مقالات مختارة

عندما تطارد السيسي ذكرى يناير 1977

جمال سلطان
1300x600
1300x600
يتحدث الرئيس السيسي كثيرا ويتصرف بأساليب تبدو أنها تنتسب لحقبة الستينيات الماضية أيام حكم الرئيس جمال عبد الناصر، ولعل هذا ما يجعل هناك مسافة كبيرة في الفهم والتفاهم بينه وبين جيل الألفية الجديدة، الذي يختلف في وعيه ومصادر معرفته وسرعة الحصول على المعلومات وتعددية المصادر المتاحة بسهولة عن جيل الستينيات الماضية، الذي كان ينتظر نشرة أخبار إذاعة البرنامج العام ومانشتات صحيفة الأهرام، فيبدو السيسي وكأنه يعيش في عالم افتراضي غير متصل بالواقع الجديد، مثل حديثه اليوم عن إنجاز أكثر من سبعة آلاف كليو متر من الطرق الجديدة لا يراها أحد، وبناء مليون وحدة سكنية.

وكذلك حديثه عن أن الدولة لن تتردد في مواجهة الفساد أيا كانت التكاليف، وهو كلام يختلف جذريا عن سلوك الدولة ذاتها خلال الأشهر الماضية، وخاصة الواقعة الشهيرة مع رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينه، الذي تحدث مرارا عن الفساد واتساعه وارتفاع فاتورته بأرقام ضخمة، فبدلا من اتخاذ الدولة الإجراءات العملية بالتعاون مع الجهاز وخبرائه لملاحقة الفساد وكشف خنادقه واسترداد المال العام، فوجئ الجميع بأن الدولة تحيل رئيس الجهاز للمحاكمة بتهمة نشر "إشاعات" "وأخبار كاذبة"، أي إن الحديث عن الفساد أصبح "إشاعات" و"أخبار كاذبة"، وربما يضاف إليها "مغرضة"، هذه النكتة لفتت انتباه العالم كله، وليس الناس في مصر فقط، حيث تحدثت صحف كبرى ومؤسسات دولية عن تراجع الشفافية في مصر والتواطؤ مع الفساد مستشهدين بتلك الواقعة تحديدا، لأنها فجة للغاية، والوحيد الذي لا يراها أو لا يريد أن يراها هكذا هو السيسي وحده، والمجموعة التي تصفق حوله وتتزلف له حقا وباطلا.

السيسي تحدث في كلمته اليوم عن أن سبب مشكلات مصر ثلاثة: الحروب والإرهاب والفساد، وأن هذا هو ما استنزف مقدراتها على مدار الخمسين عاما الماضية، حسنا، إذن الفساد ضخم جدا يا سيادة الرئيس باعترافك، وليس "أخبارا كاذبة"، ليس "إشاعات"، فلماذا حاكمت الرجل الذي قال لك نفس هذا الكلام، وما الذي قاله الرجل مختلفا عما قلته اليوم، وما قلته سابقا من أن كل "خرم" في البلد فيه فساد ،سوى أنه حدد لك الرقم التقريبي وأنت تكلمت عن الضخامة بشكل مجمل، وطالما أن الفساد أحد ثلاثة أركان أهدرت أموال مصر ومقدراتها، فأنت ـ قطعا ـ تتحدث عن مئات المليارات، وليس عن عدة آلاف أو ملايين، وقد قال لك المستشار هشام جنينه إن الجهاز المركزي رصد إهدار ستمائة مليار جنيه في السنوات الأربع الماضية، وأنتم قلتم إن هذه "إشاعات"، حسنا، فما هي الحقيقة إذن التي تكشف زيف "الإشاعات"؟ لقد طالبت الحكومة بتوضيح الحقائق للشعب وتبسيط المعاني حتى يفهمها الناس، حسنا، هل يمكن ـ مشكورا ـ أن تلزمها وتلزم الدولة التي ترأسها بأن تكشف للناس أرقام فاتورة الفساد، التي تقول إن هشام جنينه وجهازه الرقابي الأكثر أهمية في مصر أخطأ تقديرها، هل يمكن أن تقول لنا ما هي فاتورة الفساد الحقيقية، وبالأرقام، هي ليست ستمائة مليار، هل هي ـ مثلا ـ أربعمائة مليار كما قالت الرقابة الإدارية، أم هي مئتا مليار، وما الذي فعلته الدولة لكي تسترد هذا المال "السائب"، قبل أن تحدثنا عن الرواتب التي زادت.

وبمناسبة الرواتب التي زادت، هل يمكن أن تطلب من الحكومة ـ مشكورا ـ أن توضح الفئات التي زادت رواتبها ومكافآتها ومعاشاتها ونسب الزيادات، وهل استوى المصريون جميعا في تلك النسب أم إن بعض المؤسسات والأجهزة كان لهم حظوظ مختلفة عن بقية المصريين، وهل يمكن أن تشرح للناس ـ مشكورا ـ سبب هذا التمييز بين المصريين في حقوق المال العام.

 تحدث السيسي في كلمته عن أن البلد مقبلة على قرارات صعبة، والناس كلها تعرف ذلك، وتعرف ما سيحدث بالتفصيل، لكنه يتصور أن الناس ما زالت غير مدركة وتحتاج إلى مدرس ابتدائي لكي يوضح لها ألف باء الاقتصاد، ومعنى اتفاق دولة مع صندوق النقد، ثم هو يطالب الناس بأن تقف إلى جوار "مصر"، وليس إلى جوار "السيسي"، لكن الحقيقة أن القرارات قرارات السيسي، والأخطاء أخطاء حكومة السيسي، والارتباك بسبب سوء تقدير من إدارة السيسي، فما دخل مصر في ذلك، مصر ليست السيسي، والسيسي ليس مصر، السيسي مواطن في مصر يعمل في وظيفة كبير موظفي الدولة برتبة رئيس، تم تكليفه بإدارة شؤون الدولة مدة أربع سنوات، يخضع خلالها وبعدها للحساب وليس مصر التي تخضع لهذا الحساب، ويمكن أن يخطئ ويصيب فيعزل أو يقال أو لا ينتخب من جديد، هل يقال حينها إننا نقيل مصر أو نعزل مصر؟ لماذا هذه الشخصنة؟ مصر هي أنا وأنت، السيسي ومعارضوه، الحكومة والأحزاب، النقابات والمجتمع المدني والإعلام والثقافة والفن، لا يجوز لشخص أو طرف من هؤلاء أن يختزل مصر في شخصه أو فئته، هذه بديهيات من العيب أن نعيد ذكرها أو حتى أن نتوقف عندها. 

قل للناس بمسؤولية : قفوا إلى جواري، ادعموا سياساتي، وأقنعهم بذلك، فإن وافقوك فهم يدعمون سياساتك، وإن خالفوك فهم لا يخالفون مصر، وإن رفضوها فهم لا يرفضون مصر، وإن غضبوا فهم يغضبون منك وليس من مصر، أعرف أن توابع المقبل من القرارات قاسية، ورهيبة، وقد أشار السيسي في كلمته إلى أحداث يناير 77، عندما خرج الناس في الشوارع ضد السادات، الذي اتهم المتظاهرين يومها بأنهم ضد "مصر" وليس "ضد السادات"، واضطر أن ينزل لهم الجيش في الشوارع، نفس الشخصنة، وذكر تلك الحادثة على لسان السيسي اليوم، يعني أن التوابع في خياله وتمثل كابوسا يضغط عليه ويخشى نتائجه ويفزعه تفجر غضب الناس من سياساته، والشجاعة أن تواجه الواقع بنفسك وتتحمل نتائج قراراتك وسياساتك، فالذي ترشح في 2014 للرئاسة مواطن مصري اسمه عبد الفتاح السيسي، وليس مصر التي ترشحت.

المصريون المصرية
0
التعليقات (0)