحقيقة أنّ هذه الأخطاء تتكرّر ليس في شكلها وإنما في نتيجتها. هناك من يطرح دوما موضوع إصلاح المؤسسات السورية، لكن هل هناك مؤسسات فعلا في سوريا لكي يتم إصلاحها؟ واذا كان هناك مؤسسات قابلة للإصلاح، فما هي؟ وهل الجيش والاستخبارات هياكل قابلة للإصلاح أم أنها تحتاج إلى إعادة بناء من الصفر؟

مثل هذه الأسئلة تحتاج إلى نقاشات عميقة وبنّاءة من قبل الخبراء والمسؤولين قبل أن يتم حسم التوجّه بشأنها، لا يجب أن يتم التهرّب منها أو تفاديها فهذا لن يجعل الوضع أفضل بالتأكيد بل سيدفع الآخرين إلى ملء الفراغ بهرائه، تماما كما فعل الروس.
التعليقات (0)