قضايا وآراء

الإعلام في عصر الصورة

محمد خليل برعومي
1300x600
1300x600
أصبحت وسائل الإعلام ورسائلها جزءا من نسيج المجتمع وحياته في كل مكان في عالمنا، وذات تأثير مباشر في التّكوين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي للمجتمع، وقادرة على إحداث تغيّر في مسار الخيارات لهذه المجالات، وذلك فضلا عن إمكانيتها تشكيل الوعي وتحديد مسار سلوك الأفراد والجماعة.

 فلهذه الوسائل الإعلاميّة قدرة عجيبة على صناعة الرأي العام إلى حدّ " التلاعب بالعقول "حسب عبارة بورديو. فهي التي تحدّد الخيارات والأولويّات ومن ثمّ تقوم بعمليّة سطو على العقول لتوجّهها أينما شاءت وكيفما أرادت. 

كما أنّ الصورة تحولت إلى سلطة رمزية وتأثيرية قادرة على التوجيه والتاثير سواء على الوعي الاجتماعي، أو في تشكيل اللاوعي الاجتماعي الذي يمثل بدوره سلطة على الوعي بدرجة أولى، ناهيك عن أنها منتوج اجتماعي ومضمون تحدده خصوصيات اجتماعية وسياسية وثقاقية، وإكراهات ظرفية وهيكليّة. خاصة أن كل مضمون ضمنيا يبدي ويبرز موقفا ما في علاقة بمواقف أخرى مختلفة، أو متباينة مع الموقف الأول.

 تتجلّى أهميّة الصورة في حياة الأفراد والمجتمع من خلال طبيعة وطريقة عرضها، فالصورة تعتبر من المثيرات الحسّية والعقليّة والانفعاليّة للنفوس، فهي تؤثّر في كيانهم واتجاهاتهم.
 ولذلك تؤدي الصورة دورا مهمّا ورئيسيّا في بناء نموذج جديد ديمقراطي يراهن على مواكبة التغيّرات والتطلّعات. وخاصة باعتبارها ذات طبيعة تفاعليّة كوسيلة من وسائل الاتّصال مع الأنظمة الأخرى الموجودة في المجتمع. 

فالصورة منظومة رمزيّة توحي بدلالات عدّة، وتحمل بين طياتها خطابا دالّا، يتحدّد في دائرة العلاقات المتبادلة بين المنتج والقارئ وفي سياق الوضع المحيط بهذه العلاقات.

إنّ الهيمنة الإعلاميّة على شتى تفاصيل الحياة باستخدام أرقى الآلات والتكنولوجيات وبتطويع علوم الإنسان والمجتمع، جعل المتنفّذين خلف الشاشات والصحف وغيرها من وسائل الاتصال تبحث عن كيفية توجيه الرأي العام بالصورة الموضبة والمنتقاة.

حيث أصبحت الصورة الفوتوغرافية تشكل عنصرا مؤثرا وفاعلا في الصحافة المكتوبة أيضا. فالصورة تبقى لولب الخبر، يتمعن بها المتلقي ليخرج بانطباعات تجاري الحدث الموصوف في سياق الخبر. وكما تفعل الصور فعلها في الحرب والسلام، كذلك هي مؤثرة وفاعلة في العمل السياسي.

وقد تعزّز هذا العنصر خاصّة بعد أن تمّ إقحام وسائل الاتصال والإعلام واستخدامها في الميدان السياسي، بل أصبحت أحيانا (وسائل الاتصال) محدّدا أساسيّا ورئيسيّا لشكل هذا الميدان ومكوّناته وحاضره ومستقبله..

وصارت الصورة تعيد تركيب عقل المشاهد، وتضع كل الحواس في خدمة العين. العالم يعيش ثقافتها التي تنافس كل الثقافات الأخرى، بعد أن نفذ الإعلام المرئي إلى ذات المشاهد، وعمّم خصوصيته وقيمه ونظامه، فبات المشاهد أسير الصورة يقرأ بعيونه ما يكتب وما يصوّر بالعدسات. 

هنا يكمن الخوف من تحوّل هذا الذي يمكن أن يكون وسيلة لتحقيق الديمقراطيّة إلى وسيلة قمع رمزيّ وأداة هيمنة. وخاصّة إذا تحوّلت الصورة تحت سيطرة ذلك الإله الخفي الذي يسعى إلى التلاعب بالعقول والأفكار، وتشكيل وعي مغلوط واصطناعي مزيّف، لا يمتّ للحقائق والواقع بصلة، من خلال إخضاع الصورة إلى عمليات التصنيع والتشويه والتحريف.

لقد عملت الصحافة وغيرها من وسائل الاتصال على أن تكون أداة تنوير وتغيير للوعي والواقع، لكنّها غدت بفعل هيمنة قوى المال ونخب المصالح، أداة تمرير لما يتطلبه السوق وعلاقات الربح أحيانا، وخطابا أيديولوجيا ـأنطوانيّا- ضيّقا أحيانا أخرى.

ومن هنا وجب على الذين يتعاملون مع مادة الصورة، أن يناضلوا من أجل ألاّ تتحوّل من أداة رائعة للديمقراطية، إلى أداة للقمع والعنف الرّمزي.
0
التعليقات (0)