كتاب عربي 21

الخيارات السيئة للإمارات في اليمن

ياسين التميمي
1300x600
1300x600
لا شيء يمكن أن يقنع المتابعين بأن ثمة دوافع نزيهة للإمارات وراء طلبها من الولايات المتحدة دعما لوجستيا في حرب محتملة ضد القاعدة، لم يحدد هذا البلد الخليجي أين ستكون ضمن خارطة اليمن المشتعلة أصلا.

المثير للقلق هو هذه الاستماتة الإماراتية في شيطنة فصيل من المقاومة لمجرد أنه محسوب على الحركة الإسلامية، لولا أنها تدرك أنها تتناغم تماما مع الأجندة الأمريكية التي ما تزال ترى في الحوثيين حليفا في اليمن، وتتغاضى عن صالح الذي ألحق الأذى بمصالح أمريكا بسبب سياسة اللعب بالأوراق والمتناقضات التي انتهجها طيلة فترة حكمه.

كانت أقوى ضربة تتلقاها الولايات المتحدة الأمريكية قبل الحادي عشر من فبراير، هي الهجوم على المدمرة (يو أس أس كول)، الذي وقع  في أكتوبر 2000، حينما كانت هذه المدمرة الأحدث في البحرية الأمريكية، تربض في ميناء عدن الذي يقع تحت السيطرة الأمنية للمخلوع صالح.

فقد حدث هذا الهجوم الإرهابي بعد ست سنوات من إحكام المخلوع صالح القبضة على الحكم إثر إقصائه شريكه في الوحدة، الحزب الاشتراكي اليمني، لكنه فتح المجال واسعا لتدخل أمريكي واسع النطاق في اليمن، كانت من أبرز مظاهره أن الأجواء اليمنية أصبحت مفتوحة أمام الطائرات الأمريكية.

وفي 2011، أسست القاعدة أول إمارة لها، بعد أيام من اندلاع الثورة الشعبية العارمة على نظام المخلوع صالح في معظم مدن البلاد، وتلقت إمارة أنصار الشريعة في أبين وشبوة أسلحتها وإمكانياتها الكاملة من أجهزة المخلوع صالح. في تلك الفترة زاد نشاط الحراك الجنوبي، إلى حد أن المخلوع وفر له ساحة كبيرة في المنصورة، يصول ويجول فيها كما يريد ويواجه القوات الأمنية وقوات الجيش ويسقط ضحايا في تلك المواجهات.

وعلى مقربة من تلك الساحة، كان صالح يعمل على بناء ملاذ آمن للعناصر المتطرفة المرتبطة بأجهزته، لاستخدامها في الوقت المناسب، وقد حان هذا الوقت بمجرد أن تم طرد القوات الموالية له من عدن على أيدي المقاومة والتحالف العربي في تموز/ يوليو 2015.

كان الحراك المرابط في ساحة المنصورة يتلقى الشعارات والأعلام الانفصالية، وصور الزعماء الانفصاليين من مصدر تابع لصالح في صنعاء هو التوجيه المعنوي للقوات المسلحة.

في مواجهة الموجة الأولى من الحراك، أنفق المخلوع صالح (56) مليار ريال، في شراء الولاءات داخل الجنوب، وفي بناء حراك مواز يتلقى أوامره من أجهزة صالح نفسها، وقد رأينا كيف استفاد صالح من هذا الحراك في تقويض مكاسب التحرير التي أنجزت بفضل تضحيات المقاومة والتحالف العربي.

لم يكن صالح على ما يبدو يخطط بمفرده، فثمة إسناد خارجي، هو الذي أبقاه قوة مؤثرة في الساحة اليمنية رغم أنه غادر السلطة صوريا.. تشكلت غرفة عمليات لإجهاض الربيع العربي في عاصمة خليجية معروفة بغلوها في العداء لمن يطلق عليهم" الإخوان المسلمين" هي أبو ظبي.

قام صالح بدور أساسي في الثورة المضادة التي تمت تحت واجهة مليشيا الحوثي، وكان هدف التحرك العسكري الذي بدأ من دماج وانتهى في عدن، هو القضاء التام على التجمع اليمني للإصلاح وبناه المادية والثقافية.

ورغم أن الحرب تمت تحت شعار محاربة "القاعدة" و"داعش"، إلا أن أول شيء نجحت الإمارات في تصفيته من عدن هم المقاومة المحسوبة على الإصلاح والسلفيين، بدليل أن "القاعدة" و"داعش" ومعها "الحراك الجنوبي" المرتبط بصالح والأجندة الخارجية، بقيا على حالهما.

وليس لدي من تفسير لبقاء هذه القوى الشريرة تقوض الحياة في العاصمة السياسية اليمنية المؤقتة عدن، سوى أن مهمتها لم تنجز بشكل كامل، وهي القضاء على المقاومة الحقيقية ورموزها، فقط لأنها مرتبطة بالإصلاح.

استفحل أمر هذه التشكيلات المسلحة التي كشفت أحدث تحقيقات الأمن في محافظة عدن، الذي يقوده اللواء شلال المعروف بارتباطه الوثيق بالإمارات، عن أن هذه التشكيلات تقف وراء كل أعمال التخريب في عدن، وجرى توصيف هذه التشكيلات بأنها تتبع "القاعدة" والمخلوع صالح، هكذا بكل وضوح.

خاضت القوات الأمنية بدعم من التحالف العربي معركة تحرير المنصورة، ثم انتقلت المعركة إلى الحوطة.. وعلى الإثر وزعت وكالة رويترز خبرا مفاده أن الإمارات طلبت دعما من الولايات المتحدة الأمريكية في معركة مواجهة القاعدة.

من الواضح أن القرارات الرئاسية التي أزاحت حليف الإمارات في السلطة الانتقالية خالد بحاح هي التي تأخذ الإمارات إلى بعض من أسوأ الخيارات في اليمن.

فالإمارات تتقدم بطلب إلى أمريكا من خارج سياق التحالف،الأمر الذي فسره بعض المراقبين على أنه يعكس رغبة الإمارات في خوض معركة موازية في اليمن، تعيد من خلالها إعادة تعيين الأهداف وفقا لأولوياتها السياسية والاقتصادية ربما.

قد تكون المكلا هي مساحة الاختبار الجغرافية واضحة المعالم التي يمكن محاربة القاعدة فيها دون أي خلط للأوراق، فهذه المدينة سلمتها الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للمخلوع صالح، كجزء من الضغط على التحالف وإحراجه أمام المجتمع الدولي.

ويمكن للإمارات أن تقود معركة تحرير المدينة بدعم من القوات المشتركة للتحالف، وبدعم لوجستي من الولايات المتحدة بطبيعة الحال.

إعلان الحرب على القاعدة، لا يجب أن يحدث أي نوع من الخلط في لائحة الأهداف، فنجد أنفسنا مثلا أمام سيناريو واسع النطاق لاستهداف المقاومة، وهناك مخاوف من أن تتحول المعركة الإعلامية التي تخوضها الإمارات ضد الإخوان المسلمين إلى معركة ميدانية، وهذه المرة تحت يافطة الحرب على القاعدة.

لقد ألحقت الإمارات، بطلبها دعما أمريكيا لمواجهة القاعدة، بشكل منفرد، ضررا بالغا بالتماسك الظاهري للتحالف العربي، وأظهرته أقل كفاءة في التعاطي مع التحديات متعددة الأبعاد، مع أن الجميع يدرك أن الحسم العسكري مع القاعدة أقل كلفة من مواجهة جيش متمرد كالذي تمثله قوات المخلوع صالح المتمردة ومليشيا الحوثي.

فقد دخل الجيش إلى المنصورة والحوطة في جنوب البلاد وانتهى أمر القاعدة هناك، لأن عناصر هذا التنظيم لا يمتلكون سلاحا ثقيلا وبإمكانهم أن يتحركوا كالرمال من مكان إلى آخر، ما يعني أن مواجهتهم لا تتطلب تحريك جيش بل تدعيم الدولة ومؤسساتها وخوض معركة وعي ثقافي مع الإرهاب، لحرمانه من الحاضنة الاجتماعية.
التعليقات (0)