ملفات وتقارير

"سلفيون جهاديون" أردنيون في سوريا ممنوعون من العودة

يعرض من يرجع من القتال في سوريا من الأردنيين على محاكم أمن الدولة - أ ف ب
يعرض من يرجع من القتال في سوريا من الأردنيين على محاكم أمن الدولة - أ ف ب
طالبت عائلات جهاديين أردنيين في سوريا السلطات الأردنية السماح لأبنائهم وعائلاتهم بالعودة إلى المملكة، بعد أن قرروا التراجع عن الانضمام إلى الفصائل المسلحة داخل سوريا والمشاركة في القتال.
 
من جهته، قال القيادي في التيار السلفي الجهادي الأردني، محمد شلبي، المعروف بـ"أبي سياف" لـ"عربي21" إن "ما يقارب 15 عائلة أردنية عالقة على الحدود الأردنية السورية قررت العودة إلى المملكة، بعد أن شاركت في الحرب الدائرة في سوريا".
 
وبيّن أن "هذه العائلات من أصل ما يقارب 2500 مقاتل أردني توجهوا إلى سوريا منذ اندلاع الأزمة عام 2011، بعض منهم اصطحب أطفاله للقتال إلى جانب جبهة النصرة".
 
وأكد أبو سياف أن "السلطات الأردنية تمنع هذه العائلات من دخول أراضي المملكة".
 
الحكومة الأردنية تنفي
 
في المقابل، نفت الحكومة الأردنية ،على لسان الناطق باسمها وزير الإعلام الأردني محمد المومني، منع أي مواطن أردني من العودة إلى المملكة، قائلا إن "السلطات الأردنية لا تمانع دخولهم إلى المملكة، شريطة إحالتهم الى محكمة أمن الدولة، تمهيدا لمحاكمتهم، وفقا لقانون منع الإرهاب".
 
وقال المومني في مؤتمر صحفي إن "الإجراء المعتاد مع عودة مقاتلين أردنيين من سوريا هو تسليمهم لنيابة أمن الدولة، التي تحيلهم بدورها إلى محكمة أمن الدولة بتهمتي التسلل من وإلى المملكة، والالتحاق بجماعات إرهابية".
 
واتخذت السلطات الأردنية قرارا أمنيا غير معلن عام 2014 بمنع عودة أي مقاتل أردني اشترك في عمليات القتال في سوريا، خصوصا "بعد اكتسابهم الخبرات القتالية اللازمة"، وفق ما قاله مصدر أمني لـ"عربي21".
 
ومن بين العائلات العالقة على الحدود الأردنية الشمالية، عائلة مكونة من زوجين وثلاثة أطفال، ويدعى رب العائلة مفيد شعبان، وهو يسكن شمال المملكة الأردنية، وتوجه للقتال في سوريا إلى جانب جبهة النصرة قبل عام ونصف، إلا أنه قرر العودة.
 
وقال شقيق زوجته محمد الزكارنة لـ"عربي21" إن "السلطات الأردنية تمنع عائلة شقيقته وزوجها من دخول الأراضي الأردنية، بعد أن اعتزلوا القتال هناك، حيث وصلت العائلة الأسبوع الماضي إلى الحدود الأردنية السورية، إلا أن السلطات الأردنية منعتهم من العبور، وطلبت منهم الحصول على موافقة أمنية من جهاز المخابرات العامة، إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك، لتبقى العائلة عالقة على الحدود بين البلدين".
 
الدستور الأردني يمنع إبعاد أي أردني
 
حقوقيا، يرى رئيس جمعية جذور لحقوق الإنسان، الدكتور فوزي السمهوري، أن "قرار منع الجهاديين من العودة يعدّ انتهاكا للحق الدستوري والإنساني للمواطنين، حيث كفل الدستور الأردني للمواطن حق عدم الإبعاد، وينص على عدم إبعاد أي مواطن أردني من أراضي الممكلة.

وكفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لكل مواطن مغادرة بلده والعودة إليه متى شاء، وهذا الحق مكفول أيضا بالعهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية".
 
وتنص المادة التاسعة من الدستور الأردني على أنه "لا يجوز إبعاد أي مواطن أردني من ديار المملكة، ولا يجوز أن يحظر على أردني الإقامة في جهة ما أو يمنع من التنقل، ولا يلزم بالإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة في القانون".
 
وقال السمهوري الذي يرأس الجمعية الحقوقية "جذور"، ومقرها في عمان، لـ"عربي21": "مهما كان السبب، لا يجوز لأي حكومة أن تمنع مواطنيها في حال عودتهم من دخول أراضيها، وفي حال ارتكابه لجريمة يجوز محاسبته وتقديمه للقضاء".
 
السجن مصير من يسمح له بالعودة
 
قام الأردن بتعديل قانون منع الإرهاب عام 2014، ليجرم الالتحاق أو محاولة الالتحاق بأي جماعة مسلحة أو تنظيمات إرهابية، أو تجنيد أو محاولة تجنيد أشخاص للالتحاق بها، وتدريبهم لهذه الغاية، سواء داخل المملكة أو خارجها.
 
وقامت السلطات الأردنية بسجن كل شخص سُمح له بالعودة من سوريا، أو دخل الحدود بطريقة غير شرعية، وإحالتهم إلى محكمة أمن الدولة، استنادا لقانون منع الإرهاب، ويقبع في سجن موقر 2 ما يقارب 11 موقفا على خلفية المشاركة بالقتال في سوريا.
 
ونظم أهالي العائدين من القتال في سوريا مؤخرا سلسلة اعتصامات أمام مبنى المخابرات العامة، ومبنى المحافظة في مدينة معان، للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، حيث تعدّ مدينة معان (210 كم جنوب العاصمة) من أكثر المدن الأردنية التي صدّرت مقاتلين جهاديين إلى سوريا، أغلبهم التحق بجبهة النصرة في الجنوب السوري.
 
وفقد رئيس غرفة تجارة معان، عبد الله صلاح، ابنه علي 18 عاما في القتال الدائر في سوريا، بعد أن توجه الشاب "لنصرة الشعب السوري"، كما يقول والده الذي يؤكد أن ابنه علي "لم يكن منخرطا في التيار السلفي الجهادي، فقد كان يشاهد مباريات كرة القديم بين برشلونة وريال مدريد"، على حد قوله.
 
بينما استطاع صلاح، من خلال التنسيق مع القوات المسلحة الأردنية، إعادة نجله المهندس أحمد الذي شارك هو الآخر في عمليات الإسعاف تحت راية جبهة النصرة. 

وقال صلاح لـ"عربي21": "بعد عودة ابني المهندس أحمد قامت السلطات الأردنية بسجنه وإحالته لمحكمة أمن الدولة في سجن الموقر 2، على الرغم من أنه لا يشكل أي خطر على الأردن، ولا يملك أي سجل قضائي"، وفق قوله.

ويستغرب صلاح أن "تقوم الحكومة الأردنية -كما أعلنت- بتدريب مقاتلين سوريين معارضين وإرسالهم إلى سوريا، والوقت ذاته تعتقل العائدين الأردنيين، وتزجهم في السجون الانفرادية، إلى جانب معاملتهم بطريقة مهينة".
 
وجرم قانون منع الإرهاب الأردني أيضا "تقديم الأموال أو إدارتها بأي وسيلة مباشرة أو غير مباشرة بقصد استخدامها لارتكاب عمل إرهابي، أو تمويل الإرهابيين، سواء وقع العمل أم لم يقع داخل المملكة أو خارجها".
 
لا برامج لإدماج العائدين من جبهات القتال
 
يرى الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، أن "السطات الأردنية تتعامل مع ملف العائدين من القتال في سوريا بمقاربة أمنية استخبارية عسكرية، ولا تنفذ برامج اجتماعية ثقافية لدمج العائدين في المجتمع، كتلك التي ولدت في دول عديدة، حيث يتعامل الأردن مع العائدين وفق قانون محاربة الإرهاب".
 
ويقدر أبو هنية في حديث لـ"عربي21" أعداد الأردنيين في سوريا "بما يقارب 2000 مقاتل، 400 منهم منتسبون لجبهة النصرة في درعا، ومنهم قيادات بارزة وشرعيون مثل سامي العريدي وبأنس الصحابة، بينما يتوزع الباقون على الفصائل والتنظيمات الأخرى، من بينها تنظيم الدولة الإسلامية".
 
وبحسب الخبير أبو هنية، "ولّد تأخر الحل في سوريا قناعة لدى الأردن أن سوريا دخت نادي الأزمات التي لا حل لها؛ ما جعل المملكة تتخوف من تكرار الارتدادات، خصوصا في ظل تجربة عودة الجهاديين من أفغانستان عام 1989، حيث ظهرت في الأردن حركات جهادية مثل جيش محمد وبيعة الإمام، تبعها عودة الجهاديين من العراق عام 2003، الأمر الذي ولد خشية من تشكيل خلايا ومجاميع داخل الأردن".
 
وبحسب دراسات متخصصة في الحركات الجهادية في الأردن، تشكل الفترة بين عامي 1990 - 2003 فترة التأسيس للتيار السلفي الجهادي الأردني، حيث بدأ "الجهاديون" بالعودة من أفغانستان والعراق، مسلحين بأيديولوجيا السلفية الجهادية.

ودخلت المملكة في حالة صدام مع التيار السلفي الجهادي، بعد فترة حرب العراق التي تصدر مشهدها الأردني أبو مصعب الزرقاوي، المسؤول عن تفجيرات فنادق عمان عام 2005، لتلاحق الأجهزة الأمنية منتسبي التيار تحت تهم الإرهاب.
 
ليعود مشهد آخر يشابه التجربة الأفغانية في سوريا، ويتوافد المئات من الأردنيين للقتال في سوريا. جزء كبير منهم اكتسب خبرة القتال في ميدان المعركة هناك.
التعليقات (0)