مقالات مختارة

في اللحظة الراهنة!

محمد أبو رمان
1300x600
1300x600
كتب محمد أبو رمان: شهدت الأيام الماضية تحولات هائلة وجذرية في المشهد الإقليمي. تمثل التحوّل الأول في الاتفاق النووي الإيراني-الأمريكي؛ فيما يتمثل الثاني في الانقلاب في علاقة تركيا بتنظيم "داعش"، وكان الثالث استقبال الملك السعودي لخالد مشعل، وإعادة الهيكلة التي تقوم بها السعودية لمقاربتها الخارجية، وتحديدا مع حركات الإسلام السياسي، وهي التي بدأت تأخذ مسارا واقعيا عبر العلاقة مع حركة حماس، وفي سياق ذلك جهود خالد مشعل في إيجاد حلول لحالة الاستقطاب السياسي والتخندق العربي الداخلية.

يبدو صانع القرار الأردني هادئا صامتا، وهو يتابع هذه التحولات المحيطة، التي تحمل في داخلها بذورا لإرهاصات إعادة بناء المقاربة الأردنية الإقليمية. فمن جهة، هناك تطوّر إيجابي في علاقة الأردن بالأتراك، بعد التحول التركي الأخير، وثمّة تسريبات عن تعاون الدولتين مع السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة "داعش" وحصاره.

ومن المعروف بأنّ العلاقات الأردنية-التركية كانت -وما تزال- تمرّ بتوترات غير رسمية، بسبب اختلاف رؤية الدولتين لكثير من الملفات الإقليمية، وفي مقدمتها الموقف من "الربيع العربي" وحركات الإسلام السياسي، والاتهام الأردني -غير الرسمي أيضا- لتركيا بأنّها تدعم "داعش" سرّا. وهذه المواقف المتضاربة هي التي خلقت حالة من الاستقطاب الإقليمي بين معسكرين؛ الأول هو التركي-القطري والإخواني، أمّا الثاني فيتمثل في المعسكر المحافظ العربي (السعودية، والأردن، ومصر، والإمارات).

قواعد اللعبة الإقليمية بدأت بالتحرّك والتغيّر مع النخبة الحاكمة الجديدة في السعودية، بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز، ثم أخذت مدى واسعا بالتقارب التركي-السعودي. وبدأت الاختلافات تدب في أوساط المعسكر المحافظ بسبب الموقف من عاصفة الحزم. لكن التحولات الأخيرة أدت -بدورها- إلى لحظة جديدة، وإلى التخلص من إحدى نقاط الخلاف الكبيرة بين الأردن وتركيا حول الموقف من "داعش"، الذي يعتبره الأردن المصدر الأول لتهديد الأمن الوطني!

بالرغم من ذلك، تبقى هناك تناقضات جوهرية بين الأردن والأتراك، بالإضافة إلى وجود عدم تناغم شخصي بين النخب القيادية في الدولتين، في مقدمتها الموقف من الإسلام السياسي. لكنّ معضلة الأردن تتمثل اليوم في التحول السعودي تجاه هذه الحركات، وتخلّص السعودية من المقاربة الكارثية التي كانت تستعدي الحركات الإسلامية كافّة، وتصنّفها في خانة الإرهاب، تبعا للانقلاب العسكري في مصر.

هل سيعيد الأردن تقييمه لمقاربته تجاه الإسلام السياسي، سيرا على الخطّ السعودي الجديد؛ أم سيصرّ على المقاربة القديمة، بما يكشف الفجوات الكبيرة في المعسكر المحافظ العربي، وتحديدا بين السعودية من جهة، والأردن ومصر والإمارات من جهة أخرى؟!

المفارقة في هذه التحولات الجديدة تتمثل في أنّ الأردن هو الدولة العربية التي حافظت على معادلة داخلية تحتضن الحركات الإسلامية وتحتويها بذكاء، ما وفّر شروطا أفضل بكثير من الدول العربية الأخرى؛ فيما يبدو اليوم غارقا في صدام سياسي مع الإسلاميين، يصعب العودة عنه بعد خطوات إلى وراء، بخاصة بعد قيام الدولة بشق الإخوان داخليا واستئصال الوجود القانوني للجماعة!

ما تزال مدخلات بناء المقاربة الأردنية الجديدة غير مكتملة بعد؛ فالعلاقة مع السعودية -بالرغم من التطمينات الدبلوماسية والتصريحات الرومانسية لوزيري خارجية البلدين- ضبابية. والطرفان يحملان عتبا متبادلا، وتباينات في المقاربة الإقليمية. وفي الأثناء، ينتظر الأردن الترجمة الإقليمية للاتفاق النووي الإيراني-الأمريكي!

ما هو أهم من هذا وذاك، أن الأردن ما يزال ينتظر تفسيرا مقنعا مقبولا لهذا "الشحّ" في المساعدات الخليجية للاقتصاد الأردني، والشعور بالنكران لدور الأردن الإقليمي، بالرغم من الصعوبات المالية الكبرى التي نواجهها، مقارنة بالحجم الكبير من المساعدات لمصر واليمن، التي لو قدّمت للأردن لكانت مفتاحا ذهبيا لحل أزماتنا المؤرقة!

(عن صحيفة الغد الأدرنية 27 تموز/ يوليو 2015)
التعليقات (0)