كتاب عربي 21

السيسي يحسم خياراته: "مبسوط يا عبد الله"؟!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
لا أخفي سعادتي باختيار "أحمد الزند" وزيراً للعدل في سلطة الانقلاب؛ ذلك بأن هذا الاختيار معناه أن اللعب صار على المكشوف، قد علم كل أناسٍ مشربهم!.

فهو اختيار صادف أهله، وعندما يصبح "عبد الفتاح السيسي" وهو من إفراز الاختيار الحر المباشر لحسني مبارك، رئيساً للدولة، و"إبراهيم محلب"، عضو لجنة السياسات برئاسة مبارك الابن، رئيساً للحكومة، فإنه يصبح من الطبيعي أن يكون "الزند" وزيراً للعدل، وهو رجل النظام الذي أسقطت ثورة يناير رأسه، فعاد من جديد على يد "السيسي" بالانقلاب العسكري الذي جرى في 3 يوليو، والذي منحه "أولادي المغرر بهم" غطاءً ثورياً، بمشاركتهم في مهرجان 30 يونيو.

"الزند" هو ممثل لدولة مبارك في القضاء، وبعيداً عن تحقيقات، تم حفظها، جرى فيها اتهامه بالفساد المالي، وبعيداً عن أنه كان ضد الحكم المنتخب، وشارك في عملية الانقلاب عليه، فالرجل جاء إلى موقعه رئيساً لنادي القضاة، عندما احتشدت دولة مبارك، في معركة إسقاط تيار الاستقلال في انتخابات النادي، بعد أن قاد هذا التيار انتفاضة القضاة التاريخية، التي طالبت باستقلال القضاء، ورفض الإشراف المنقوص على الانتخابات العامة، على نحو دفع نظام مبارك للعب "على المكشوف" وتعديل الدستور والقانون بما يلغي عملية الإشراف القضائي والعودة إلى زمن "إشراف الموظفين"، لتكون انتخابات مجلس الشعب التي جرت بعد ذلك في سنة 2010 بمثابة المسمار الذي دق في نعش نظام مبارك!.

خاض "الزند" الانتخابات على رئاسة نادي القضاة، وقدم له كل الدعم الحكومي، ليسقط تيار الاستقلال المعادي لنظام مبارك، وتمكن من النجاح، في انتخابات استشعر فيها قضاة الاستقلال أنها حرب تكسير العظام، في مواجهة "مرشح السلطة"!.

وقد قامت ثورة يناير، فلم تتحرش بـ "الزند" الذي تحرش بها، باعتباره يمثل الدولة العميقة، وبدون أن يقترب أحد من رحابه، أعلن أن أحدًا لن يوقف "الزحف المقدس". يقصد بذلك توريث العمل القضائي، وكان في هذا يتحدى ثورة رفعت شعارات "العدالة الاجتماعية"، وقفت ضد توريث الحكم. وقد استفاد "الزند"، ووالده يعمل في مهنة تندرج في أدنى السلم الاجتماعي هي "الحلاقة"، من شعار "العدالة الاجتماعية" الذي رفعته ثورة يوليو 1952، ليصبح قاضيًا، وبعد أن استقرت هذه الطبقة الدنيا في السلم الاجتماعي الأعلى، جاءت لتنتحل صفة طبقة الإقطاع، التي عمل جمال عبد الناصر كل جهده من أجل القضاء عليها، ومن بين هذا الجهد المبذول هو تمكين البسطاء وأبنائهم من انتحال صفة من يمثلون هذه الطبقة!.

كانت هذه قسمة "الزند"  في ما يملك، في دفاعه عن نظام مبارك، بعد تنحي رأسه، وفي وقت كان كل المنتمين لهذا النظام يتقربون للثورة بالنوافل، بمن فيهم "عبد الفتاح السيسي" نفسه، وهو عضو المجلس العسكري، ومدير المخابرات الحربية. وللتذكرة: فلم يكن السيسي قد شغل هذا الموقع بالأقدمية، أو بالانتخاب، ولكن شغله بالاختيار الحر المباشر للرئيس المخلوع!.

لم يدر نظام الرئيس "محمد مرسي"، الملف القضائي بكفاءة، فبدلاً من أن يعتبر أن الذين قادوا انتفاضة القضاة وشاركوا فيها، هم جزء من الثورة، فيسعى إليهم، دفع بهم دفعاً، لتكوين تحالف مع "الزند" ضده، عندما ظن هذا النظام أن الأزمة مع القضاة يمكنها أن تحل بقانون يلغي ما تحقق في عهد مبارك من مد العمل لسن السبعين. وكان من يخطط له قاض صغير بمجلس الدولة انتدب للرئاسة للعمل، في زمن كانت قواعد الاختيار فيه لأصحاب القامات المنخفضة، وكان ملف فساد هذا القاضي الصغير قد وصل بصعوبة للرئاسة، وربما حال سدنة العرش دون وصوله للرئيس، إلى أن استقال الفتى بمحض إرادته بعد أن ورط النظام في الكثير من المشكلات من هذا النوع، وخرج ليلعب دور البطل الذي استقال من العمل في الرئاسة، ولم يكن أكثر من فأر انتهازي، وجد المركب تغرق فغادرها!.

كنت في نقابة الصحفيين، بصحبة أحد القضاة الذين شاركوا في الانتفاضة ضد نظام مبارك، عندما أستأذن الحضور لمغادرة المكان لبدء مؤتمر القضاة في ناديهم الملاصق للنقابة، ولم ينس وهو يغادر أن يقول لي في أسى: انظر كيف جمعنا "محمد مرسي" مع "أحمد الزند". وكان "الزند" قد دعا لمؤتمر للتصدي لمشروع القانون الذي يخفض سن الإحالة للمعاش. وهو المشروع الذي قبر ولم ير النور، فلم يستفد منه أصحابه سوى في حشد الجميع ضدهم!.

ولا يمنع هذا، من أن هناك من كان يتحرك مدفوعاً بالغرض الذي هو مرض، فمثلي لا يفهم كيف لمشارك في ثورة يناير، ويتمتع بالاستقامة الثورية، أن يعترض على القرار الذي صدر من الرئيس مرسي، بعزل نائب عام "مبارك" الذي طالبت الثورة في كل تجلياتها بعزله. وعندما يعزل يصطف مع "الثورة المضادة" التي مثلها "الزند".

أتحدث هنا عن من أطلقوا على أنفسهم شباب الثورة، فقد كنت في هذه المرحلة ضد حكم الرئيس "محمد مرسي"، ومع ذلك فقد دافعت عن قراره بعزل النائب العام "عبد المجيد محمود"، وكان هذا القاضي الذي اصطف بعد ذلك مع "أحمد الزند"، مؤيداً لقرار العزل، إلى أن رضخ مرسي لإرادة الرافضين!.

ما علينا، فأحمد الزند، هو الذي صنعه نظام مبارك، ليواجه به تيار الاستقلال في القضاة، وبعد الثورة كان منحازاً لهذا النظام ولقواعد الفساد التي أرساها ومن بينها توريث العمل القضائي، لأبناء القضاة ولو كانوا فاشلين دراسياً مختلين نفسياً، واستبعاد أبناء الفقراء والطبقة المتوسطة وإن كانوا من الأوائل على دفعاتهم. ولم يتوقف "الزند" يوماً عن التحرش بثورة يناير، والهجوم على أدواتها مثل "فيسبوك"، و"طينيطر" بحسب نطقه الاستشراقي، لاسم موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"!.

ولهذا الانتماء، فقد كان موقع وزير العدل، محجوزاً لأحمد الزند، منذ الانقلاب العسكري الذي جرى في 3 يوليو على الرئيس المنتخب، وينتظر قرار تعيينه وزيراً الفرصة المناسبة!.

وقد مر الانقلاب العسكري بمراحل، ففي البدء وعندما كان يدعي الثورية وأنه جاء ليستكمل ثورة يناير التي خطفها الإخوان وركبوها، كان رئيس الحكومة "حازم الببلاوي" ونائبه "زياد بهاء الدين"، وهما ينتميان للحزب المصري الاجتماعي. وكان كذلك "حسام عيسي" وزيراً للتعليم العالي، ومعه "كمال أبو عيطة" وزيراً للقوى العاملة، وهما ناصريان، وكان الدكتور "محمد البرادعي" نائباً لرئيس الجمهورية، قبل استقالته احتجاجا على مذبحة رابعة، ثم بعد عدة شهور استقال "بهاء الدين"! 

وظل ثلاثي أضواء المسرح، يعهد إليهم بالعلميات القذرة لهذا الانقلاب فيقومون بها  بحماس، فيعلن وزير التعليم العالي، قرار اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، ويلقي البيان في انفعال شديد، بدون أن يكون هو المختص بذلك، وفي مجال اختصاصه يدافع عن سحق الطلاب داخل الحرم الجامعي!.

وغير ذلك لم يكونوا سوى "طراطير"، فالدولة يديرها شخصان هما وزير الدفاع "عبد الفتاح السيسي" وسكرتيره الخاص "عباس كامل" بمعزل عن "الرئيس المنتدب" عدلي منصور، وحكومة كبار السن التي يقودها "حازم الببلاوي"!.

بعد أن استنفد الانقلاب أغراضه قام بعزل هؤلاء، واستدعى عضو لجنة "جمال مبارك" إبراهيم محلب ليكون رئيساً لمجلس الوزراء، وكان المفروض أن يكون مع مبارك ونجليه في السجن في قضية القصور الرئاسية وباعتباره رئيساً لشركة "المقاولين العرب"، التي تولت تجديد القصور، ومكنت عائلة مبارك من الاستيلاء على 126 مليون جنيه من الأموال المخصصة لهذه المهمة!.

لكن، لم يكن مناسباً، والسيسي لا يزال بحاجة لغطاء ثوري، أن يجلب من ينتمي لنظام مبارك بشكل صريح، ويقف في خندق الدفاع عنه بدون خجل أو وجل!.

لقد جاءت الفرصة، ليتم تضخيم تصريح وزير العدل، عن عدم صلاحية أبناء الزبالين في العمل في سلك القضاء، ليقال وتأتي إقالته كما لو كانت استجابة للرأي العام!.

في حين أن وزيرة أخرى مارست العنصرية ضد أهل الصعيد واتهمتهم بأنهم وراء عشوائية القاهرة، ولم تتم إقالتها على نحو كاشف، أن السبب في إقالة وزير العدل ليس لتصريحاته العنصرية المستفزة للرأي العام، ولكن لأن الفرصة باتت مواتية ليعين "أحمد الزند" وزيراً للعدل!.

فلم يعد "عبد الفتاح السيسي" مشغولاً بأولئك الذين ينتمون لثورة يناير، وإن خرجوا في 30 يوليو واعتبروه هو الثوري الوحيد في المنطقة!.

لقد حصل مبارك ونجلاه وأركان حكمه على البراءة!

وخرج رمز الحزب الوطني "أحمد عز" من السجن وكان يستعد لخوض الانتخابات البرلمانية التي تأجلت!.
وقبل ذلك عزل السيسي وزراء من كانوا ينتمون لما سمي بأحزاب "جبهة الإنقاذ" التي مثلت الغطاء المدني للانقلاب العسكري.

وقام بسجن عددٍ من الشباب الذي ينتمي لثورة يناير وشارك في تأييد انقلابه.

وجرم التظاهر، مع أنه هو العمل الثوري الوحيد لثورة يناير، وبفضله أسقط الرئيس المنتخب، وحصل من خلال المظاهرات على تفويض بارتكاب المجازر ضد الإنسانية، للتخلص من معارضيه.

وجاءت سياساته ضد الفقراء، الذين خرجت ثورة يناير لتنصفهم!

وحكم الشعب بالاستبداد مع أن ثورة يناير خرجت تطالب بالحرية وتقف ضد الاستبداد.

والقاضي محمود الخضيري الذي فجر شرارة انتفاضة القضاة دخل السجن، وسط صمت من زملائه الذين خرجوا معه، فمعظمهم كان مع السيسي في انقلابه!.

وجاء الدور عليهم فيقدم من حول الشرارة إلى بركان وهو رئيس نادي القضاة السابق زكريا عبد العزيز إلى لجنة تأديب قضائية، وفي إجراءات تفتقد للعدالة على نحو هدد معه يأساً بإشعال النار في نفسه أمام دار القضاء العالي!.

وفي هذه الأجواء ليس غريباً أن يصبح "أحمد الزند" وزيراً للعدل، فقد عاد نظام مبارك بكل سياساته وشخوصه ورموزه!.

من قبل كتب زميلنا الناصري المنحاز للانقلاب "عبد الله السناوي" يطلب من "السيسي" أن يحسم خياراته. وظن أنه بحسم هذه الخيارات سيقول إنه ثورة يناير!.

لقد حسمها يا عبد الله، فهو قدم عشرات الأدلة على أنه قد حسمها، وتوج هذه الخيارات بتعيين "الزند" وزيراً للعدل!.

هو يريد أن يقول بذلك: أنا ثورة مضادة.. أنا انقلاب عسكري!.

"مبسوط يا عبد الله"!

[email protected]
التعليقات (4)
عمر
السبت، 22-08-2015 03:26 م
نلببلبيغالب
جمبولا
الخميس، 21-05-2015 10:35 م
أشعر يا أستاذ عزوز أن محلب أضطر لهذا الأختيار لرفض الكثير من القضاة شرفاء وغير شرفاء عذا المنصب لكونهم يعلمون بدنو نهاية الأنقلاب وظني الثاني أنه أبعده عن نادي القضاة حتي تتم الأنتخابات ويعطي لأبن الحلاق شلوط كبير
سيدسلطان
الخميس، 21-05-2015 06:24 م
ما نامت اعين الجبناء...فليسمعها كل عبدالله فقد تبين الرشد من الغي
عربى
الخميس، 21-05-2015 02:00 م
ستسقط دولة العواجيز والفاسدين عاجلا ام اجلا