مقالات مختارة

تدويل قضية ثلاجة السيسي!

جمال سلطان
1300x600
1300x600
اتسع نطاق الجدل العنيف الذي تفجر بعد تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر الشباب عن زهده وهو ضابط في المطالب المعيشية، وضرب مثلا بأن ثلاجة بيته ظلت عشر سنوات لا يوجد فيها غير الماء، وهو كلام لم يقنع كثيرين، وأثار موجة من التندر؛ بسبب غرابته الشديدة. 

ومضى الأمر على أنه سجال معتاد بين مؤيدي السيسي ومعارضيه على شبكات التواصل الاجتماعي بعد كل خطاب أو مداخلة أو تصريح، حتى وقعت الواقعة، وتكلم وزير سعودي سابق ومسئول رفيع الآن، أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، الوزير السعودي الدكتور إياد مدني في مؤتمر لوزراء التعليم في تونس، فأشار بكلمة عابرة كان فيه "تنكيت" على ثلاجة السيسي، وهي كلمة عابرة، لكنها كانت واضحة في سخريتها وتندرها على حكاية الثلاجة، وكانت هذه اللقطة التي لم تستغرق ربع دقيقة كافية لإثارة موجة واسعة من الغضب والاحتجاج في مصر، وصلت في بعض الأحيان إلى الردح والبذاءة، التي لا تليق بمصر ولا شعبها ولا إعلامها.

من الطبيعي أن يغضب كثيرون في مصر من تعليق الوزير السعودي، وهو نفسه اعتذر بعد ذلك بساعات قليلة عن الأمر، وقال إنه كان مجرد دعابة، وإنه يحمل للرئيس المصري كل احترام ووصفه بالحكيم، وقد لاحظت أن الاحتجاج في مصر شمل حتى معارضي السيسي، باعتبار أن "التنكيت" على رئيس الجمهورية من جهة غير مصرية هو إهانة رمزية للدولة نفسها، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع سياسات الرئيس، كان من المفهوم الاحتجاج وحتى الغضب، وهذا ما فعلته الخارجية المصرية في بيان رسمي متوازن وعاقل، وكذلك فعل البعض مثل فضيلة الشيخ عباس شومان وكيل الأزهر، الذي علق بنقد رصين يليق بمقام العلماء. 

ولكن المؤسف أن هذا كان استثناء من ردود الفعل؛ لأن أغلب ما نشر كان في مستوى من البذاءة والانحطاط بما يجعله أعظم إهانة لمصر من التنكيت على قصة الثلاجة نفسها، أحدهم كتب مقالا ونشرته له صحيفة يومية مقربة من الرئاسة ومن جهاز سيادي رفيع، يشتم فيه المسئول السعودي بالأم، ويناديه "ياابن الق..." باللفظ السوقي الذي لا تسمعه إلا بين الحشاشين أو في سوق البغاء، وتعمد تكرار الشتيمة التي يذهلك أن تكون منشورة في صحيفة سيارة، بما يعطي أسوأ انطباع عن الإعلام المصري ومستواه الأخلاقي والمهني، بل يعطيك أسوأ انطباع عن حال الدولة في مصر نفسها، باعتبار أن الجميع داخل مصر وخارجها يعرفون أن تلك الصحيفة تعمل لحساب الجهة الفلانية وتعبر عن توجهاتها، وهذا هو الخطير.

الردح تفاوتت طبقاته، وساءني أن يتورط مسؤول رفيع في الأزهر، أراد مجاملة البعض فتكلم بكلام مسف لا يليق بالأزهر وجلاله ووقاره، وإعلامي آخر من المحسوبين على الأجهزة اكتفى في صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي بشتيمة "الخلايجة"، والتهديد بأن نرسل لهم إبراهيم باشا "وصباعه"، في إشارة سوقية لا يفعلها إلا أبناء الشوارع، وهناك إعلامي آخر راح يعير "الخلايجة" بكلام السيدة عائشة رضي الله عنها بأن بيت النبي كان يمر عليه الهلال والاثنين والثلاثة لا توقد فيه نار، ربما من باب أن هذا الإعلامي اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم من مواطني السعودية، فهو من "الخلايجة" فيباح أن نسخر منه ومن أهل بيته ونعيرهم بالكلام!

 الإعلام هو المرآة التي تعبر عن مجتمع، وهو أهم أدوات الدولة الحديثة في التواصل والتعبير عن منظومة القيم والثقافة والنضج والوعي، الذي يتمثل في تلك الدولة، ويعطيها مكانتها بين الدول، والمؤسف أن يكون هذا هو حال إعلامنا، والمؤسف أكثر أن يصدر هذا "العار" عن الإعلام الذي يزعم أنه يدافع عن النظام ويجمل صورته، ولن يجد خصوم النظام أكثر مما نشر لكي يشوهوا صورة النظام كله، والبلد وما فيها، بل ويعطوا انطباعا عن وضع "مهزوز" تفزعه نكتة وتروعه قفشة. 

وقد كان هناك ألف طريق للرد على المسؤول السعودي وانتقاده، بما يعبر عن قيمة مصر وحجمها ومكانتها وأخلاق شعبها وترفعها عن الإسفاف والوضاعة، كان هناك أكثر من سبيل للرد والاحتجاج، رغم اعتذار المسؤول السعودي بعدها بساعات، ولكن البعض اختار ما هو رخيص وفاحش وأحمق ومتدن، فأساؤوا إلى مصر ورئيسها وشعبها أكثر مما أساؤوا للمسؤول السعودي نفسه.

المصريون المصرية

1
التعليقات (1)
عبدالرحمن المنذر
الأحد، 30-10-2016 01:48 م
مصر ..........منذ 30 يونية 2013.............. أصبحت دولة ................ بلا عقل.