أفكَار

هل كل تيارات السلفية الجهادية من أهل الغلو؟

تنظيم الدولة يرجم متهمين بتهمة الزنا في الموصل - تويتر
تنظيم الدولة يرجم متهمين بتهمة الزنا في الموصل - تويتر
باتت "السلفية الجهادية" باتجاهاتها المختلفة مادة شبه يومية ضمن المواد التي تنشرها وكالات الأنباء، والصحف اليومية، والمواقع الإخبارية، لما لها من حضور فاعل ومؤثر في الأحداث الجارية في البؤر الساخنة والملتهبة.

تعود جذور تسمية "السلفية الجهادية" في مفردتها الأولى إلى انتسابها لمنهج السلف الصالح في أصول الاعتقاد، ومنهجية فهم النصوص واستنباط الأحكام منها، أما مفردتها الثانية فهي تحدد رؤيتها في التغيير عبر خيار الجهاد المسلح، سواء في مواجهة العدو الخارجي أو الأنظمة الطاغوتية المرتدة، على حد وصفهم.

وغالبا ما يجري الحديث عن اتجاهات السلفية الجهادية المختلفة باعتبارها من جماعات الغلو والتطرف، خاصة في قضايا التكفير، ورؤيتها تجاه الأنظمة السياسية القائمة، وموقفها من الحركات والاتجاهات الإسلامية الأخرى، فهل كل اتجاهاتها من جماعات الغلو حقا، أم ثمة فوارق هامة وجوهرية بينها في الفكر والعمل؟

وجوه التمايز والاختلاف بينها

يرى الكاتب والباحث المصري في الحركات الإسلامية، صلاح الدين حسن، أن ثمة فوارق بين اتجاهات السلفية الجهادية، محددا أبرز المسائل التي تمايز بينها بمسألة العذر بالجهل، والتوسع في التترس، وتكفير عموم الشيعة.

وقال صلاح الدين لـ(عربي21): "يندرج تحت تلك المسائل تكفير الأعيان، والمتعاملين مع الطاغوت، والتي تشمل المشتركين في العملية السياسية والمقرين بالدساتير". 

وتفصيلا لما ذكره آنفا بيّن صلاح الدين أن تنظيم الدولة في العراق شرعن لمسألة استهداف عموم الشيعة وأئمتهم على السواء دون تفريق، وكانت هذه المسألة أحد أهم خلافات التنظيم العراقي مع تنظيم القاعدة الأم، لأن القاعدة رفضت استهداف عموم الشيعة، ودارت نقاشات حادة بين أبي مصعب الزرقاوي والظواهري والمقدسي حول هذه المسألة.

وأضاف أنه "في مسألة العذر بالجهل مثلا كانت الجماعة الإسلامية تعذر بالجهل في حالات كثيرة، ضيقها تنظيم الجهاد المصري، وأتت داعش بعد ذلك لتعلن عدم الاعتراف بها أصلا، وترتب على ذلك التوسع في التكفير ليشمل حتى كافة المختلفين معها من فصائل السلفية الجهادية الأخرى".

أما عن إمكانية اندماجها في المجتمعات الإسلامية، فاستبعد صلاح الدين وقوع ذلك لأن غالبية اتجاهاتها لا تعتمد على الحواضن الشعبية، ومن ثم فهي تعتقد أنها مكلفة بفرض نموذجها على المجتمع وإقامة دولة إسلامية، دون تخيير عموم الناس لأن في هذا التخيير خروج عن حاكمية الله إلى حاكمية البشر، بحسب اعتقادها. 

أصول واحدة واختلافات في الفروع

 وبرؤية مغايرة اعتبر الباحث الشرعي السعودي، باسم العطاس الفوارق المذكورة بين تيارات السلفية الجهادية واقعة في فروع المسائل، أما في أصول الاعتقاد والرؤى الكبرى، فليس ثمة فوارق تُذكر بينها.

وقال العطاس لـ(عربي21): "أرى أن كل تلك التيارات تندرج تحت عنوان جماعات الغلو المتشددة"، لافتا إلى أن "من يشترك تحت هذا العنوان ليس تيارات السلفية الجهادية فقط، بل إن هناك تيارات سلفية لا علاقة لها بالأعمال الجهادية، وهي أكثر غلوا وتشددا، وقد تكون هذه التيارات في بعض المسائل هي الجهة المنظرة لتيارات السلفية الجهادية".

وجوابا عن سؤال "هل تنظيم الدولة والقاعدة والجماعة الإسلامية المصرية، وتنظيم الجهاد المصري.. وغيرها، كلها تتبنى نفس العقائد والأفكار وطرق التغيير؟" قال العطاس: "نعم نفس العقائد، لكن طرق العمل تختلف تكتيكيا بحسب الظروف"، مشيرا إلى أن "الجماعة الإسلامية المصرية كانت كذلك قبل المراجعات". 

ولكن عند السؤال عن مدى ارتباط اتجاهات السلفية الجهادية عقائديا بأصول الدعوة الوهابية ومقرراتها، أجاب العطاس بأنها متطابقة نظريا.

ولفت إلى أن الأصل الذي تلتقي عليه كل اتجاهات السلفية الجهادية ـ مع وجود اختلافات فرعية بينها ـ هو أن "كل مسلم مشكوك في دينه وعقيدته حتى يظهر خلاف ذلك، وخلاف ذلك هو التطابق مع ما تعتقده السلفية"، على حد قوله.

يُذكر في هذا السياق أن أبا محمد المقدسي، المنظر الجهادي المعروف ألّف رسالة أسماها (الرسالة الثلاثينية في التحذير من الغلو في التكفير)، رد فيها على من يتهمه بتكفير عموم المسلمين، أو التشكيك في دينهم، مبينا وشارحا صور ومظاهر الغلو في التكفير الواقعة من أشخاص واتجاهات تنتسب إلى السلفية الجهادية. 

بماذا كانت جماعات الغلو كذلك

من جهته أكدّ الداعية السلفي والباحث الشرعي، إحسان العتيبي أن تيارات السلفية الجهادية تجتمع على أصول عقائدية مشتركة، وتلتقي ـ على الأغلب ـ في منهجيات عملها من حيث تبنيها للخيار القتالي، ويقع الاختلاف بينها في أساليب تكتيكية تبعا للظروف القائمة.

وأوضح العتيبي أن الاختلافات الواقعة بين تلك الاتجاهات، ليست في أصول الاعتقاد، بل في قضايا فرعية، لافتا إلى أن اختلافهم في مسائل العذر بالجهل، والموقف من الحكام والأنظمة السياسية، والحكم على الشيعة، ليس محصورا في اتجاهات السلفية الجهادية، بل واقع في الدائرة السلفية الأوسع والأعرض.

وبيّن العتيبي في حديثه لـ(عربي21) أن الغلو واقع في تلك المسائل وغيرها من قبل السلفية الجهادية، وغيرها من الاتجاهات السلفية الأخرى، فليس الغلو محصورا فيهم، بل قد تجد غلوا من نوع آخر عند "السلفية الجامية" لا يقل عن غلو "الجهادية".

وذكر العتيبي مثالا لغلو بعض اتجاهات السلفية الجهادية، بأن منهم من يكفر الذي لا يكفر من يرى العذر بالجهل، فبات الغلاة يكفرون الغلاة، متسائلا: من كان هذا حاله كيف سيتورع عن تكفير من هم أقل خطأً وانحرافا من عموم المسلمين.

وجوابا عن سؤال "بماذا كانت تلك الاتجاهات من جماعات الغلو؟" قال العتيبي: "انفصالهم عن جمهور علماء الأمة في تقرير عقائد أهل السنة والجماعة، واستشعارهم أنهم هم أتباع الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، ما أورثهم الكبر والغرور والتعالي".

وأضاف: "ترتب على ذلك ضيق أفقهم، وجمودهم وتحجرهم، واستعلاؤهم على الاتجاهات الإسلامية الأخرى، وعدم تقبل المخالف منهم، بل ربما تضليله وتفسيقه وتبديعه وتكفيره. 

واعتبر العتيبي أن عقلية احتكار الحق السائدة عند اتجاهات أهل الغلو، تتحكم في طرائق تفكيرهم، ما يدفعهم لعدم الاعتراف بالعلماء الآخرين، والإقرار بأنهم من أهل العلم والاجتهاد، والقبول بآرائهم وفتاويهم، والتعامل معها من باب الاختلاف الفقهي والتنوع في النظر الاجتهادي.

وبيّن العتيبي أن مما يقع فيه أهل الغلو ـ وهي آفة قديمة منذ ظهر الخوارج الأول ـ أنهم ينظرون للاتجاهات الإسلامية الأخرى، ممن لا يوافق رأيهم واختياراتهم، أنهم من أهل الضلال والانحراف، ولا يرون أنهم من أهل التأويل والاجتهاد.

تُثار في هذا السياق إمكانية دمج الاتجاهات السلفية الجهادية في المجتمعات الإسلامية من عدمها، ووفقا للعتيبي فإن الاندماج المشار إليه أمر ممكن في حالة ترك تلك الاتجاهات لفكر الغلو وما ينتج عنه، ويترتب عليه، لافتا إلى مثال الجماعة الإسلامية المصرية بعد مراجعاتها، وكيف أنها تحولت إلى جماعة تؤمن بالعمل السلمي والسياسي، حينما تركت الغلو وهجرته.
التعليقات (0)