فنون منوعة

"التعليم الزيتوني" في تونس يصارع من أجل البقاء

يتعرض الجامع لسحب وثيقة استئناف التّعليم الزيتوني جراء ضغوط خارجية - أرشيفية
يتعرض الجامع لسحب وثيقة استئناف التّعليم الزيتوني جراء ضغوط خارجية - أرشيفية
ينسب "التعليم الزيتوني" في تونس إلى جامع الزّيتونة، ثاني أهم المعالم الإسلامية في تونس بعد جامع عقبة بن نافع بالقيروان، وهو في الوقت نفسه أقرب ما يكون إلى جامعة إسلامية لنشر الثقافة العربية الإسلامية في بلاد المغرب.

ويصارع "التعليم الزيتوني" من أجل البقاء بعدما احتدم الصراع بين السلطات التّونسية والشيخ حسين العبيدي، إمام جامع الزّيتونة، على خلفية قرار حكومي من قبل كل من وزارة التّعليم العالي والبحث العلمي، ووزارة التّربية، ووزارة الشّؤون الدّينيّة بسحب وثيقة استئناف التّعليم الزيتوني.

الوثيقة تعود إلى سنة 2012 وكانت بمثابة اتفاق بين تلك الوزارات وشيخ جامع الزّيتونة تقضي بإعادة "التعليم الزيتوني"، ويعتبرها الشيخ العبيدي حكما رسميا، في حين أن وزارة الشؤون الدّينية ترى أنها لا ترتقي لأن تكون وثيقة قانونية وهي مجرد "وثيقة رمزية".

وقال الشيخ حسين العبيدي، إمام جامع الزيتونة إن "جامع الزيتونة تعرّض لضربات عديدة، آخرها رغبة الدّولة في سحب وثيقة استئناف التّعليم الزيتوني، وذلك جراء ضغوط خارجية".

وعما يعنيه بـ"الضغوط الخارجية"، تابع العبيدي بأنه "في الظاهر نرى أننا في تونس انتقلنا من حكم إلى آخر، لكن في الخفاء العكس هو الصّحيح، فالحكم فرنسي تملي فيه فرنسا ما تشاء".

ومضى قائلا إن قرار الحكومة سحب وثيقة استئناف التّعليم الزيتوني، إنما هو "قرار خاضع لضغوط خارجية، أي أن الدولة وكأنها تحت ضغوط خارجية منها فرنسا أرادت أن تفسخ هذه الوثيقة".

واعتبر أن السلطات التونسية لم تفلح من الجانب القانوني أو السياسي، مضيفا أنه "الآن نشتم من رائحة ما تفعله أنها ستتبع أسلوب العنف وبذلك نعود لعهد دكتاتورية الدّولة".

ولم يعط العبيدي توضيحا حول دوافع فرنسا والجهات الخارجية لاستهداف التعليم الزيتوني على وجه الخصوص.

في المقابل، اعتبرت وزارة الشؤون الدينية، في بيان سابق لها، أن قرار سّحب الوثيقة جاء متناغما مع القانون ومطبقا لمقتضياته باعتبار أن وزارة الشؤون الدينية هي السلطة الوحيدة المؤهلة للنظر في جميع المسائل المتعلقة بجميع المساجد دون استثناء.

وبين الوزير في البيان أنّ وثيقة استئناف التعليم الزيتوني هي وثيقة أدبية رمزية تُشفع لاحقا بوضع برنامج كامل للتعليم الزيتوني وتنظيمه من قبل هيئة علمية، يتمّ تكوينها بالاتّفاق فيما بعد، ودون أن يترتّب عليها أيّ مفعول قانوني.

في المقابل، قال رئيس ديوان وزير الشؤون الدّينية، عبد الستار بدر، إن "المشيخة كان لها رئيسها والمنبر كان له إمامه وإن ما يهم الوزارة في هذه المسألة هو المنبر".

واعتبر بدر أن "جامع الزيتونة يلعب وظيفتين الأولى تعبدية شأنه في ذلك شأن بقية المعالم الدّينية والمساجد، وأخرى علمية وله في ذلك مشيخته، والوزارة لا دخل في الجانب الثاني باعتبار أن القانون يسمح للوزارة بالإشراف على كامل المعالم الدينية وليس هناك استثناء في القانون".

وأشار إلى أن "الوزارة طالبت بأن يكتفي شيخ الجامع الأعظم بالمشيخة الدّينية (الجانب التعليمي) وأن يعيد الجامع إلى سلطة الإشراف ولكنه أبى وتجرأ على شتم الوزراة".

وبحسب رئيس الدّيوان الوزاري فإنه "لم توضع برامج ولم يتم هيكلة هذه المَشيخة ولم يتم تنظيم لقاءات واجتماعات مع وزارة التعليم العالي التي ستعطي الشهادات العلمية في نهاية المطاف والتي يجب أن تكون معترفا بها من قبل الدّولة، وبالتالي فإنه يجب أن يتبع الجامع للدولة حتى يصبح لهذا المحصل العلمي مصداقية تكون ملائمة لسوق الشغل وضمانة للطالب في إيجاد وظيفة مستقبلا".

علي العويني وهو أحد شيوخ الزيتونة الذين انشقوا عن الشيخ الحالي حسين العبيدي، قال إن العبيدي "قام بطرد تعسفي في حق الطلبة والشيوخ وهي عملية تكررت عديد المرات وشملت ما لا يقل عن 20 من شيوخ الزّيتونة".

وأضاف العويني أن "ذلك ما دفع بعدد من الشيوخ إلى الابتعاد والانشقاق عنه وسحب ثقتهم منه لأنه لم يكن يحترم النّظام الدّاخلي للمؤسسة، فجامع الزيتونة مؤسسة إسلامية علمية تربوية مستقلة بينما هو خرق هذا المبدأ بهجومه على الجميع".

الشيخ العبيدي من جانبه أكد أنه "يملك من الوثائق ما يكفي لإسناد قرار إعادة استئناف التعليم الزيتوني وأنه تمّ القيام بإجراءات ومنها تخصيص الهيئة العلمية وإعادة الاسم الأصلي لها أي مشيخة الجامع الأعظم وفروعه لتصبح كل الأمور منظمة وفق عقود مع وزارات التعليم العالي والتربية والشؤون الديّنية، بأن الزيتونة مؤسسة إسلامية علمية تربوية مستقلة عن الدولة والتعليم الحكومي غير تابعة للدولة وليست سياسية".

هذه الصراعات كادت تنسي الكثيرين جمال هذا المعلم الذي يعود تأسيسه إلى سنة 79 للهجرة (699 ميلادية) على يد أحد قادة الفتوحات الإسلامية ويدعى حسان بن النعمان، بما يحمله من ثراء وتاريخ يشهد عليه العالم العربي والإسلامي في كامل أنحاء العالم، وبما يحمله من أبعاد حضارية وفكرية.

وفي ظلّ كل هذه التجاذبات، يبقى التعليم الزّيتوني الضحية الأكبر، وهو الذي تخرج منه كبار الفقهاء التونسيين والعرب ومنهم المؤرخ ابن خلدون وابن عرفة، ومحمد الطاهر بن عاشور صاحب تفسير التحرير والتنوير، ومحمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر.

وتخرج أيضا مصلحون وأدباء من هذا الجامع العريق، منهم المصلح الزعيم عبد العزيز الثعالبي وشاعر تونس أبو القاسم الشابي صاحب (ديوان أغاني الحياة)، ومن حلقاته العلمية برز المصلح الجزائري ابن باديس والرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين، وغيرهم كثير من النخب التونسية والمغاربية والعربية.

ويدرس التعليم الزيتوني أصول الدّين والفقه الإسلامي، وكل العلُوم الصحيحة من فيزياء وكيمياء ورياضيات وعلوم طبيعية فضلا عن الآداب العربية.

وبحسب الشيخ حسين العبيدي، شهد جامع الزيتونة عراقيل عديدة من أهمها إيقاف العمل به في الحقبة البورقيبيّة (من 1959 إلى 1987) التي عرفت تجفيفا لمنابع العلوم الإسلامية والدّينية بـ"إملاءات فرنسية"، تلتها فترة حكم بن علي (من 1989 حتى 2011) وما عرفته أيضا من تضييقات خاصّة في كل ما يتعلق بالمسائل الدّينية.

ويمكن لأي شخص أن يقوم بالتسجيل في التعليم الزيتوني عبر طلب لإدارة الجامع، وتمنح الجامعة 3 أصناف من الشهادات الأولى تسمى "الأهليّة" ومدة التدريس بها 4 سنوات، وشهادة "التحصيل" وهي مرادفة للباكالوريا أو التعليم الثانوي، وتدوم 3 سنوات، أما الشهادة الثالثة فهي "العالِمية" أو "الإجازة" ومدة الدراسة فيها 3 سنوات وهي أشبه بالشهادات الجامعية، وفقا للعبيدي.

وبحسب العبيدي، فإنّ عدد الطلبة حاليا يفوق 7 آلاف طالب يزاولون تعليمهم في 25 فرعا بمختلف محافظات تونس، إلى جانب الجامع الكبير ويطلق عليه "الجامع المعمور". ويتجاوز عدد الشيوخ الزيتونيين 600 شيخا.
التعليقات (0)