ملفات وتقارير

لماذا ترفض الحكومة المصرية عودة النوبيين إلى أرض الذهب؟

يشكو أهالي النوبة من تسليم أراضيهم التي هُجّروا منها لمستثمرين - أرشيفية
يشكو أهالي النوبة من تسليم أراضيهم التي هُجّروا منها لمستثمرين - أرشيفية
لا تزال الأزمة النوبية تراوح مكانها بين شد وجذب منذ عقود، فما بين مطالب أهل النوبة بحقهم في العودة إلى أراضيهم الأصلية جنوب مصر، التي يطلقون عليها "أرض الذهب"، وما بين تسويف الحكومات المصرية المتعاقبة، بدأ ينفد صبر النوبيين رويدا رويدا، وفق ما تشير إليه التطورات الأخيرة.
 
وينظر النوبيون بريبة إلى وعود الحكومة المصرية في حل أزمتهم، المستمرة منذ بداية القرن الماضي وحتى اليوم، بالسماح لهم بالعودة إلى أراضيهم التي أخرجوا منهم.

"تجارب مريرة"
 
وجدد النوبيون السبت الماضي احتجاجهم، في أعقاب طرح الحكومة المصرية جزءا من أراضيهم التاريخية للاستثمار، قبل أن يتم تعليق الاحتجاجات مؤقتا؛ بناء على وعود من المسؤولين بالجلوس معهم يوم الاثنين المقبل، لمناقشة الأزمة.
 
في هذا الصدد، قال رئيس الجمعية المصرية النوبية للمحامين، منير بشير، لـ"عربي21"، إن "الاحتجاج الأخير كان بسبب طرح الحكومة 110 آلاف فدان للاستثمار، ضمن مشروع المليون ونصف فدان، في نطاق أرضنا"، مشيرا إلى أنهم طالبوا "بوقف طرح كراسات الشروط الأحد، وأن تفعّل المادة 236 في الدستور بحقنا في العودة".
 
وبشأن توقعاته بالتزام الحكومة بالسماح لهم بالعودة، قال لـ"عربي21: "تجاربنا السابقة مع الدولة مريرة، وقدمت لنا وعودا كثيرة، فهناك أزمة ثقة بيننا"، موضحا أن قرار تعليق اعتصاهم الذي استمر ثلاثة أيام (من السبت وحتى الاثنين الماضي)، وشارك فيه مئات النوبيين على طريق أسوان – أبو سمبل، "جاء كبادرة حسن نية"، على حد وصفه.
 
النوبة بين الجيش ورجال الأعمال

وكشف أن قوات الأمن المصرية حاصرت المعتصمين طوال فترة الاعتصام، "حيث منعت دخول الماء والطعام، كما يحدث في الحروب، كما أن الشرطة العسكرية أطلقت النار لإرهابنا، ورغم تلك الانتهاكات لم نستغل ما حدث في التصعيد ضد الدولة".
 
وعن سبب رفض الدولة عودتهم إلى أرض النوبة، قال بشير: "باختصار شديد، الأرض غنيمة، ومقسمة بين بعض قيادات القوات المسلحة، وبين بعض رجال الأعمال"، واصفا أرض النوبة بـ"أرض الذهب، فهي أرض تزخر بموارد دول كالثروات المعدنية، والأرض الخصبة والأماكن السياحية".
 
وبدأ تهجير النوبيين من أرض "النوبة القديمة" منذ عام 1902 أثناء الشروع في بناء خزان أسوان، مرورا بعامي 1912 و 1933، وانتهاء ببناء السد العالي في 1963.
 
مسألة "حياة أو موت"
 
"الحكومة تسوف وتماطل، ولكن صبر النوبيين نفد"، هكذا وصف عضو "ائتلاف 4 سبتمبر" النوبي، محمد حسن، أسلوب تعامل الحكومة المصرية معهم. وقال لـ"عربي21": "إنها ليست المرة الأولى التي تحاول الحكومة بيع ما لا تملك لمن لا يستحق"، على حد وصفه.
 
وشدد على أن "النوبيين هذه المرة لن يرضوا بإنهاء اعتصامهم، الذي تم تعليقه لحين انتهاء المفاوضات مع الحكومة، إلا مع بدء تنفيذ حق العودة"، مشيرا إلى أن "الاعتصام لم يقتصر على النوبيين في الجنوب، بل سوف يتداعى له النوبيون من كل مكان على مستوى الجمهورية".

وأعرب عن شكوكه حيال وفاء الحكومة بوعودها، قائلا: "الحكومة لا تنفذ وعودها، فهناك عدم ثقة. لن نعود إلى بيوتنا هذه المرة، فهي قضية حياة أو موت". وقدر حسن عدد النوبيين بنحو خمسة ملايين نوبي في مصر وأوروبا والخليج.
 
لا عودة عن حق العودة
 
بدورها، اعتبرت الناشطة النوبية، ريهام بكري، أن "طرح أراضي النوبة لغير النوبيين؛ جور، وظلم". وقالت لـ"عربي21": "النوبيون أحق بأرضهم من غيرهم، أزمتنا الحقيقية في طيبتنا وثقتنا المستمرة في الحكومات المتتالية".
 
وأكدت إصرار النوبيين "على إلغاء القرار الجمهوري رقم 444 لسنة 2014، والذي يفقدهم الأحقية في أرضهم، التي اعتبرها القانون أراض عسكرية".
 
وكشفت أن "العودة إلى الاعتصام ستكون بقوة أكبر، بالرغم من المناوشات مع السلطات الأمنية، وما صاحبها من تهديد"، مؤكدة أن "الشباب الآن لديهم عزيمة على استرداد حقوقهم، وهم من يقودون الدفة الآن، ولن يرضوا بأي مسكنات".
 
القانون والدستور معهم

قانونيا، أكد مدير مركز هشام مبارك للقانون، مصطفى أبو الحسن، لـ"عربي21"، أن النوبيين "هم أصحاب حق، وأُضيروا من بناء خزان أسوان ومن بعده السد العالي، ورُحّلوا من أراضيهم وبيوتهم، ولم يعوَّضوا تعويضا عادلا، ومن ثم القضية النوبية قضية عادلة".
 
ولفت إلى أن الحكومة تقر بحقهم في العودة، ودلل على ذلك "بوضع مادة خاصة في الدستور تحت رقم 236 تؤكد حقهم في العودة إلى أراضيهم، وكذا قرار إنشاء هيئة عليا لتوطين أهالي النوبة، وجميعها مؤشرات تدل على أنهم أصحاب حقوق"، بحسب قول أبو الحسن؛ الذي أنحى باللوم على الدولة التي "أوكلت قضيتهم للجهات الأمنية، ولم تتعامل معها بشكل صحيح".
 
وبيّن أن "الأراضي التي رُحّلوا إليها بمركز نصر النوبة، شمال مدينة أسوان، لم يتملكوا فيها بيتا ولا أرضا، إنما كانت حق انتفاع فقط، ومن ثم هو جور على حقوقهم من الانتقال لمكان يمتلكوه إلى مكان ينتفعون فيه، ومن ثم نشأت المشكلة"، كما قال.
التعليقات (0)