نشرت مجلة "أمريكان إنتريست" مقالا للزميل في معهد واشنطن ديفيد شينكر، يتحدث فيه عن جهود مكافحة الإرهاب في الأردن.
ويقول شينكر في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن عددا من السقطات في المجال الأمني، والكشف عن فضائح فساد في العام الماضي، أظهرت أنه لا يمكن التعامل مع أجهزة أمن المملكة الأردنية على أنها قوة لا يستغنى عنها.
ويضيف الكاتب أن "المملكة الأردنية المؤيدة للغرب، تعمل بصفتها قاعدة إسناد مهمة في الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد
تنظيم الدولة في
سوريا، وأصبح الأردن هدفا للتنظيم بشكل متزايد، وعانى الأردن في الأشهر الماضية من زيادة في نشاطات تنظيم الدولة الإرهابية. وما يثير القلق في وجه هذا التحدي، هو أن المخابرات الأردنية، المعروفة بتاريخها الطويل بـ(معاييرها الذهبية) أو سجلها في العالم العربي، لم ترد بطريقة تتناسب مع سمعتها وكفاءتها، ما أثار علامات استفهام حول قدرتها".
وتشير المجلة إلى أنه تم اختراق أمن منشآت تابعة للأجهزة الأمنية مرتين في شهر حزيران/ يونيو، حيث قام مهاجم منفرد في السادس من شهر حزيران/ يونيو، بالدخول إلى دائرة تابعة للمخابرات العامة، تبعد 20 ميلا شمال العاصمة، وأطلق النار على خمسة ضباط قبل أن يتمكن من الهرب. وبعد أسبوعين من الهجوم قام تنظيم الدولة بتفجير سيارة مفخخة في موقع عسكري على الحدود السورية، وقتل فيه ستة جنود، وفي كلا الحالتين قيل إن حرس المناوبة كانوا نائمين.
ويلفت المقال إلى "أنه قبل عدة أشهر، في آذار/ مارس، قامت قوات خاصة من الكتيبة 71 لمكافحة الإرهاب بمهاجمة خلية لتنظيم الدولة في مدينة إربد شمال الأردن، ورغم نجاح الوحدة بقتل أفراد الخلية كلهم، إلا أن العملية استغرقت 12 ساعة، وعرقلها غياب التنسيق بين الأجهزة المهاجمة، ووصف مراقب أجنبي في المملكة الهجوم بأنه لم يكن حرفيا، وما زاد المتاعب هو اختفاء 87 ألف رصاصة تعود للجيش البريطاني من مخزن في شهر نيسان/ أبريل، وذلك أثناء مناورة عسكرية مشتركة مع الأمريكيين، حيث كانت القوات البريطانية المشاركة متمركزة في قاعدة عسكرية قرب ميناء العقبة عندما تم تحميل الذخيرة في شاحنة، ولم يعرف مصيرها بعد، وهناك مخاوف من إمكانية وقوعها في يد تنظيم الدولة".
ويبين شينكر أن "ما يزيد القلق أكثر في هذه الهفوات الأمنية هو المعلومات التي تتسرب ببطء عن وجود فساد مستشر في صفوف المخابرات الأردنية، وهي المؤسسة التي تحظى باحترام واسع، وتم نشر أخبار عن المشكلات في هذه المؤسسة الأمنية، حيث تمت إدانة مديرين سابقين لها، أحدهما يقضي عقوبة سجن طويلة في قضية فساد".
وتنوه المجلة إلى المزاعم التي وردت في تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، عن قيام المخابرات الأردنية بأخذ آلاف البنادق من نوع "إي كي-47"، تقدر بملايين الدولارات، قدمتها المخابرات المركزية الأمريكية للمعارضة السورية، مشيرة إلى أنه تم استخدام العائد المالي في شراء سيارات "أس يو في" الأمريكية الصنع، وأجهزة "آيفون"، ومواد راقية أخرى، وتستدرك بأنه رغم قيام المؤسسة باعتقالات في القضية، إلا أنه لا يعرف المدى الذي وصل إليه
الفساد في هذه المؤسسة.
وبحسب المقال، فإنه تم الكشف عن قصة بيع السلاح عندما قام شرطي أردني متشدد باستخدام إحدى هذه البنادق، التي بيعت في السوق السوداء، وقتل بها متعاقدين أمريكيين وآخرين من جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى اثنين من زملائه في معسكر تدريب.
وبعد تعداد الكاتب لهذه المشكلات التي يقول إنها مثيرة للقلق، يعلق قائلا إنها "لا تشير مع ذلك إلى مشكلة بين واشنطن وحليفها العربي، وبالتأكيد لا تزال عمان شريكا مهما في الحرب ضد تنظيم الدولة، ويقدم الأردن قواعد للدعم اللوجيستي للقوات الأمريكية والدول المتحالفة معها، ولا يزال الأردن ملتزما بمعاهدة السلام التي وقعها مع إسرائيل عام 1994، بالإضافة إلى أن الأردن يعد من الداعين إلى الاعتدال الديني في المنطقة، ونظرا لهذه الأهمية. واعترافا منها بالدور الذي تقوم به المملكة لخدمة مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن واشنطن ستقدم أكثر من 1.6 مليار دولار للأردن، منها 800 مليون دولار مساعدات عسكرية، ولمكافحة الإرهاب".
وتذكر المجلة أن الأردن يواجه بالإضافة إلى التحديات الأمنية، تحديات اقتصادية، بسبب استقباله أكثر من مليون لاجئ سوري، ووصول نسبة البطالة إلى 15%، فيما تصل نسبة البطالة بين الشباب إلى 40%، وبلغ عدد من انضم من الأردنيين لصفوف تنظيم الدولة حتى هذا الوقت 2500 شخص، بينهم أبناء نواب في البرلمان الأردني، مشيرة إلى أنه لا يمكن استبعاد أثر هذه الأوضاع الاقتصادية، واستمرار الذبح للمسلمين السنة في سوريا، على الأردنيين المعروفين تقليديا باعتدالهم، ودفعهم نحو طريق التشدد.
ويستدرك المقال بأنه "رغم هذه المخاطر كلها، فإن الأردن أظهر صلابة مذهلة، وبشكل مثير للإعجاب، والأمن فيه جيد، ويواصل فيه الجيش والمخابرات العامة وقوات الحدود تعزيز الجهود لتوفير الأمن، وتحمل الخسائر في مواجهة تنظيم الدولة. ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة تظهر أن الأردن لا يزال غير مجهز لمواجهة تهديدات إرهابية معقدة، كتلك التي نفذت في باريس أو مومباي".
ويقول شينكر إنه "من البديهي القول إن الأجهزة الأمنية الأردنية هي الأفضل في العالم العربي، ورغم صحة هذا القول، فإن أحداث العام الماضي تظهر أن الأجهزة الأمنية لم تعد أمرا مسلما به، وبناء على المسار الحالي، فإنه من المؤكد تعرضه لنشاطات إرهابية مكثفة يقوم بها تنظيم الدولة في الأشهر وربما السنوات المقبلة".
وتخلص "أمريكان إنتريست" إلى القول إنه "في منطقة مضطربة، وتسود فيها الفوضى، فإن مصالح الولايات المتحدة تعتمد على استقرار المملكة الأردنية الهاشمية وازدهارها، ولهذا السبب، فإنه ينبغي على واشنطن مواصلة العمل مع عمان لتحسين قدرات أجهزة المملكة الأمنية".