قضايا وآراء

قيادة التغيير-5

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
قامت دورية هارفرد بزنس ريفيو HBR بنشر عدة دراسات مهمة عن التغيير في المؤسسات، لعل أبرزها وهي مضرب المثل دراسة بعنوان "لماذا تتدهور أحوال الشركات الجيدة؟" (Why Good Companies Go Bad) للباحث دونالد صل Donald Sull.

هذه الدراسة التي نشرت في عام 1999، أي قبل سبعة عشر عاما، لا تزال مرجعية في فهم لماذا تتدهور أوضاع مؤسسات كانت تحتل القمة وفجأة وجدت نفسها في القاع إما إفلاسا أو اندماجا أو انكماشا.

وكما أن للقيادة دورها في التحول الإيجابي للشركات والمؤسسات، كما ذكرنا في المقالات السابقة، فإن ميزة هذه الدراسة أنها تشير بوضوح إلى دور القيادة في كتابة السطر الأخير من عمر المؤسسات.

يضرب صاحب الدراسة عدة نماذج لهذا النوع من القيادة التي تعتقد أن أسباب وجودها وتطورها أو بقائها والتي كانت قائمة في الماضي لا تزال قائمة في الحاضر، بمعنى أن بعض القيادات يعتقدون أنهم سر النجاح، وجوهر النماء، وعمود خيمة البقاء متجاهلين أن أسبابا موضوعية وبيئية ساهمت في ذلك مع عدم إنكار حقيقة دور القيادات في إنجاح وتطور المؤسسات.

يطرح الباحث ما حدث لشركة فايرستون Fireston التي كانت رقم واحد في إنتاج إطارات السيارات في أمريكا والعالم، وكان لدى الشركة إستراتيجية واضحة من حيث العملاء والحلفاء والمنافسون وحجم الإنتاج المطلوب سنويا وقد احتلت الشركة مكانة متقدمة، بل اعتبرت الأولى، واستمرت على القمة منذ السبعينيات حتى انتهت تاريخيا في 1988.

كانت الشركة تعرف أن منافسها الرئيس هو شركة غوديير Goodyear وتعرف أنها حليف للشركات المنتجة للسيارات في ديترويت بالولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها لم تكن تعرف أبدا أنه سيأتي يوم ما لكي تنافسها شركة أخرى من خارج إطار المنافسة في أمريكا أو أوروبا.

كان تركيز قيادة الشركة على فكرة أن لها منافسا وحيدا، وأن لديها سوقا عريضة ولديها مخازن وخطط للتوسع، لكنها لم تفكر للحظة فيما تنتجه، ولم تسأل نفسها السؤال الطبيعي لأي مؤسسة تريد البقاء على القمة: هل ما نقدمه اليوم صالح أو ملائم للبيئة أو السوق اليوم؟

كانت إجابة القيادة آنذاك نعم نحن شركة صالحة لكل زمان ومكان، نحن الأوائل، ولدينا تضحيات أقصد استثمارات والعالم أي السوق كلها تريد منتجاتنا. وهي إجابات صادقة لكنها غير مكتملة، لأنها لم تجب عن السؤال الجوهري هل لو ظهر بديل أكثر مواءمة وأقل كلفة هل سيقبل به الزبون؟

بعض القادة يعتقد أن علاقته بالزبون سواء كان فردا أو مجتمعا هي علاقة أبدية أزلية غير مشروطة، أو علاقة احتكارية، وهذه هي النقطة العمياء (الغرور) التي تصيب بعض قادة الشركات والمؤسسات.

الغرور يحول بين القيادة وبين رؤية المستجدات على الأرض، يجعل صاحبه في حالة إنكار دائم لحقيقة وضعيته في السوق، وبالتالي تزداد حالة مؤسسته سوءا وهو يكابر ملقيا باللائمة على الأعداء والمؤامرات، والحقيقة أن أي مؤسسة ناجحة لابد وأن يحاك ضدها المؤامرات وأن تكون قادرة على التعامل مع المؤامرات، وفي رأيي فإن الحياة كلها عبارة عن خطط ومؤامرات يجب الانتباه إليها وإلا فلماذا خلق الله إبليس عليه لعنة الله؟

نعود إلى السيد هارفي فايرستون، صاحب الشركة، ورئيس مجلس إدارتها الذي علم أن شركة فرنسية اسمها ميشلان   Michelin جديدة أنتجت إطارات نصف قطرية على خلاف إطارات فايرستون، لم يندهش الرجل وكيف له أن يندهش وهو يعتلي القمة؟ ومن تكون شركة ميشلان لكي يضعها في الحسبان؟!

صحيح أن هارفي فايرستون، قائد الشركة، لم يتردد في إنتاج إطارات جديدة على غرار ميشلان، لكنه أصر على بقاء إنتاجه من الإطارات القديمة، وتحدى الجميع أن السوق مازالت في حاجة إلى منتجه القديم، وبينما يجادل قومه في صواب رأيه كانت شركة ميشلان تخترق السوق الأوربية والأمريكية واليابانية تحمل للعالم إطارات جديدة، نوعية، عمرها الافتراضي أطول، ناهيك عن سعرها الأقل.

ولأن القيادة وقعت في شرك نجاح قديم توافرت له مقومات اختفت في الوقت الراهن، فقد أمر القائد هارفي بتأجير مخازن يضع فيها إطاراته القديمة المكدسة والتي أصر على الاستمرار في إنتاجها مما كلف الشركة 400 مليون دولار في ذلك الوقت يعني مليار دولار بسعر 1999 وقت نشر هذه الدراسة. في النهاية تم الاستحواذ على الشركة من قبل شركة يابانية هي بريدجستون Bridgestone.

غرور القيادة واعتمادها على النجاح القديم وعدم قدرتها على تحليل المستجدات وقراءتها بتأن وروية والتواضع أمام النتائج يجعلها تصبح جزءا من التاريخ.

نكمل في الأسبوع المقبل إن شاء الله حكاية شركات أخرى غرَ قادتها نجاحها فكتبوا بأيديهم كلمة النهاية.
0
التعليقات (0)