صحافة دولية

فورين بوليسي: السيسي ديكتاتور في أزمة

فورين بوليسي: سياسة السيسي القمعية لن تعالج مشكلات مصر الكبيرة وستقودها إلى أوضاع أسوأ - أرشيفية
فورين بوليسي: سياسة السيسي القمعية لن تعالج مشكلات مصر الكبيرة وستقودها إلى أوضاع أسوأ - أرشيفية
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لثاناسيس كامبانيس، قال فيه إن أحكام الإعدام التي صدرت في مصر نهاية الأسبوع، والتي ووجهت من الحكومات الغربية بالصمت، تشير إلى أن عبد الفتاح السيسي وصل إلى ائتلاف حكم يدفعه من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة تكريس السلطة على المدى الطويل.

ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "عربي21"، إلى أنه في خضم الأحكام بالإعدام، التي طالت مئات المتهمين من أكاديميين وأعضاء في الإخوان المسلمين، وحتى الرئيس المصري الوحيد المنتخب، محمد مرسي، فإن هناك أدلة تشير إلى أن عبد الفتاح السيسي استطاع صياغة معادلة يقوم من خلالها بحكم مصر، وقد يكون محكوما على هذه المعادلة بالفشل على المدى الطويل، ولكن المدى الطويل قد يطول فعلا.

وتبين المجلة أن أجندة الحكم اليوم في مصر تقوم على ثلاثة أمور: محاربة الإرهاب والمعارضة، واستمرار تدفق المساعدات من الملكيات السنية في الخليج، وإصلاحات اقتصادية طفيفة تعطي الشعور بأن هناك نفسا إيجابيا.

ويلفت كامبانيس إلى أن موضوع "الحرب على الإرهاب" سيلقى صدى في الشارع المصري لفترة طويلة، حيث انتشرت الهجمات الجهادية التي تمت بعد عزل مرسي في تموز/ يوليو 2013، على شكل واسع. وبحسب تقرير حكومي العام الماضي، فإن عدد ضحايا تلك الهجمات وصل إلى700 هجمة، ومنذ ذلك التقرير وقعت عشرات الهجمات التي استهدفت قوات الأمن والمنشآت الحكومية بشكل رئيس. 

ويوضح التقرير أن الشعب ممتعض من مهاجمة الشرطة والجيش والمؤسسات الحكومية الأخرى، وحتى معظم مؤيدي مرسي من الإخوان يشجبون تلك الهجمات وأساليبها الإرهابية. ولكن الحرب على الإرهاب وحدها قد لا تكون كافية، ولكنها تساعد في الإبقاء على درجة من التأييد الفاتر للسيسي والجيش.

وتنوه المجلة إلى أن الحكومة المصرية قامت في حربها على الإرهاب بخلط الأوراق، فجعلت الإخوان المسلمين وأنصار بيت المقدس في سلة واحدة، فعادلت بين المعارضة بالتفجير والقتل. وقال السيسي لصحيفة "واشنطن بوست": "الإخوان المسلمون هي الجماعة الأم للعقائد المتطرفة.. إنهم عرابو المنظمات الإرهابية كلها، وهم يقومون بنشرها في أنحاء العالم كله".

ويقول الكاتب إن السيسي قد يكون حقيقة يعتقد أن التوجه الإسلامي عامة هو المسؤول عن الهجمات الأخيرة، وربما قام بحسبها بخبث بأن موجة العنف تعطيه الفرصة للقضاء على المعارضة الإسلامية الرئيسة تحت غطاء محاربة التمرد.

ويورد التقرير أن الحرب ضد الإسلاميين منحت السيسي شيئا من الشرعية، ولكنها ليست هي ما جلبه للسلطة، ولكن ليفعل ذلك اعتمد على مساعدات الخليج المالية له، وكان ذلك طلبا مقدما قبل القيام بالانقلاب، الذي أطاح بمرسي، كما برز في التسجيلات المسربة من مكتب السيسي، حيث سُمع صوت يشبه صوت السيسي يقول: "يا راجل الفلوس عندهم زي الرز عندنا".

ويرى كامبانيس أن هذا التصرف قد يبدو إجراميا، إلا أنه يعكس دهاء سياسيا، فليس من الصعب على الخليج أن يقدم لمصر عشرة مليارات دولار في العام، للحصول على حليف يعتمد عليه في القاهرة. فمصر بالكاد تستطيع توفير كفايتها من الوقود والأساسيات الغذائية لإبقاء الهدوء بين الفقراء. ودون مساعدات من الخليج فإن انقطاعات الكهرباء في الصيف ستتفاقم لتصبح انقطاعات طويلة الأمد. ولدى حكام مصر تاريخيا خوف من "ثورة الجياع"، إذا تدهورت أحوال الفقراء الكثيرين في البلاد.

وتذكر المجلة أن الإصلاحات الاقتصادية صعبة للغاية، فمن الواضح أنه بطرق السيسي الديكتاتورية والدائرة الضيقة من المحابين فلن يكون لديهم مشروع حكم إبداعي، ولكن بينما الإصلاحات المهمة غير واردة سيكون هناك بعض التحسينات المتفرقة، مثل تحسين في نظام الدعم قد يساعد على المدى المتوسط. وتبقى المشاريع المعلنة مثل مشروع الصحراء خارج القاهرة استعراضية، وتعطي انطباعا بأن البلد في حالة تقدم.

ويفترض التقرير أنه في حال نجاح بعض هذه المشاريع، فإن السيسي سيحصل على الدعم القوي من بعض الجهات، فطبقة رجال الأعمال والطبقة الوسطى ذات الفعالية السياسية بقيت مع السيسي أو قريبة منه، وهي بالتأكيد ستستفيد من المشاريع الإنشائية، كما أن الجيش سيؤدي دورا مهما في أي مشاريع إنشائية، وإن تم توزيع الفوائد الناتجة عن المشاريع والسكن بحكمة، فسيتم تحييد بعض واحات المعارضة السياسية، مثل عمال المصانع في قناة السويس ودلتا النيل.

ويستدرك الكاتب بأن الاستقرار على المدى المتوسط لنظام السيسي سيقود إلى المزيد من المشكلات على المدى الأبعد. وسياسة السيسي القمعية لن تعالج مشكلات البلد الكبيرة، وستقود مصر إلى أوضاع أسوأ من تلك التي دفعت بالشعب للثورة ضد مبارك في شهر كانون الثاني/ يناير 2011. 

وتشير المجلة إلى أن الأحداث الأخيرة تعكس قلق السيسي، مثل منع نوادي الألتراس، والحكم غيابيا على أستاذ العلوم السياسي عماد شاهين في المنفى، حيث علق الأستاذ على الحكم قائلا إن هذه الأحكام تشكل محور جهود السيسي "لإعادة بناء الدولة الأمنية وتخويف المعارضين كلهم".

ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن شكل المحاكمات يطابق الصورة، فإن قامت الحكومة بإلقاء شبكة عريضة بما فيه الكفاية لتتسع لمعارضيها كلهم، فلن يكون هناك خوف من الاتحادات الطلابية أو أساتذة الجامعات الناقدين؛ لأن معظم الشعب المصري سيكون تم إسكاته بالتخويف.

ويعتقد كامبانيس أن سياسة السيسي القلقة هي نتاج رؤية من الأجهزة الأمنية، التي توحدت للقيام بحملة ضد المعارضة السياسية كلها، وتعاونت في ذلك الشرطة العسكرية والمخابرات والمحاكم لتنفيذ رؤية الحكومة السياسية، وهو إنجاز بيروقراطي كبير، ولكنه لا يخدم الإصلاحات الديمقراطية.

وتستدرك المجلة بأن أسلوب حكم الديكتاتور الجديد سيكون ساما لمصر على المدى الطويل، فضمان تعاون البيروقراطيات المقسمة ليس شبيها بالسيطرة عليها؛ فالسيسي وجد المحاكم إلى جانبه في تناغم ولكن على حساب سمعتها، حيث ظهر أن المحاكم حرضت على الحكم العسكري بحلها البرلمان المنتخب شرعيا بحجج واهية، ومنع المرشحين الرئاسيين ذوي الشعبية، وقام بالمصادقة على قوانين تخدم العسكر.

ويتوصل التقرير إلى أنه نتيجة لهذه المكائد فلن يستطيع أحد أخذ القضاء بجدية، ولن يستطيع حاكم في المستقبل، حتى لو كان ديكتاتوريا، أن يعيد شكلا من أشكال حكم القانون دون عملية بناء ضخمة وصعبة، وقد تفاقم الوضع أكثر بتعيين أحمد الزند وزيرا للعدل، وكان رئيس نادي القضاة صرح لقناة تلفزيونية بأن القضاة "أسياد في بلدنا والبقية عبيد".

ويؤكد الكاتب أن الجيش، الذي مهد طريق السيسي إلى سدة الحكم، يبقى هو الملجأ الرئيس له، ولكن لا يوجد دليل على أنه في حالة أزمة، مثل انهيار الاقتصاد أو ثورة شعبية، بأن الجنرالات سيضحون بامتيازاتهم لحماية السيسي. 

وتجد المجلة أن الإبقاء على السلطة يتطلب لعب السياسة حتى من الحاكم الديكتاتوري لإرضاء المؤسسات الرئيسة التي تدعمه. وتحت حكم الديكتاتور السابق حسني مبارك كان على الجيش أن يتنافس مع الشرطة والمخابرات ودائرة التجار الكبار حول العائلة الحاكمة؛ للحصول على امتيازاتها.

واليوم يملك الجيش سلطة غير محدودة، وغالبا ما تؤدي إلى مزيد من الفساد، وعدم المساءلة، والفشل في القيام بالأساسيات التي تتطلبها الدولة، وهذا الفشل بدوره سينعكس سلبا على "الحرب على الإرهاب"، التي يبني السيسي شرعيته عليها.

ويتابع التقرير بأن السيسي يواجه خطرين ليسا من صنعه تماما، وهما صعوبة المحافظة على موازنة وطنية معقولة، حيث الدعم مكلف جدا وصعب إلغاؤه، وتزايد البطالة وشح مياه الزراعة.

ويستنتج كامبانيس أن أي إصلاحات اقتصادية ستعتمد على الضغط الخارجي، وهذه لم تنجح عندما كانت الولايات المتحدة هي الممول الرئيس، فقد يستطيع المستشارون الاقتصاديون من الإمارات أن ينجحوا بتطبيق إجراءات أفضل في الوزارات والمكاتب الحكومية، التي امتصت ما يزيد على 32 مليار دولار من أموال دول الخليج منذ انقلاب السيسي، فإن لم تكن تلك المبالغ كافية لشراء نفوذ سياسي وفرض إجراءات اقتصادية صحيحة، فلن تستطيع أي مبالغ أجنبية فعل ذلك.

وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن النظام الجديد غير قادر على التعامل مع تلك التحديات، ولكن التاريخ يقول إن سوء الإدارة قد يستمر طويلا، فأخطر ما يواجه مصر هو أن يستمر السيسي في تخبطه، ومع أن هناك تصدعات في نظامه، إلا أنه يحتاج فقط ما يكفي من السلطة محليا، وغض الطرف دوليا عن الغضب الشعبي المصري، المطالب بالحقوق والإصلاح الاقتصادي للبقاء في الحكم.
التعليقات (2)
عربى
الثلاثاء، 26-05-2015 11:28 ص
اعتقد والله اعلم ان نهاية السيسى ستكون نهاية دراماتيكية سوداء لن ينساها العالم على مر التاريخ
سيدسلطان
الثلاثاء، 26-05-2015 08:12 ص
هذه المجلة معروف توجهاتها انها تعبر عن طرح او ما تريد الدوائر الاستخباراتية ترويها للناس

خبر عاجل