مدونات

ازدواجية معايير الغرب.. بين تفجيرات بروكسل وتفجيرات إسطنبول

تأبين ضحايا هجمات بروكسل ـ أ ف ب
تأبين ضحايا هجمات بروكسل ـ أ ف ب
انتفضت وسائل الإعلام و مؤسسات صنع القرار الغربية على وقع هجمات بروكسل التي استهدفت في الثاني والعشرين من آذار/ مارس مطار "زافانتيم" ومحطة مترو "مايلبيك" في العاصمة البلجيكية مخلفةً أكثر من ثلاثين قتيلاً وعشرات الجرحى، وقد أعلن ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام مسؤوليته عن الهجمات. 

ارتفعت حالة التأهب القصوى في كافة المطارات الأوربية عقب التفجيرات. وصرح رئيس الوزراء البلجيكي "تشارلز ميشيل" لوسائل الإعلام آنذاك قائلاً: "لقد وقع ما كنا نخشاه.ضربتنا أيادي الإرهاب الأعمى... هذه لحظة مظلمة على شعبنا نحتاج فيها إلى المؤازرة و التحلي بالهدوء".

 وبالنظر إلى تصريحات المسئولين الأوربيين عقب الهجمات يتضح جلياً اعتبارهم الهجمات تهديداً خطيراً ليس لبلجيكا فحسب بل للدول الأوربية كافة. فقد سارع الرئيس الفرنسي " فرانسوا اولاند" بالتصريح قائلاً " ضرب الإرهابيون بروكسيل ولكنهم في الواقع ضربوا أوربا كلها وكافة الشعوب المتضررة من تلك العملية". أما الرئيس الأمريكي باراك اوباما - الذي تحدث من العاصمة الكوبية هافانا خلال زيارته التاريخية لكوبا- فدان الهجمات ووعد قائلاً "سنبذل كل ما في وسعنا لدعم أصدقائنا وحلفائنا في القبض على المسئولين عن تلك الهجمات وتقديمهم للعدالة". كما اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الهجمات دليلاً على " أن الإرهاب لا يتقيد بالحدود بين الدول و إنما يلاحق البشرية في أي مكان في العالم". أما رئيس الأركان في حكومة المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل، بيتر التمير فقد دعا في تغريدة له إلى التضامن مع الشعب البلجيكي مؤكدا أن "الإرهاب لن يفوز".

بينما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات زعماء العالم بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ومرشحي الرئاسة في الولايات المتحدة من امثال دونالد ترامب و تيد كروز، فضلاً عن مشاهير ومنظمات وهيئات أوربية معبرين عن صدمتهم وتعازيهم للشعب البلجيكي.

ولم تزل تتباكى وسائل الإعلام الغربية من خلال متابعاتها الحثيثة للصدمة وأبعادها السياسية والاقتصادية على بلجيكا وأوربا. وكثفت المؤسسات الأمنية و الإستخباراتية في الدول الأوربية التعاون فيما بينها وتدابيرها الاحترازية للتصدي لمثل هذه الهجمات. ويبدو أن الهاجس الأمني - الذي بدأ في أوربا مع تفجيرات محطة قطارات " اتوشا رينفي " في مدريد / اسبانيا في مارس عام 2004 - وتفاقم بعد مقتل 130 شخصاً في هجمات باريس في الثالث عشر من نوفمبر تشرين الثاني الماضي، بلغ ذروته بعد تفجيرات بروكسل.

ضرب امن أوربا واستقرارها بتفجيرات دموية مرتين خلال أربعة أشهر في عاصمتين أوربيتين، الأولى مدينة النور ومهد الحرية باريس والثانية في بروكسيل معقل مؤسسات الاتحاد الأوربي و حلف الناتو يقدم مسوغاً لحكومات الدول الأوربية لبذل كل ما في وسعها لمواجهة التهديدات المحدقة بها. فالمعهود أن هذه الحكومات - خاصة حكومات الأحزاب اليمينية منها - تتخذ مثل هذه الأحداث ذرائع أمام شعوبها لتبرير ضخ مزيد من أموال الضرائب لشن مزيد من الهجمات العسكرية في إطار الصراعات المستعرة في منطقة الشرق الأوسط. 

وفي سياق مقولة " مصائب قوم عند قوم فوائد " فان الخاسر الأول من هذه التفجيرات هم المسلمون الموجودون في أوربا، فالتخوف الحالي لديهم هو تفاقم ظاهرة الاسلاموفوبيا والتحامل على المسلمين المقيمين هناك على خلفية تلك الهجمات، والأسوأ من ذلك هو وضع اللاجئين السوريين والعالقين منهم على الحدود بين دول أوربا الشرقية، التي شددت إجراءات الحد من تدفق اللاجئين ومنعهم من المرور عبر أراضيها بل وترحيل بعضهم إلى حيث جاءوا.

لكن في المقابل كشفت سبعة تفجيرات إرهابية - استهدفت اسطنبول و أنقرة وديار بكر ومحافظة ماردين على الحدود السورية منذ يوليو تموز الماضي وحتى ابريل الجاري أوقعت عشرات القتلى والجرحى بينهم سياح أوربيون - كشفت النقاب عن ازدواجية المعايير الغربية تجاه تركيا- ذي الأغلبية المسلمة حكومة وشعباً- فالتفجيرات كانت الأعنف في تركيا منذ الحرب العالمية الثانية وضربت الاقتصاد التركي في الصميم فتراجع تصنيف تركيا سياحيا – التي كانت تستوعب قرابة 35 مليون سائح سنوياً - وكان كل من حزب العمال الكردستاني المعارض ( المصنف دولياً تنظيماً إرهابياً ) و ما يُعرف بتنظيم الدولة في العراق والشام هما المسئولان عن تلك الهجمات.

وان كان الإرهاب الذي ضرب بلجيكا هو نفسه الذي ضرب تركيا فلماذا لم تحُز تركيا على نفس القدر من الاهتمام الإعلامي والرسمي دولياً مثلما حازت عليه بلجيكا وقبلها فرنسا مثلاً؟!. هل لأن بعض النخب السياسية الأوربية تنظر إلى تركيا على أنها دخيلة على أوربا، أم لأن لاتحاد الأوربي لم يزل رافضاً انضمام تركيا إليه وخصوصاً ألمانيا منذ بداية مفاوضات ضم تركيا إلى الاتحاد الأوربي عام 2005.

ليس ذلك فحسب بل إن تفوق حزب العدالة والتنمية في تركيا على مستوى السياسات الخارجية لحكومته والتقدم الاقتصادي خلال فترات ولايتها المتتالية وحتى الفوز الساحق للحزب في الانتخابات التشريعية الأخيرة في نوفمبر تشرين الثاني الماضي لم ترق للغرب الذي تتربص آلاته الإعلامية بأي هفوة للحكومة التركية: كالتهويل الإعلامي الذي تبرزه صحف " مثل الجارديان" البريطانية وال" واشنطن بوست" الأمريكية لمسألة تصدي الأمن التركي للمعارضة والحركات الانفصالية كحزب العمال الكردستاني وجماعة نسور الحرية الإرهابية واعتقال الأمن التركي نشطاء وصحفيين. 

 النزاع التركي – اليوناني على بعض الجزر ورفض تركيا التفاوض بشأن إقليم شمال قبرص واعتباره ضمن الأقاليم التابعة لتركيا وعدم اعترافها بما يُعرف بمجازر الأرمن عام 1915، والتخوف من الثقل السكاني الإسلامي التركي، وتشديد القبضة الأمنية التركية ضد حركات التمرد الكردية، كل هذه العوامل قد تحول دون قبول صناع القرار الأوربيين تركيا شريكا في الاتحاد الأوربي ولكن المبادئ لا تٌجزأ، فتركيا حليف لا غنى عنه في الحرب على الإرهاب في المنطقة و الإرهاب إرهاب أينما كان والضحايا ضحايا أياً كانوا والألم الذي ذاقته أوربا يوما واحدا تذوقه شعوب الشرق الأوسط كل يوم.
 
0
التعليقات (0)