صحافة دولية

معلق بريطاني: تفسيرات هجمات باريس مختزلة وسطحية

غاري يونغ: طريقة هجوم باريس تظهر أن الأهداف لم تكن عابرة  - أ ف ب
غاري يونغ: طريقة هجوم باريس تظهر أن الأهداف لم تكن عابرة - أ ف ب
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للمعلق غاري يونغ، حول هجمات باريس، قال فيه: "في وقت الأزمات يسارع أولئك الذين يريدون منا أن نركز على فكرة واحدة إلى مكبرات الصوت، ولكن تفسير الأمور على الطريقة المانوية (الظلام مقابل النور، والخير مقابل الشر) يفرض ثنائية أخلاقية تحاول حشرنا في معسكرات بسيطة، فليست هناك معضلات ولكن هناك تصريحات، وما ينقص تلك التصريحات من التعقيد يعوض عنه بالوضوح الانفعالي وتقديم عدو واضح".

ويضيف الكاتب: "رجل أسود يقتل شرطيين في سيارتهما في نيويورك، وفجأة يتحول كل من تظاهر ضد الشرطة لقتلهم السود غير المسلحين في مناطق مختلفة من أمريكا أشخاصا أيديهم ملطخة بالدم. وتقوم سوني بسحب فيلم عن اغتيال خيالي لزعيم حقيقي بعد التهديد بانتقام عنيف، وفجأة يصبح كل من عارض إنتاج مثل هذا الفيلم متأثرا برئيس الوزراء البريطاني في ثلاثينيات القرن الماضي نافيل تشامبيرلين، الذي اشتهر بسياسة الترضية. ويتم اعتقال (رجال القش) أو (الفزاعات) لمجرد (الشك)، ويسجنون حتى نهاية الأزمة دون توجيه تهمة؛ لأن توجيه تهمة يقتضي المحاكمة، والمحاكمة تقتضي سؤالا وجوابا وأدلة، فأنت إما أن تكون معنا أو أن تكون ضدنا".

ويعود يونغ لأحداث باريس، ويبين أن "أحداث الأسبوع الماضي المروعة وفرت مثل هذه الأزمة، وكانت جهود اليمين واليسار في تفسير الهجوم على شارلي إيبدو والمتجر اليهودي وغيرهما مختزلة، فالأغلبية تحاول تفسير ما حصل، وماذا علينا أن نفعل، من خلال طرح بسيط، إن كان الأمر متعلقا بالإسلام أم ليست له علاقة نهائية بالإسلام، أو له علاقة بالسياسة الخارجية أم ليست له علاقة أبدا بالسياسة الخارجية، أم أنها الحرب أم أنه الإجرام، أم أنه متعلق بحرية الكلمة والاندماج والعنصرية والتعددية الثقافية". 

ويوضح الكاتب أنه "صحيح أن كل سبب ذكر فيه شيء من الصحة، ولكن لا يوصلنا أي من هذه الأسباب وحده إلى الحقيقة. فالقليل لديه الاستعداد أن يعترف أنه بالرغم من بشاعة قتل المدنيين في أماكن عيشهم أو عملهم، إلا أن جذور هذه الأفعال عميقة ومعقدة، والدوافع إلى حد ما غير معروفة وغير متماسكة".

ويتابع يونغ: "واضح أن الهجوم كان يستهدف حرية التعبير. وبالرغم من التصريحات الشجاعة الأسبوع الماضي، إلا أن أي رسام كاريكاتير سيفكر مرتين قبل أن يرسم مثل تلك الرسوم التي جلبت السمعة السيئة لـ (شارلي إيبدو). ويجب الدفاع عن هذا المبدأ بشكل لا لبس فيه، كما يجب تعريفه بأمانة".  

وتعليقا على محدودية حرية التعبير، يقول الكاتب: "في كل بلد، بما في ذلك فرنسا، هناك حدود لحرية التعبير. ففي عام 2005 تم تجريم صحيفة (لوموند) بتهمة (التشويه العنصري) ضد إسرائيل والشعب اليهودي. وفي عام 2008 تم طرد رسام كاريكاتير في صحيفة (شارلي إيبدو) بعد أن رفض الاعتذار على تعليقات لا سامية في عموده. وقبل أن تنشر الصحيفة الدنماركية الرسوم المسيئة للرسول عام 2006 رفضت نشر رسوم مسلية حول بعث المسيح؛ خوفا من (تسببها باحتجاجات)".  

ويشير يونغ إلى أن "حرية التعبير دائما مشروطة، وهي أبعد ما تكون عن كونها (مقدسة)، كما يدعي البعض. فالمجتمعات كلها ترسم خطوطا حمراء غير معرفة بشكل جيد، وتتحرك تلك الخطوط باستمرار وتناقش دائما حول ما هو مقبول في الخطاب العام، فيما يتعلق بالقضايا الحساسة المتعلقة بالثقافة والعرق والدين. والسؤال هو فيما إذا كانت تلك الخطوط تأخذ المسلمين في الحسبان أيضا".

ويرى الكاتب أن "تحميل المسلمين مسؤولية هذه الجرائم أمر قبيح. فلا يمكن تحميلهم مسؤولية تلك الجرائم أكثر من تحميل اليهود مسؤولية قصف غزة. فالمسلمون لا يشكلون مجتمعا موحدا، كما أن دينهم لا يحدد توجهاتهم السياسية، والمسلمون هم الأكثر عرضة للقتل من هؤلاء المتطرفين، حيث قام القتلة في باريس بقتل شرطي مسلم، وفي اليوم التالي خبأ عامل متجر مسلم خمسة عشر شخصا في ثلاجة المتجر، الذي يبيع لحم الكوشر، بينما كان مطلق النار يحتفظ برهائن في الطابق الأعلى. ولا أحد انتخب أولئك المسلحين، فهم لا يمثلون أحدا".

ويواصل يونغ: "بعد أن قلنا هذا فإنه لا يمكننا القول أيضا بأن المهاجمين ليست لهم علاقة بالإسلام، كما أننا لا نستطيع القول بأن (كو كلاكس كلان) لا علاقة لهم بالمسيحية أو أن (بي جي بي) في الهند ليست لهم علاقة بالهندوسية. ففي صفوف ذلك الدين وجد هذا النوع من العنف إلهامه وتبريره، وهذا لا يجعل التبريرات مقبولة أو الإلهام أقل انحرافا، ولا يمكن جعلها غير ذات صلة أيضا".

ويلفت الكاتب إلى أن "أولئك الذين يدعون أن الإسلام (بطبيعته) يحض على العنف هم أكثر كراهية، ولكنهم لا يقلون حماقة عن أولئك الذي يدعون أن الإسلام (بطبيعته) سلمي. والإصرار على أن هذه الأفعال البشعة ترفضها النصوص القديمة يقابلها وبالإقناع نفسه إصرار على أن النصوص القديمة تؤيدها. فالإسلام مثل أي ديانة أخرى ليس في طبيعته شيء معين سوى الشيء الذي يفهمه الناس. وقد قررت فئة قليلة، لكنها مهمة، أن تنحو به نحو العنف".

ويجد يونع أنه لا حاجة لإنكار أنه لو نظرنا إلى أحداث العقد الماضي فإننا نجد أوضح تفسير وأكثرها احتمالا، فقد أدى وضع المسلمين في الصراعات الأجنبية دورا مهما في دفع هؤلاء الشباب للتطرف، فلا يذهب شباب من الطبقة العاملة في باريس للتدريب العسكري في اليمن لمجرد نزوة، فمنذ المراهقة نشأ أولئك الشباب على أخبار لحروب غير قانونية وتعذيب ومذابح في الخليج والشرق الأوسط، يشكل المسلمون في العادة الضحية فيها.

ويفيد التقرير أن شريف كواشي قال أمام المحكمة عام 2007: "جاءتني الفكرة عندما شاهدت على التلفاز ظلما ما كان يحصل هناك، أتحدث عن تعذيب الأمريكيين للعراقيين".

ويذكر الكاتب أن المسلح الآخر أحمدي كوليبالي، يقول في فيديو إنه انضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية للثأر من الهجمات ضد المسلمين، ويرى يونغ أن "هذه التظلمات حقيقية حتى لو أن محاولة مقارنتها بما ارتكبه المسلحون تسبب صداعا. فرنسا عارضت الحرب على العراق، والدولة الإسلامية والقاعدة عدوتان لبعضهما، وكلاهما قتل أعدادا كبيرة من المسلمين، فليست المشكلة فقط هي إفلاس في الأخلاقيات، بل في المنطق الأعوج أيضا".

ويستدرك يونغ قائلا: "إن الإسلاميين ليسوا المتناقضين الوحيدين هنا، فاليوم هو ذكرى افتتاح غوانتنامو، إضافة إلى نشر تقرير التعذيب قريبا، ومقاومة فرنسا للتغير الديمقراطي في الربيع العربي، فإن كثيرا ممن يدعون أن هذه حرب بين الحرية والبربرية يضعون رجلا في هذا المعسكر والأخرى في ذاك".

ويخلص الكاتب إلى أنه "واضح من الطريقة التي تم فيها الهجوم أن الأهداف لم تكن عابرة، ولم تكن تصرفات مجانين، ولكنه عنف سياسي محسوب دفعت إليه ولاءات متنافرة لشباب متضررين. هم مسؤولون شخصيا عما قاموا به، ولكننا كمجتمع مسؤولون عن الظروف التي أنتجتهم، وإن أردنا ألا يتكرر هذا مع الآخرين علينا تجنب الفكرة الواحدة السطحية". 
التعليقات (1)
khaled
الثلاثاء، 13-01-2015 10:28 ص
I suggest you ad the link to the original article.